Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 19/07/2013 Issue 14904 14904 الجمعة 10 رمضان 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

واحدة من شهيرات النساء في الدولة العباسية أقامت مشروعاً كبيراً لسقيا الحجاج بعدما أدركت ما يعانونه وخاصة في الصيف، فقد أنفقت الأموال الطائلة في جلب الماء من جبال الطائف إلى مكة، وسميت العين باسمها: عين زبيدة ودخلت التاريخ من أوسع أبوابه، وكانت تعرف باسم عبد الشماس..

.. فهي زبيدة بنت جعفر بن المنصور الهاشمية العباسية أم جعفر وزوجة الخليفة هارون الرشيد وبنت عمه، وجدها أبوجعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس، وهي أم الخليفة الأمين الذي غلبه على الخلافة أخوه المأمون.

كان اسمها أمة العزيز، وغلبت زبيدة اللقب عليها، وأصل ذلك ما ذكر البغدادي في تاريخ بغداد: لقد قيل: إنها ولدت في حياة المنصور جدها، فكان يرقصها وهي صغيرة فيقول لها أنت زبدة، وأنت زبيدة فغلب ذلك على اسمها. وقد توفيت عام 216هـ.

كانت معروفة بحبها للخير، والأفضال على أهل العلم، والبر للفقراء والمساكين، ولها آثار كثيرة في طريق مكة، من مصانع للمياه حفرتها، حتى الآن وهي تعرف ببرك زبيدة، الذي عليه طريق الحجاج من العراق لمكة، وتسمى السقيا: طريق زبيدة، وقد اهتمت به جامعة الملك سعود بالرياض، وأجرت حوله دراسات ومتابعات لمشروعها في الاهتمام بسقيا الحجاج مع أقرب طريق، لأنه من الآثار الإسلامية.

ولزبيدة أعمال خيرية بمكة والمدينة، وليس في بنات هاشم، عباسية ولدت خليفة إلا هي.

وعن سقيا أهل مكة الماء، بعد أن كانوا في شدة، فقد ذكر ابن الجوزي في كتاب: (الألقاب) أنها سقت أهل مكة الماء بعد أن كانوا في شدة وكرْب. إذ كانت الراوية وهي القربة بدينار عندهم، وأنها أسالت الماء عشرة أميال بخط الجبال، ونحتت الصخر، حتى أكملته من الحل إلى الحرم.

وعملت عقبة البستان، فقال لها وكيلها: يلزمك نفقة كثيرة، فقالت: اعملها ولو كانت كل ضربة فأس بدينار، فبلغت النفقة عليه ألف ألف وسبعمائة دينار،يروى بحساب اليوم أكثر من مليون وسبعمائة دينار ذهب.

وقال إسماعيل بن جعفر بن سليمان: خرجت أم جعفر زبيدة فبلغت نفقتها في ستين يوماً أربعة وخمسين ألف ألف، وكان لها مائة جارية يحفظن القرآن الكريم، ولكل واحدة منهن ورد عشر القرآن.

وقد رآها عبدالله بن المبارك، بعدما ماتت في المنام، فقال لها: ما فعل الله بك؟ قالت: غفر الله لي بأول معول ضرب في طريق مكة، قال: قلت لها: ما هذه الصفرة في وجهك؟ قالت: دفن بين ظهرانينا رجل يقال له بشر المريسي فزفرت جهنم زفرة، فاقشعر لها جسدي، فكانت الصفرة هذه، من تلك الزفرة رحمها الله.

وقد استمر ماء العين في مكة يجري حتى العهد السعودي، حيث اتسع البنيان في مكة، وازداد عدد الحجاج والمعتمرين، فتوالت مشروعات المياه لمكة، منذ عهد الملك عبدالعزيز- رحمه الله- حيث جُذب لمكة مياه عديدة وحُفرت آبار ساعدت عين زبيدة لإراحة الحجاج حتى توالت المشروعات الكبيرة منذ عهد الملك فيصل، زادت في عهد خادمي الحرمين الشريفين الملك فهد- رحمه الله- والملك عبدالله- أعزه الله- فوصلت المياه المحلاة من البحر الذي وصل المدينة ا لمنورة ومن البحر إلى الرياض ومدن المملكة الكبيرة بمشروعات جبارة، فتوفرت المياه في المشاعر والمدن الأخرى طوال العام، بحسن النية والبذل بأكبر تحلية في العالم وهي للحجاج مياه معبأة من زمزم ليأخذوه لديارهم.

وقد حصل بين زبيدة وزوجها هارون الرشيد ما يحصل بين الأزواج من خلاف ووجهة نظر، وكان ما يحصل ينتهي بطيب نفس، ومن ذلك ما ذكره ابن خلكان في وفيات الأعيان، قال: اختلف الرشيد وزبيدة في نوعية من الحلوى هما اللوزينج والفالوذج فأحضرا أبا يوسف القاضي أيهما أطيب فمالت زبيدة إلى تفضيل الفالوذج ومال الرشيد إلى تفضيل اللوزينج، وقالا للقاضي يا يعقوب قد اختلفنا في كذا على كذا وكذا رهان، فاحكم بيننا.

فقال: يا أمير المؤمنين ما يحكم على غائب وهو مذهب أبو حنيفة فأحضر له الرشيد جامين من المذكور،وطفق يأكل من هذا مرة ومن هذا مرة وتحقق -وكان ذكياً- إن حكم للرشيد غضبت زبيدة وإن حكم لها لم يأمن غضب الرشيد.

فلم يزل في الأكل إلى نصف الجامين فقال له الرشيدك إيه أبا يوسف فقال: يا أمير المؤمنين ما رأيت خصمين أجدل منهما كلما أردت أن أحكم لأحدها أدلى الآخر بحجته، وقد مررت بينهما فضحك الرشيد وأجزل له العطاء وانصرف مشكورا.

ولما كانت أثيرة عند الرشيد، فإنها كانت تخشى أن يحدث ما يفسد هذه العشرة، وتتوجس الأمور، وقصتها الطويلة مع خالد بن صفوان الذي زين للرشيد الزواج، ومدح له أنواع النساء، فغارت من ذلك، وبعثت له رجالاً من خدمها وضربوه وكان يظنهم جاؤوا بجائزة مشهورة ومبسوطة في قصص العرب، وألزمته أن يغير رأيه، ويمدحها عند الرشيد ويكتفي بها عن المشاركة في غيرها، ولما قال لها الرشيد يوماً: هلمي يا أم نهر خفي عليها المعنى؟ فأحضرت الأصمعي وقالت له: إن أمير المؤمنين استدعاني وقال: هلمي يا أم نهر فما معنى ذلك؟ فقال لها: إن جعفراً في اللغة هو النهر الصغير وأنت أم جعفر، فاطمأنت نفسها.

وجاء في أعلام النساء عن زبيدة بنت جعفر: أنها سيدة جليلة ذات يد طولى في الحضارة والغفران والعطف على الأدباء والشعراء والأطباء، ومن ذوات العقل والدين والرأي والفصاحة والبلاغة، ثم جاء ذكر ولدها ورغبتها بأن يكون خليفة بعد أبيه، ولكن رأي الرشيد فيه غير رأيها، إذ يرى أن أمر المسلمين لا يصلح له الأمين، وإنما الأجدر به المأمون، وما تم في هذا من مناظرة وشواهد.. ولما مات الرشيد وقتل ابنها الأمين، دخل عليها بعض خدمها فقال: وما يجلسك وقد قتل أمير المؤمنين محمد، فقالت: ويحك وما أصنع؟ فقال تخرجين فتطلبين بثأره فقالت: إخسأ لا أم لك، ما للنساء وطلب الثأر، ومنازلة الأبطال.. وهذا يدل على كمال عقلها وسعة صدرها ونظرها البعيد، خوفاً من إيقاع الأمة في فتنة تتحمل هي وزرها ووزر من يقتل فيها لأنها فقيهة وعالمة.

ثم لما دخل المأمون بغداد قالت له أهنيك بخلافة، قد هنأت بها نفسي عنك، قبل أن أراك ولئن فقدت ابناً خليفة لقد عوضت ابناً خليفة لم ألده، وما خسر من اعتاض مثلك، ولا ثكلت أم ملأت يدها منك، وأنا أسأل الله أجراعلى ما أخذ، وإمتاعاً بما عوض.

وقد رُوي أن رجالاً للمأمون اضطهدوها، فكتبت إليه تشكو حالها، فعطف عليها وجعل لها قصراً في دار خلافته وأقام لها الوصائف والخدم، وكانت لها ثروة واسعة، يقول الحريري في إحدى مقاماته، عن هذه الثروة التي يضرب بها المثل، وأحيتك شيرين بجمالها وزبيدة بمالها.

قال عنها ابن تفري بردي يصفها: أعظم نساء عصرها ديناً وأصلاً وجمالاً وصيانة ومعروفاً، أما ابن جبير في رحلة حجته المشهورة في القرن الثامن، وهو من الأندلس فقد تكلم على طريق الحج وقال: وهذه المصانع والآبار والمنازل التي من بغداد إلى مكة، فهي من آثار زبيدة ابنة جعفر، انتدبت لذلك مدة حياتها، فأبقت في هذا الطريق مرافق ومنافع تعم وفد الله تعالى، كل سنة من لدن وفاتها على الآن، ولولا آثارها ا لكريمة في ذلك لما سلكت هذه الطريق، والله كفيل بمجازاتها والرضا عنها.

وكانت زبيدة تعطف على الطبيب الشهير جبرائيل بن بختيشوع فعينت له راتبا شهرياً قدره خمسون ألف درهم. ويذكر رضا كحاله في أعلام النساء انه ينسب إلى زبيدة مسجد زبيدة أم جعفر ببغداد، كان قريبا من مسجد الشيخ معروف الكرخي، وقد اندرس عام 1195هـ، كان هذا المسجد واسعاً، رصين البناء قوي الأركان، ولما بنى سليمان باشا ا لكبير والي بغداد سور الجانب الغربي استعملت أنقاضه في بناء السور، ولم يبق سوى قبر زبيدة من ذلك المسجد وعليه قبة مخروطية الشكل من نوادر الفن المعماري.

وينسب إليها المحدث وهو منزل في طريق مكة بين النفرة على ستة أميال منها، فيه قصر وقباب متفرقة، وفيه بركة وبيران، ماؤهما عذب، وينسب إليهما العنابة، وهي بركة لزبيدة بعد قباب على ثلاثة أميال تلقاء سميراء وهي بلدة قرب حائل وبعد توز، وماؤها ملح غليظ وينسب إليها بركة أم جعفر، وهي في طريق مكة بين منثية والعذيب، وينسب إليها القنيعة، وهي بركة بين الثعلبية والخزيمية، بطريق مكة وينسب إليها الحسني وهي بئر على ستة أميال من قروارى، قريب معدن النقرة، وينسب إليها الزبيدية وهي بركة بين المنثية والعذيب، وبها قصر ومسجد عمرتهما زبيدة، وكل هذه في منطقة حائل حالياً. وقد تشبه الناس في سائرأفعالهم بزبيدة ام جعفر، حيث تنسب إليها أشياء كثيرة هي من الترف والنعيم الدنيوي من ذلك:

أنه صنع لها الرفيع من الوشي، حتى بلغ الثوب الذي اتخذ لها خمسين ألف دينار.

وهي أول من اتخذ الشاكرية والخدم والجواري، يختلفون على الدواب في جهاتها، ويذهبون في حوائجها برسائلها وكتبها، وغير هذا من أمور هي من الإسراف المقلد، لما كان عند الأمم التي غلبها الإسلام، من أعاجم الفرس والهنود وبلاد ما وراء النهر.. والله المستعان.

mshuwaier@hotmail.com

زبيدة بنت جعفر - نساء شهيرات
د.محمد بن سعد الشويعر

د.محمد  بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة