Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 21/07/2013 Issue 14906 14906 الأحد 12 رمضان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الأخيــرة

طوال عقود مضت كان الشأن الثقافي في بلادنا فرعاً (هامشياً) من فروع رعاية الشباب، ثم تحوّل منذ حوالي أربع سنوات إلى وزارة الإعلام ليصبح مسمّى الوزارة (وزارة الثقافة والإعلام) وليصبح الشأن الثقافي أولاً، والإعلام ثانياً؛ غير أنّ الشأن الثقافي ظلَّ في عمل الوزارة، واهتمام كوادرها، شأناً ثانوياً، وإن تقدم في التسمية؛ فالشؤون الإعلامية - كما هو مشاهد - هي الطاغية على الاهتمام، وهي التي لها الحصة الأوفر من ميزانية الوزارة مالياً، رغم ضآلة مردودها الفعلي على الأرض.

ولا أظن أنّ القيادة لدينا عندما عمدت إلى تغيير اسم الوزارة لتجعل الثقافة أولاً، كانت (فقط) تُجري تنظيماً إدارياً تُلملم فيه الشؤون الثقافية من جهات حكومية متعدِّدة لتربطها بمرجعية حكومية واحدة؛ وإنما كان الهدف الأهم والأسمى أن تضطلع هذه الوزارة بدورها الثقافي فعلياً، بعد أن بات واضحاً للعيان أنّ غياب الاهتمام بالشأن الثقافي، والتوعوي، طوال عقود خلت، أدى إلى وجود (فراغ) في البنية الثقافية المجتمعية في بلادنا، ومع هذا الفراغ قام (انتهازيون)، ينتمون إلى ثقافة وافدة، بملئه، والتحكم فيه، ومحاولة تشكيله، بما يخدم أيديولوجيا معيّنة؛ مستغلين المنابر التثقيفية التقليدية كوسائل (وصول) إلى الجمهور، مثل منابر الجوامع، أو حلقات التدريس والوعظ في المساجد؛ أو من خلال السيطرة على النشاطات غير الصفية في المدارس، أو من خلال المحاضرات، أو المدوّنات والمطويات والكتيبات الصغيرة، وكذلك - وهذا هو الأهم - من خلال وسائل التقنية الحديثة، كأشرطة الكاسيت التي كانت منتشرة انتشار النار في الهشيم إبان عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الميلادي المنصرم، وأخيراً من خلال وسيلة العصر التي اكتسحت كل الوسائل التقنية السابقة لها وهي (الإنترنت) و ما تفرّع عنه من وسائل وآليات؛ إضافة إلى رسائل و وسائل التواصل والاتصالات من خلال الجوال، التي سهّلت الانتشار، وقرّبت المسافات، وأضعفت تحكُّم الدول في ثقافة أفرادها، وهَدّت كل عوائق التواصل بين البشر .

و في تقديري أنّ ما حصل في مصر يجب أن يكون بالنسبة إلينا بمثابة جرس الإنذار؛ فقد استطاعت جماعة الإخوان المسلمين، وبقية تيارات الإسلام السياسي المتفرّعة عنها، أو القريبة منها، من خلال العمل الجاد والدؤوب والمضني لعقود، أن تصل إلى جميع الطبقات المشكّلة للمجتمع المصري لسبب رئيس فحواه أنّ التعامل مع خطورة هذه الجماعات هناك اضطلعت بها (المؤسسات الأمنية) فقط، وظلّت المؤسسات الثقافية غائبة عن القيام بدورها بشكل جاد وفعّال، وغير قادرة على النفاذ إلى تشكيل ذهنية الإنسان المصري البسيط؛ وما إن لاحت الفرصة بعد سقوط مبارك حتى تكشّف للجميع مدى (شعبية) هذه الجماعات بين الجماهير وثقتهم بها، فتسلّمت السلطة بسهولة، مُتكئة على نتائج الصناديق الانتخابية، فكادت خلال أول سنة لها في السلطة أن تُلقي بمصر وتاريخها ومكانتها واقتصادها وعلاقاتها الإقليمية وكل تراكماتها الثقافية والقيمية على مر قرون إلى التهلكة.

لهذا كله، فإنّ محاصرة هذه الجماعات في بلادنا، لم تَعُد كما كان الأمر قبل سقوطهم في مصر، على مستوى توعية الناس بخطورتهم، فهذا في رأيي تحقق، وأصبح الآن مشهوداً للجميع مدى الكوارث التي كادت أن تحيق بمصر بسبب هذه التيارات، وإنما على مستوى (التنبّه) للفراغ الذي أراه الآن بدأ يتشكّل بعد أن انكشف للناس مدى خطورة (الهرولة) خلف هذه الجماعات المسيسة المتدثرة بالدين، والثقة بها.. ملء هذا الفراغ يجب أن تضطلع بالتخطيط له، وتوجيهه، وتحفيزه (استراتيجياً)، وزارة الثقافة والإعلام بشكل جاد وفعّال، آخذة بعين الاعتبار أن تكون (الثقافة) عامل دفع ومساندة لعجلة التنمية والتحضر لا معيقاً لها، وأن تأخذ على عاتقها (الحذر) كل الحذر كي لا تعود هذه التيارات المؤدلجة بعد أن تهدأ العاصفة، لتُحكم قبضتها على ذهنية الإنسان والمجتمع من جديد؛ فالمؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين.

إلى اللقاء ..

شيء من
محاصرة ثقافة الأدلجة
محمد بن عبد اللطيف ال الشيخ

محمد بن عبد اللطيف ال الشيخ

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة