Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 11/07/2013 Issue 14896 14896 الخميس 02 رمضان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الثقافية

«لمن تُقرع الأجراس؟»!
بثينة الإبراهيم

رجوع

* يحكى أن الإمبراطور تشارلز الخامس قد قضى آخر أيامه في أحد الأديرة محاولاً إصلاح الساعات ونظمها بحيث تقرع أجراسها جميعاً في وقتٍ واحدٍ، ولكنه فشل في ذلك وظلت الساعات تدق بحسب نظامها لا بحسب ما أراده لها، ولك أن تتخيل حالة الفوضى والاضطراب والتلوث السمعي أيضاً!

* تبدو المصطلحات لدينا أنها تعيش الحالة ذاتها من الفوضى والارتباك، وهذا الأمر ينطبق على المصطلح المعرّب والمترجم معاً،وبما أنّ لغة أي مجتمعٍ ما هي إلا صورة عاكسة لواقعه، فلا ريب أنّ هذا الاضطراب هو في أساسه سمةٌ للمشهد الثقافي العربي الراهن ككل، بعبارةٍ أخرى يمكن القول: إن المصطلح هو نتاج ثقافة أمةٍ ما وهو بالتالي ينقل غنى تجربة الأمة أو فقرها على مختلف الأصعدة، ومادامت حركةُ الإبداع العلمي والأدبي نشطةً في هذا المجتمع، فمن الطبيعي أن تزدهر فيه حركة الاصطلاح، وليس خفياً على أحدٍ المشاكل الكثيرة التي يعانيها المصطلح في العالم العربي؛ منها العجز عن مواكبة الكم الهائل من المصطلحات التي تفرزها ثورة العلم و المعلومات، و موت المصطلح العلمي المعرّب في مجتمعنا الراكد علمياً، بالإضافة إلى العجز عن توحيد المصطلح المعرّب.

* ولإيضاح ذلك أكثر لننظر إلى مصطلح صغير مثل «أيقونة» الذي يرد كثيراً في الأدبيات النقدية لنجد أن مقابلاته تعريباً تأخذ خمسة أشكالٍ تتمثل في كسر الهمزة وفتحها (أيقونة/ إيقونة)، وبحذف الياء (إقونة) أو التاء المربوطة (أيقون) أو الإبقاء عليهما، أما مقابلاته المترجمة فقد وصل عددها إلى ست مقابلات أو أكثر (السمة، العلامة، الصورة، التصوير الشعري، المثل، المماثلة..) والأمر نفسه نجده فيما يتعلق بمصطلح التفكيكية النقدي فهو تارةً التفكيك وأخرى التقويضية وثالثة التشريحية، أو «الهرمنوطيقيا» التي يقابلها التفسيرية، والمذهب التفسيري، وعلم التأويل، أو التفسير أو التخريج، ولا يظهر في الأفق أية بوادر على الاتفاق لاستخدام واحدٍ منها في جميع المدونات النقدية بما لا يسهم في تشتيت القارئ والباحث بشكلٍ أو بآخر!

* صورةٌ أخرى تـُظهر الخلل في صوغ المصطلحات حيث نجد أنّ التركيز يكون على السلامة اللغوية حد التعسف أحياناً دون أن نجد القدر نفسه من التركيز على الدلالة ووضوح المفهوم، أو حتى على قابلية استعماله وشيوعه، ولك أن تحكم بين ( البنكرياس) أو مقابله المترجم (المعثكلة)، و(نوستالجيا) وترجمتها بـ (الأبابة)، ( التلفزيون) و(الرائي) والثنائيات من هذا النوع لا تُعدّ ولا تُحصى!

* يعود كل ذاك التشتت والاضطراب إلى أن غالبية أعمال الترجمة، بما فيها المصطلحات، إنما تتم بجهودٍ فرديةٍ دون وجود مؤسسةٍ ترعاها بحيث تمنع هذا التصادم، إن صح التعبير، أوحتى تكرار الترجمات للعمل الواحد بينما يمكن توجيه هذه الجهود لأعمالٍ لم تطرق، إلا إن كانت الترجمات السابقة تشكو علةً أو قصوراً من أي نوعٍ كان، وحتى بوجود المؤسسات الراعية، على قلّتها في العالم العربي، إلا أنها تفتقر إلى التنسيق فيما بينها أيضاً، أو التنسيق مع المؤسسات الرسمية المعنية بالبحث العلمي كالجامعات مثلاً، أو حتى التنسيق مع مجامع اللغة العربية التي تبدو هي ذاتها مفتقرة لمثل هذا التنظيم!

* ولا أدري إن كنا سنصل إلى مرحلةٍ نقول فيها كما قال الإمبراطور تشارلز «كيف عزمتُ سابقاً على محاولة توحيد كل شعوب إمبراطوريتي في حين أنني لم أنجح ولو لمرةٍ واحدة في إقناع بضع ساعات أن تطلق أجراسها معاً»!!!

رجوع

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة