Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 11/07/2013 Issue 14896 14896 الخميس 02 رمضان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

مع كل هذا الغضب الذي يلف العالم في شرقه وغربه.. والغليان البشري والبيئي الذي يتخاطفنا يميناً ويساراً من فيضانات الهند المميتة لسقوط الطائرات واصطدام القطارات إلى الغليان الشعبي في سوريا ومصر.. وغيره من الأحداث الجسام التي تجتاح عالمنا الذي لم يَعُد بشرياً بالدرجة الكافية، لذا تبدو فكرة الشعور بالأمان وتمنيه مع مقدم الشهر الكريم، فكرة مقبولة بل ودعوة مطلوبة

نتمناها لأوطاننا أولاً (فهي سبب الشعور بالأمان أو فقده بالدرجة الأولي)، ثم لأنفسنا ولمن نحب ولمن حولنا بشراً وشعوباً.

نحتاج في هذا الشهر الكريم أن نكون متأملين لما يحدث وأن نتمكن من تفسيره، فالربيع العربي الذي هللنا له كثيراً شارف على ًكثر من مائة ألف قتيل في سوريا، وندعو الله مخلصين أن يجنب مصرنا الحبيبة ويلات الصراعات على السلطة، والتي خلّفت الكثير من الفوضى والقتلى (وهو ما قد نتوقعه إلى حد كبير مع فوضي انتقال واستقرار السلطات)، على أننا نتمنى أن لا تنتقل هذه الاضطرابات الى أحد أو بلد، رغم حلمنا جميعاً بالعدالة والديمقراطية ومحاربة الفساد.

المدهش كل هذا الدم وكل هذا العنف الذي صار مصاحباً لانتفاضات الربيع العربي، بحيث لا يتوانى المسلم عن قتل أخيه المسلم، بحجة الاختلاف في المذهب أو حتى الانتماء السياسي، رغم أن رسول الله الكريم صاح محذراً وبقوة أنّ.. دم المسلم على المسلم حرام: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه).

سؤالي هنا كيف يمكن أن يكون العنف مع المختلف واستباحة دمه وعرضه وماله سلوكاً شائعاً إلى هذا الحد؟ هل العنف رفيق للثورة والتغيير بالضرورة؟

حين نستعيد أحداث التاريخ المجيد عبر ثورات العالم والأكثر شهرة منها على وجه الخصوص، مثل الثورة الفرنسية والروسية والحربين العالميتين الأولى والثانية، والتي أسفرت فيها الأخيرة عن خمسة وخمسين مليون قتيل على الأقل، سنجد العنف ملمحاً مؤكداً لكثير من ثقافات العالم حتى النصف الأخير من القرن العشرين، حيث بدا بعد ذلك أن العالم يرغب في أن يكون أكثر أمنا وأقل عنفاً، عبر معايير عالمية تضمن حق البشر أينما كانوا وفي مختلف الظروف، وهو ما أدي إلى ظهور الأمم المتحدة ومواثيقها المتعددة حول حقوق الإنسان والطفل والمرأة والعمال والمهاجرين، وغيرهم من مختلف الظروف البشرية التي يمكن أن يمر بها أي فرد وأي قطر.. لكن هل ساعد ذلك فعلاً على تقليل العنف عبر العالم؟

هل حقاً تمكنت بعض الثقافات التي تقدمت تكنلوجياً وقانونياً وحضارياً مثل الثقافة الغربية من أن تكون أكثر تحضراً وأقل عنفاً مع المختلف؟

في قصة ترحيل “أبو قتادة” من بريطانيا نموذج حي لديمقراطية حية، فرغم أنّ “أبو قتادة” استقر في بريطانيا لأكثر من عشرين سنة، وكان يعيش هو وزوجتاه وأطفاله ويأكل ويعيش ويسكن ويدرس أطفاله ويستخدم مستشفياته بأموال دافعي الضرائب البريطانيين (كان يسكن على نفقة الدولة ويدفع له ولزوجتيه رواتب شهرية ويذهب أطفاله للمدارس البريطانية مجاناً ويتلقون العلاج مجاناً)، ورغم كل ما فعله خلال إقامته واعتبر تحرضاً وإرهاباً، إلا أن الديمقراطية البريطانية لم تتمكن من ترحيله عن أراضيها كشخص غير مرغوب فيه، إلا بعد عشر سنوات من المداولات القانونية عبر المحاكم، وكلفت دافعي الضرائب أكثر من مليوني جنية إسترليني! في حين كان يمكن أن يتعرض للترحيل من أي بلد عربي لو اعتبر مهدداً لأمنها ليس في يوم واحد بل خلال ساعات!

هذا نموذج متقدم في ديمقراطتيه، ويقابله نموذج سجن جوانتانامو الذي تمت فيه أفظع الممارسات اللاديمقراطية ومثل وجهاً قبيحاً للحضارة الغربية!

أين يكمن السؤال الفلسفي إذن؟ وأين سنجد الإجابة؟ هل للتقدم الإنساني ولعموم الحضارة الإنسانية دور في تطوير مفاهيمنا نحو حقوق الإنسان ونبذ العنف، أم هي الأديان وعلى رأسها الإسلام الذي أكد عبر دساتيره الأساسية في القرآن والسنّة النبوية الشريفة، القيمة العليا للإنسان بغضّ النظر عن أصله وفصله ومذهبه؟ هل العبرة أيضا بالدولة وسيادة القانون الذي سيجبر البشر على التصرف بعدالة مع الآخرين؟ هل تذكرون ما حدث عند انفجار شاحنة الغاز المريعة على طريق خريص في الرياض في 1 /11 /2012 وكيف تصرف معظم من وجد هناك لسرقة ما أمكن دون عبرة بهول الحدث أو بالقتلى والمصابين من حولهم، اعتقاداً منهم للحظة بأنه لا يوجد من يراقب سلوكهم ويجبرهم (بقوة القانون على التمثل به لا إيماناً به بل خوفاً منه!!)

أين نمضي إذن؟ كيف يمكن أن نكون آمنين في ديارنا وعلى أنفسنا حتى لو اختلفنا؟ المباحث الأمنية في كل بلد عربي مشغولة حتى آخر رجل فيها، بتبادل كل ما أتيح من معلومات تضمن أمن أراضيها وعدم شيوع الفوضى وهذا أمر محتم ومطلوب بالطبع، لكن لم نطرح أسئلة أخرى بذات الأهمية؟ ما الذي يجعل دم المسلم مستباحاً من أخيه المسلم في بلاد الربيع العربي، وهو المسلم الذي نطق بذات الشهادة ويصلي ذات الصلاة ويصوم رمضان كما يفعل لكنه يمكن أن يقتل الآخر، فقط لإيمانه بأنه لا ينطق نفس كلماته ولا يردد نفس أفكاره حتى ولو لم يختلف معه على الأسس؟ هناك شيء ما لا علاقة له بالقيم المعلنة بل بالأفكار المستبطنة التي يحملها الإنسان والتي تبني جوهرياً عبر الدين والثقافة العامة، حين تكون مستبطنة في العقل اللاواعي وممارسة من قبل الفرد في وسطه المباشر ثم في الوسط العام، سواء كان هناك رجل قانون يراقبه أم لا، خاصة وأن هناك عيناً لا تنام ترقبنا في كل لحظة فكيف سنفر منها؟..

كما أرى بقي السؤال بلا إجابة؟؟

كل رمضان ونحن جميعاً آمنون؟
د. فوزية البكر

د. فوزية البكر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة