Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناTuesday 09/07/2013 Issue 14894 14894 الثلاثاء 30 شعبان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

هذا المثل المشهور يصلح في هذه الأيام لمخاطبة الدكتور محمد مرسي الذي عزله الجيش عن رئاسة الجمهورية. ومناسبة ذلك أنه في خطبتيه الأخيرتين - لاسيما في خطبة الليلة التي سبقت عزله - أكد مرارا وتكرارا تمسكه بالشرعية، وأنه مستعد للتضحية بحياته من أجلها.

إلا أن الشرعية التي كان يعنيها هي ما يخص كونه رئيسا منتخبا؛ أما ما يترتب على هذه الشرعية من التزامات وسياسات فقد نسيها خلال مدة رئاسته للجمهورية. لقد اعترف هو نفسه في تلك الخطبة بأخطائه، ورمى المعارضة بأنها رفضت دعوته للحوار. لكن الاعتراف في اللحظة الأخيرة لا يجدي نفعا، إذا كانت الأخطاء تتراكم مثل كرة الثلج حتى سد حجمها الكبير أفق الناظرين. في أول الأمر كان يغمرنا التفاؤل بنجاح تجربة انتخاب رئيس لمصر بطريقة ديمقراطية، ولاح لنا شيء من الأمل بأن تجد الجماهير المصرية في حكم الإخوان المسلمين- الذين ينظر إليهم كممثلين لتيار إسلامي معتدل- حلاوة تعوضهم عن مرارة الحكم السابق. وعندما مرت الأشهر الأولى من حكم الرئيس مرسي دون أن نلمس ما يدعم ذلك التفاؤل، صرنا نلتمس له الأعذار بأن المدة قصيرة ولا تكفى لتقويم الوضع ولا بد من إعطائه فسحة من الوقت لتحقيق النجاح وتثبيت الوجهة الصحيحة. إلا أن الرئيس خيب الآمال بما جني على نفسه من إتباع سياسات خطأ واتخاذ قرارات مستفزة جلبت عليه الكثير من الامتعاض - إن لم يكن التذمر والكراهية في الداخل والخارج. فماذا فعل؟

لم يثبت على وعوده التي أطلقها في أول عهده بالرئاسة بأن تكون الدولة المصرية دولة مدنية ديمقراطيه؛ بل إن المظاهر التي برزت إلى السطح رسخت الاعتقاد بالتوجه نحو إقامة الدولة الدينية. فما الذي يوحى به مثلا تعاظم نفوذ مكتب المرشد العام للإخوان المسلمين الذي لا يحييه أتباعه إلا بتقبيل اليد، وذلك على الرغم من وجود حزب الحرية والعدالة؟ وفتح المجال لشخصيات دينية من خارج مصر لممارسة تأثيرها على المصريين (يوسف القرضاوي، محمد العريفي، سلمان العودة)؟ واستخدام المساجد وخطب الجمعة في الدعاية الانتخابية؛ ونمو التطرف السلفي والصبر عليه، مما شجع التجاوزات المتطرفة ضد المنتسبين للمذهب الشيعي (قتل وسحل أربعة من الشيعة في محافظة الجيزة) أو الأقباط (تفجير بعض الكنائس)؟

أقدم على مصادمة المؤسسة القضائية وأصدر عدة إعلانات دستورية تضمن أولها أنه لا يجوز الطعن في قرارات رئيس الجمهورية. ولم يكن الرئيس هو المنتصر دائما في الصدام مع القضاة. ففد أبطلت المحكمة الدستورية قانونية انتخاب مجلس الشعب، وقرار تعيين نائب عام جديد. هذه المصادمات والأخذ والرد مع المؤسسة القضائية، ثم الاعتراض على تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور من أعضاء أغلبهم من حزب الحرية والعدالة أضرت بهيبة الرئاسة ودعمت حجج المعارضة.

على الرغم من أن إنهاء المجلس العسكري وعزل وزير الدفاع ورئيس الأركان تم بنجاح، وكان الهدف الظاهر منه هو تحييد الجيش وإبعاده عن السياسة، إلا أنه خلف مرارة الشعور بإنكار جميل الجيش ( ممثلا بالمجلس العسكري) في تأمين انتقال السلطة إلى رئيس منتخب ديمقراطيا، وأن الغرض الحقيقي هو تأمين انفراد الإخوان بالسلطة. ومن هذا الشعور يتولد التوجس بأن ازدياد النشاط المسلح للإرهابيين في سيناء (قتل 16 عسكريا في رفح، تعرض مراكز الشرطة والدوريات لهجمات مسلحة) إنما المقصود منه إشغال الجيش بقضايا أمنية بعيدة عن الداخل المصري، أو إظهاره بمظهر العاجز. وفى كل الأحوال فقد كانت ردود فعل الرئيس مرسي أقل من المنتظر في ظروف كهذه. ولم تكن زيارة مرسي لسيناء برفقة القيادة العسكرية مؤثرة بقدر ما كانت إبرازا لصورته كقائد عام للقوات المسلحة. كل هذا - إن كان فهمي صحيحا- أضفى شيئا من الفتور على علاقة الجيش بالرئيس.

ولعل الهدف الأبعد من وراء ما ذكرته آنفا هو إقامة حكم شبيه بولاية الفقيه في إيران بعد أن تتم تصفية المنافسين. ولكن ذلك في بلد مثل مصر يستحيل تحقيقه. إن الولي الفقيه في إيران لم يتمكن من التفرد المطلق بالحكم إلا بعد أن سهلت له الحرب العراقية الإيرانية، تصفية المنافسين الذين شاركوه في الثورة على الشاه ونصب المشانق لبعضهم وتشكيل الحرس الثوري.

يمكن القول بكل بساطة إن محمد مرسي لم يحظَ بتأييد جماهيري طوال سنة حكمه. فهو لم ينجز من خلال حكومته الضعيفة شيئا مما وعد به لتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي للمصريين، والعكس حصل: فقد زادت البطالة وارتفعت الأسعار.

وآخر نقاط الضعف - وإن لم تكن أقلها أهمية- تتمثل في سياسته الخارجية. فقد كان موقف حكومة مرسي من إبادة الشعب السوري على يد حكامه موقف المتفرج، على الرغم من كون الإخوان المسلمين في سوريا من أكبر فصائل الثورة السورية. وربما يكون للعلاقة الحميمة بين نظامي الحكم في كل من مصر وإيران دور في ذلك- وآخر مظاهرها اتفاقية السياح الإيرانيين لمصر. وعندما بادرت حكومة مرسي باقتراح تشكيل لجنة رباعية لمعالجة الوضع السوري أصرت على عضوية إيران فيها إلى جانب مصر وتركيا والمملكة العربية السعودية التي لم تقبل وجود دولة تمثل جزءا من المشكلة لا الحل.

بعد هذا كله لا عجب أن تتمكن حركة (تمرد) الشبابية من تجميع (22) مليون توقيع ومن حشد المتظاهرين ليوم 30 يونية الذي قابله حشد مماثل من مؤيدي مرسي. أما الجيش فرأى في ذلك مدعاة للسعي إلى منع اشتعال الفتنة ودعا وزير الدفاع إلى اجتماع يضم أطراف الحكم والمعارضة. وحضر الاجتماع بالفعل جميع الأطراف ما عدا حزب الحرية والعدالة. وسواء كان الغياب بإيعاز من الرئيس أومن المرشد العام، وسواء كان ذلك بسبب اعتباره خارجا عن صلاحيات الجيش أو خشية من قبول تنازلات مؤلمة، فإن الخاتمة كانت غير سارة لمحمد مرسي، وجاءت خطبته الأخيرة بعد فوات الأوان. ولم يصعب على الجيش أن يتدخل ويعزل الرئيس بمبرر فقدانه للشرعية؛ وهو مبرر استخدم مثله الجيش في عدم تدخله لصالح حسني مبارك وفى نفس الظروف - أي المظاهرات المليونية.

وأنا مع الرأي الذي يقول إن ذلك الاجتماع كان حاسما، وكان بالإمكان - لو حضره نائب الرئيس أو ممثل لحزب الحرية والعدالة- أن ينتهي بمشروع (أو بخارطة طريق كما يسمون ذلك) يتضمن تنازلات ترضي المعارضة ولا تنال من شرعية الرئيس- بل كان هو الذي سيصدر قرارا بالموافقة عليها. وبذلك فوت الرئيس فرصة عظيم. لذا نقول: الصيف ضيعت اللبن.

إلى الدكتور محمد مرسي: الصيف ضيعت اللبن!
د. عثمان عبدالعزيز الربيعة

د. عثمان عبدالعزيز الربيعة

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة