Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 22/07/2013 Issue 14907 14907 الأثنين 13 رمضان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

في الذاكرة الاجتماعية تكمن جذور بعض آفاتنا المعاصرة، ويأتي على رأس القائمة المحسوبية، والتي كانت يوماًِ ما الوسيلة الأهم لتمرير المصالح وإتمام المعاملات، وكانت تظهر في صورة متعددة، أبسطها وأكثرها تكرارا أن يسألك الموظف المسؤول وهو يبتسم، «عمك فلان»، وهي جملة تعني أن أمورك تسهلت، وأصبحت تمام.

في الثقافة الإنجلوساكسونية جملة مشابهة، وهي «بوب عمك»، وهي ترجمة لعبارة (Bob›s your uncle)، وتستخدم للتأكيد على إنجاز المطلوب، ومن تفسيراتها الأكثر شيوعاً أن العبارة تعود إلى عام 1887، عندما قرر رئيس الوزراء البريطاني روبرت سيسيل، تعيين أبن أخيه آرثر بلفور في وظيفة مرموقة وحساسة وهي السكرتير الأول له في أيرلندا، ولأن بوب هو الأسم المصغر لروبرت، أصبحت أمور ابن أخيه آرثر في أحسن الأحوال لأن «بوب عمه».

لكن العبارة ذابت في الثقافة الاجتماعية وأصبحت تتردد للدلالة أن الأمور تمام، لكن المحسوبية والمحاباة لم تنته، ولا زالت منتشرة وتؤثر بطرق مباشرة وغير مباشرة في الحياة العامة، برغم من إصدار تشريعات تجرم استخدامها في البلاد الغربية، لما لها من آثار سلبية على الكفاءات والإنجاز والطموح، لكنها في الشرق لا زالت تتمتع بصلاحيتها وشرعيتها المطلقة.

محلياً، وصلت مستويات المحسوبية في المجتمع السعودي إلى حالة التسمم، فالأعمال في كل مكان لا تُنجز في وقتها إلا إذا صاحبها قوة دافعة من الأعلي، وإذا لم تكن كذلك، فمصيرها أحد الأدراج الخلفية، أو أن تدور المعاملة في حلقات ليس لها نهاية، وإذا عمك ليس « بوب « أو أحد إخوته، فلن تنال حقك بسهولة، وستصاب بداء اليأس، وربما تصل إلى حالة لا يمكن وصفها بعبارة، و قد تحتاج إلى وسائل أكثر تعبيراً من مجرد كلمات على ورق.

وحسب ما يتناقله الناس فإن المسئولين الإداريين في البلاد تختلف فترات استمراريتهم في العمل الإداري بحسب تطبيقاتهم لتقاليد المحسوبية، والتي تلقوا تعاليمها من البيئة، ومن معاصرتهم وإتقانهم لأساليب التقليد الاجتماعي القديم، وهم حسب ما يراه المطلعون، ينقسمون إلى أربعة أنواع، و مصطلح مسئول إداري في التصنيف التالي، قد يعني أي شخص يعمل في موقع المسؤولية، سواء كان مديراً أو وزيراً أو قاضياً أو غيرها.

أولهم المسئول الذي لا يؤمن بالمحسوبية والمحاباة ويرفض أن يتلقى اتصالات من الأعلي، ولا يسمح بالتدخل في عمله، ويحاول أن يجعل من الطموح والإنجاز المقياس الذي يجب أن يلتزم به في كافة أعماله ومسؤولياته، وعادة ما يصطدم هذا الصنف بالواقع، ويخسر موقعه في وقت قياسي، وينتهي به المآل في مكتب على الهامش، و بدون مسئوليات.

وثانيهم المسئول الذي يؤمن بضرورة الاعتماد على الطموح والانجازكمعايير في حياته العملية، لكنه لا يوصد تماماً باب المحسوبية، ويترك نوافذ جانبية يتواصل معها مع المحسوبين في المجتمع، وذلك من أجل المحافظة على التوازن في أدائه الوظيفي من أجل إنجاح مهماته الإدارية، وإرضاء الأطراف من مختلف الجهات، لكنه في نهاية الأمر يصطدم بمحسوبية لم تخطر على باله، أو لم تعجبها أحد قراراته في الاتجاه الآخر، وينتهي به الأمر خارج الوظيفة.

وثالثهم في التصنيف ذلك الذي يعتمد على المحسوبية في اتجاه واحد فقط، ويحرص أن يكون تواصله مع الأكثر تأثيراً ونفوذاً في الهرم الإداري، ثم يحاول أن يحقق بعض الإنجازات من خلال ذلك الباب، وقد ينجح، وقد حدث إنجازات بالفعل بسبب هذا النمط الإداري، لكن فترته تقترن بزمن المحسوبية المؤثرة، وعندما تنتهي، يعود إلى مكانه الطبيعي في الهامش.

ورابعهم و أطولهم عمراً في العمل الإداري، هو الإداري الذي لا يحرك ساكناً إلا من خلال إشارة أو إيماءة من محسوبية اجتماعية، فهو يعمل ويتعامل مع الناس حسب درجات مواقعهم في المحسوبية، وذلك لإرضاء رغباتهم أياً كانت، ولا يضع في الاعتبار أي معايير أخرى، ولا يهتم بتحقيق أي منجزات، و تصل عنده الحالة إلى أن يكون لديه إلمام شامل بكل المحسوبيات في المجتمع، وإلى معرفة علاقاتهم بمحيط العمل في مؤسسته أو وزارته، وإلى وضع فهرس يفصل فيه من هو «عم» كل موظف محسوب لديه، وذلك لئلا تقع الفأس في الرأس، ويخسر الوظيفة، وهؤلاء يستمرون في مناصبهم إلى أجل مكتوب، والله المستعان.

بين الكلمات
فلان عمك..!
عبدالعزيز السماري

عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة