Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 12/07/2013 Issue 14897 14897 الجمعة 03 رمضان 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

كل جسم لإنسان أو حيوان فيه شعر، نبت وهو في بطن أمه، إلا ما يتعلق بحكم شرعي في الإنسان، فما أصله وما حكمه الشرعي، وما الحكمة فيه؟.

ذلك أن الشعر الذي جعله الله في الإنسان في أماكن متفرقة من جسمه

ويختلف توزيعه في الذكر عنه في الأنثى، هو نعمة من النعم التي أسبغها الله سبحانه على ابن آدم، وعجيبة من عجائب الجسم البشري، ذلك أن الشعر في الإنسان، يختلف عنه في الحيوان، فهو في الإنسان له منافع عديدة: جمالية ووقائية، وحكمية شرعية، وفي الحيوان وقائية ومنافع للإنسان، فالإنسان يجز صوف بعض الحيوانات لينتفع به في شؤون حياته، في أعمال شتى منها اللباس والفراش وغيرهما، حيث يقول سبحانه في تعداد نعمه على عباده {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ}.

لكنه في الإنسان جمال وفوائد، فشعر الرأس الذي ينمو مع المولود، وهو في بطن أمه جمال ووقاية، ولذا جاء في شريعة الإسلام، الاهتمام بحَلْقِهِ في الأيام الأولى من الولادة، والتصدق بوزنه ورقاً، أي فضة، وهذا جزء من أسرار الشعر في الإنسان، علاوة على الجمال للرجال والزينة للنساء؛ فهو مقترن بآداب إسلامية، وتوضحها تعاليم الإسلام التشريعية.

ألا ترى أنه لو تشاجرت امرأتان وقطعت إحداهما جديلة من شعر الأخرى، فإن لها إرث الجناية على الأخرى بقدر ما يحدد شرعاً، وهكذا في لحية الرجل، لأن القاعدة الشرعية أن جناية كل عضو أو حاسة بحسب المكانة، وهذا الشعر ينمو عند سن البلوغ، ليتميز به البلوغ، وما يترتب عليه من تكاليف وأحكام شرعية، كما يتميز الرجال عن النساء به في شعر الوجه، اللحية والشارب، كما اقترن الحكم بالشعر في الحج والعمرة، وعدم المساس به ما دام محرماً، أما إذا عمل شيئاً متعمداً في ذلك، فإنه يترتب في هذه الحالة الجزاء بحسب حالته، من صيام أو صدقة أو نُسك، أما الناسي فليس عليه شيء أو المخطئ كما قال سبحانه في سورة البقرة في آخرها {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قال الله كما في الحديث قد فَعَلْت.

وفي المحافظة عليه: جاءت التعاليم بتحريم حلق شعر اللحية وحلق شعر المرأة، والنمص للنساء ووصل الشعر لهن، ومن السنة أمور “الفطرة” قص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة، وهكذا مما هو مبسوط في كتب الفقه.

وفي تكوين الشعر وحكمته في ابن آدم، تكاثرت آراء الحكماء قديماً والشعراء بنظرتهم والأطباء حديثاً والمفكرين الإسلاميين وغيرهم، حتى إن بعض الصحابيات تخلف لمن سألها عن زوجها فقالت: والذي جمّل الرجال باللحى أنه غير موجود، وهي صادقة في قسمها.

والسيوطي في كتابه الرحمة في الطب والحكمة، يقول: اعلمْ أن الشعر أصله بخار تقذفه الطبيعة على سبيل الاستعانة من الجوف إلى موضع نباته، فيخرج من المسام، فإن كانت الأخلاط صالحة معتدلة، كان الشعر صالحاً، في لونه وماهيته، وإن تغيرت بزيادة يُبسٍ، تنثَّر وتفتَّت، وأصاب أطرافه رِدْعُه، وضعفَ في الشعر، ثم بدأ يصف رحمه الله علاجات لأمراض الشعر (كتابه الرحمة في الطب والحكمة ص39).

وفي كتب الطب الحديثة، جاء في أخذ الموسوعات الحديثة: يقول أحدها: الجزء الذي يمكن رؤيته من كل شعر يسمّى الجذع، وتحت المجهر يمكن أن نرى أنه يتكون من ثلاث طبقات: سطح القشرة، والقشرة والنخاع.. أما الجزء المختفي من كل شعره داخل الجلد، فيسمى الجذر، ويقع الجذر كله داخل بصيلة الشعر، وهو عبارة عن نمو إلى أسفل من بشرة الجلد، فحاط بغلاف كيفي يأتي من الأدمة، وينتفخ أعمق أجزاء البصيلة ليحتوي على الجزء الداخلي المتمدد من الشفرة، وهو الانتفاخ الشعري، وترى وعاء دمويا من الأدمة داخل هذا الانتفاخ الشعري، ووظيفته هي توفير الغذاء للانتفاخ الشعري، الذي يعتبر الجزء النامي من الشعر.

وكل بُصيلة شعرية مزودة بغدة شحمية أو أكثر، وتُفرز شحماً، يظهر أن وظيفته العمل على تشحيم الشعر والجلد، وبالإضافة إلى ذلك فإنه يتصل بقاعدة كل بصيلة عضلة صغيرة تسمى ناصبة الشعر، ويتصل الطرف الآخر لهذه العضلة بأدمة الجلد تحت البشرة مباشرة، وعندما تنقبض العضلة ناصبة الشعر، تتسبب في وقوف الشعرة على طرفها بعيداً عن الجلد، وفي نفس الوقت تتسبب في أن يصبح الجلد غير منتظم (موسوعة المعرفة 6: 958).

لكن تأتي أسرار كثيرة، وراء وقوف الشعر، وأسبابه كالخوف مثلاً، والانفعالات النفسية المتعددة، ولذا نسمع في الأمثال: عن كلمات وقف لها شعر الرأس، وجاء فلان ناكشاً شعره، ومثل هذا المشيب الذي أبانه الله في كتابه الكريم، في مواقف يوم القيامة، وزلزلة الساعة، بأن المولود يشيب لهول تلك المواقف.

وهذا من مجيء الشيب في غير أوانه، لفظاعة الموقف، لأن المشيب في معهود الناس، مقترن بالتقدم في السن، فإذا سبق أوانه، فإن سراً عجيباً طرأ على أحاسيس الناس، تغيرت به التفاعلات الداخلية في الجسم، مما يضرب أثره عن الأطباء، ويراه الناس عياناً، وذلك ما جاء في مواقف القيامة؛ كقصة من أحياه عيسى عليه السلام فقام من قبره قد علاه الشيب ظاناً أن الساعة قد قامت.

ومن المسلم به في حياة الناس، وصف من شاب شعره قبل أوانه، بأنه قد مر به موقف مزعج، أو حالة مفاجئة ارتاع لها، وهم يأخذون من تربيتهم الإسلامية وما جاء في الكتاب والسنة، عن تأثير الأهوال في شيب الشعر، وما يمر عليهم من تجارب ومصائب ذات أثر داخلي في خلايا الجسم.

يقول ابن قيم الجوزية في كتابه “التبيان في أقسام القرآن: الغاية التي من أجلها وجد الشعر في الإنسان شيئان: أحدهما عام وهو تنقية البدن من الفضول الدخانية الغليظة، والآخر خاص: إما للزينة وإما للوقاية.

وإذا بان أن الشعر إنما يتولد مع الحرارة واليُبس المعتدل، بقيت ثلاثة أقسام:

أحدها: حرارة غالبة على اليُبس كالصبيان.

والثاني: عكسه وهو يُبس غالب على الحرارة كالمشايخ.

والثالث: حرارة ضعيفة ويبس ضعيف كأبدان النساء.

ففي الأقسام هذه يقل الشعر، وأما الشباب فإن حرارة أبدانهم، ويبسهم معتدل فيقوى تولد الشعر فيهم إلى أن قال رحمه الله:

فَصْل: وأما شعر اللحية، ففيه منافع منها:

الزينة والوقار والهيبة، ولهذا لا يُرى على الصبيان والنساء من الهيبة والوقار ما يرى على ذوي اللحى، ومنها التميز بين الرجال والنساء.

فإن قيل: لو كان شعر اللحية زينة، لكان النساء أولى به من الرجال لحاجتهن إلى الزينة، وكان المتميز يحصل بخلو الرجال منه، ولكان أهل الجنة أولى به، وقد ثبتت أنهم جرد مرد.

قيل الجواب إن النساء لما كن محل الاستمتاع والتقبيل، كان الأحسن والأولى خلوهن من شعر اللحى، فإن كل الاستمتاع، إذا خلا عن الشعر، كان أتم. ولهذا المعنى -والله أعلم- كان أهل الجنة مرداً، ليكمل استمتاع نسائهم بهم، كما يكمل استمتاعهم بهن.

وأيضاً فإنه اكشف لمحاسن الوجه، فإن الشعر يستر ما تحته من البشرة، والله أعلم بحكمته في خلقه.

وأما شعر العانة والإبط والأنف، فمنفعته تنقية البدن من القضانة، ولهذا إذا أزيل من هذا الموضع، وجد البدن خفة ونشاطاً، وإذا وفر وجد ثقلاً وكسلاً وغماً، ولهذا جاءت الشريعة لحلق العانة، ونتف الإبط، وكذا حلق العانة أولى من نتفها، لصلابة الشعر، وتأذي صاحبها بنتفه، وكانت نتف الإبط أولى من حلقه لضعف الشعر هناك، وشدته وتعجل نباته بالحلق، فجاءت الشريعة بالأنفع في هذا وهذا (التبيان لابن قيم الجوزية ص 317-318) والناس يختلفون حيث ألوان الشعر وكثافته، كما تختلف ألوان البشرة.

فسبحان من قدر ذلك، وهيأه لحكمة بالغة، وصلى الله على نبينا محمد الذي أبان لنا ما يرتبط بالشعر من أمور تعبدية، اقترنت بشعائر ديننا، فيجب أن نطبقها كما جاءت، سواء ظهرت لنا الحكمة البالغة أم لا.. ونبينها للآخرين حتى تبرز عظمة دين الإسلام الذي لم يترك شيئاً إلا أبانته شريعة الإسلام السمحة.

وما ذلك إلا أن العقل البشري يعجز عن تعليل ما يدور في جسمه، وهو أقرب إليه؛ فمثلاً: الصلع عند الرجال كثير، ولدى النساء نادر أو معدوم، والشيب في شعر الإنسان ولا يشيب شعر الحيوان، والشعر عند أجناس من البشر متلون ما بين سواد فاحم، وشُقرة وحُمرة، مثلما تختلف ألوان العيون والجلود، وهذا من عجائب ما أودع الله في النفس البشرية، ففئة من البشر شعرهم قليل أو نادر، شبيه باختلاف الألسنة والألوان، وحكمة الله في مخلوقاته لا تحصى ولا تعد.

ويروى عن الخليل إبراهيم أنه أول من اختتن، وأول من شاب وعمره فوق التسعين، وسأل عن الشيب ما هو؟ فقيل الوقار ، فقال: يا رب زدني من هذا الوقار.

mshuwaier@hotmail.com

أصل الشَّعْر.. ووظيفته
د.محمد بن سعد الشويعر

د.محمد  بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة