Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 15/07/2013 Issue 14900 14900 الأثنين 06 رمضان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

ذكر تقرير صحيفة نيويورك تايمز أن احتجاجات الشارع ضد الحكومة التي أدت إلى الإطاحة العسكرية بالرئيس مرسي، نتج عنها تحسين الحياة المعيشية بالنسبة لكثير من الناس في مصر: طوابير البنزين والغاز اختفت وتوقف التيار الكهربائي عن الانقطاع والشرطة عادت إلى الشارع.

وذكر التقرير أنه مع ارتفاع الجريمة والاتجار غير القانوني بعهد مرسي، رفضت الشرطة التدخل، مما أضر بنوعية الحياة والاقتصاد. لكن بعد الإطاحة به، عادت دوريات الأمن للعمل وعادت الحياة طبيعية. الإخوان المسلمون يقولون: إن هذا التحسن المفاجئ يثبت أن خصومهم تآمروا لإفشال الرئيس المعزول عبر أزمات مفتعلة. لكن البعض يرجع ذلك إلى ضعف الإدارة في عهد مرسي، ففي أزمة البنزين والسولار يذكر أستاذ الاقتصاد د. رشاد عبده أنها بسبب عدم كفاءة الإدارة وغياب القوانين والرقابة..

لكن من هم خصوم الإخوان المسلمين الذين تآمروا للانقلاب عليهم؟ الانقلاب العسكري تم برضى المؤسسات الرئيسية، حيث أعلن وزير الدفاع عزل الرئيس مرسي بحضور وموافقة المؤسسة الدينية التقليدية (الأزهر) والتيار السلفي (حزب النور) والتيار المدني (جبهة الإنقاذ).. وبمباركة مؤسسات الدولة كمؤسسة القضاء والمحكمة الدستورية العليا، ودعم رؤوس الأموال مثل الملياردير نجيب ساويرس الذي صرَّح لنيويورك تايمز بأنه دعم حركة تمرد ماديًّا وإعلاميًّا..

من حق الإخوان المسلمين أن يعتبروا ذلك انقلاباً عسكرياً غير شرعي فالرئيس أتى بشرعية صناديق الاقتراع وليس بشرعية هؤلاء، لكن سواء سميناه انقلاباً غير شرعي أو تدخلاً عسكرياً تلبية لرغبة الشارع الثائر (شرعية ثورية) أو لحماية كيان الدولة من حرب أهلية، فإن من مصلحة الجميع بما فيهم الإخوان المسلمون أن يتساءلوا لماذا حدث ذلك؟ لماذا كل الأطراف وقفت ضدهم بغض النظر عن شرعيته من عدمه، فالسياسة بنهاية المطاف هي التعامل الممكن مع الأمر الواقع!

في تقديري، هناك سببان رئيسيان:

الأول هو محاولة الاستحواذ على الدولة أو أخونة الدولة الذي أغضب كافة الأطراف بما فيهم الإسلاميون غير الإخوانيين. هذه المحاولة افتقدت للحصافة السياسية، ولم تراع مؤسسات الدولة العميقة من جهة أو المؤسسات المدنية العميقة من جهة أخرى.. لقد حاول الرئيس السابق أن يُخضع كافة مؤسسات الدولة التشريعية والقضائية والتنفيذية بما فيها أكبر مؤسسات الدولة وهي المؤسسة العسكرية إلى إرادته بقرارات عاجلة.. وصارت مؤسسة الرئاسية خصم مع كثير من المؤسسات المدنية بدءاً من الاقتصادية ونهاية بالفنية ومروراً بالإعلامية والثقافية..

والسبب الثاني - وربما الأهم- هو أن حركة الإخوان في مصر كانت مهمومة بأجندتها الإيديولوجية وانشغلت بصراعاتها مع الخصوم السياسيين أكثر من طرحها لإستراتيجية عملية وبرامج عمل ومشاريع تنموية تحسن مستوى المعيشة للناس التي أشعلت الثورة.. كانت منشغلة بالهوية الدينية أكثر من التنمية الاقتصادية وتحسين المعيشة..

خذ مثلاً يجمع السببين، قبل أيام من الإطاحة به، حضر الرئيس مرسي مهرجاناً خطابياً لنصرة الثورة السورية، والذي دعت إليه قوى الإسلام السياسي، ودعا مرسي إلى النفير والجهاد! ذلك أزعج المؤسسة العسكرية لأنه تم بشكل مفاجئ دون مشورة القادة العسكريين وما يعنيه حالة إعلان الحرب، فضلاً عن عدم مراعاة الدبلوماسية التي يتطلبها موقعه كرئيس دولة، فقد خطب بحماسة زعيم جماعة وليس بمنطق رئيس دولة..

الإخوان المسلمون يقولون: إن كل ذلك تم شرعياً حسب صلاحيات الرئيس المنتخب، إلا أن ذلك يفتقد للحصافة السياسية، فلعبة السياسة ليست منحصرة بالشرعية. فشرعية صناديق الاقتراع ينبغي أن تكون ناضجة أو غير مشوّهه، فالاقتراع هو قمة الجبل الديمقراطي، أما قاعدته فهي المؤسسات والنظام الحقوقي وضمان الحريات العامة والخاصة، وعدم التسلّط على مؤسسات الدولة والمجتمع لكي لا يتحوّل الفائز بالانتخابات إلى حاكم مطلق بيده كافة السلطات..

أضف إلى ذلك أن الدول بعد انهيار نظامها السابق لا تؤسس نظامها الديمقراطي الجديد وفقاً لمبدأ 50 % زائد واحد بل وفقاً لمبدأ التوافق الذي يضم أكبر نسبة ممكنة من مكونات المجتمع، حتى لو كان فصيلاً صغيراً، لأنها مرحلة تأسيس هشة وحرجة ينبغي أن تتم بتوافق ومشاركة كافة الأطراف قدر الإمكان. فقد يكون فصيلاً صغيراً لكن له نفوذ كبير اقتصادي أو عسكري أو بيروقراطي أو اجتماعي أو إعلامي يمكنه أن يعرقل بناء الدولة الجديدة..

لقد أدرك الإخوان المسلمون في تونس (حزب النهضة) هذه المسألة، فرغم حصولهم على الترتيب الأول في الانتخابات، مما يؤهلهم للعب نفس طريقة الإخوان المسلمين بمصر في الاستحواذ على السلطة، إلا أنهم يمارسون السلطة مشاركة مع الآخرين سواء في مؤسسة الدولة والحكومة أو في صياغة الدستور وإصدار الأنظمة أو في طرح مشاريع التنمية. فسبق أن قال رئيس الحكومة التونسية (مرشح حزب النهضة سابقاً) الجبالي: “علينا الانتقال من إطار أغلبية الحزب إلى إطار غالبية المجتمع. ينبغي أن تكون هذه الممارسة لفترة من 5 إلى 10 سنوات قادمة. عندما نصل إلى مرحلة نضج الولايات المتحدة يمكننا اعتماد مبدأ الـ51%”. بل إن الجبالي قدم استقالته لأنه أصر على تكوين حكومة تكنوقراط خالية من التجاذبات السياسية لأنه رأى أن حزب النهضة لا يزال يناور للاستحواذ على الدولة.

وحتى مرحلة النضج في أمريكا التي أشار لها الجبالي، فالرئيس لا يستطيع أن يمرر قراراته الكبرى إلا بعد موافقة الكونجرس، وحتى لو وافق الكونجرس فإن ظهور اعتراض كبير عليها شعبياً عبر المظاهرات أو الإعلام، أو عبر مؤسسات (جماعات الضغط) فإنه يتم مراجعتها وربما إلغاؤها. فالرئيس أوباما لم يستطع أن يمرر كثيراً مما وعد به في الضمان الصحي والإصلاح الاقتصادي بسبب معارضة الكونجرس. وفي كثير من الدول الديمقراطية يعلن الرئيس عن إجراء انتخابات مبكرة أو انسحابه نتيجة هذا النوع من الاحتجاجات، فشرعية الديمقراطية ليست صناديق الاقتراع فقط.

الاحتجاجات التي تحوّلت إلى ثورات في بلدان ما يسمى الربيع العربي كانت قضيتها مستوى المعيشة (لا ننس بو عزيزي) ولم تكن قضيتها إيديولوجية، لا إخوانية ولا إسلاموية ولا ليبرالية.. لم تكن تبحث عن عقيدة سياسية.. لم تكن تبحث عن هوية.. كانت تبحث عن لقمة عيش.. تبحث عن عمل وعن مدارس لأبنائها ومستوى صحي وسكني لعائلاتها.. كانت تبحث عن عيش كريم!

alhebib@yahoo.com

لماذا انقلب كل هؤلاء على الإخوان المسلمين؟
د.عبد الرحمن الحبيب

د.عبد الرحمن الحبيب

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة