Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 26/07/2013 Issue 14911 14911 الجمعة 17 رمضان 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

الزكاة من أركان الإسلام الخمسة وهي فرض عين على كل من بلغ ماله النصاب، والآيات التي تأمر بالزكاة كثيرة ومن ذلك قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ البقرة - 43، والله جلّت قدرته قرن الأمر بالزكاة مع الأمر بالصلاة، وقال: وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ المؤمنون - 4...

... وقال تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ التوبة - 103، وقال تعالى: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ . الذاريات - 19، وقال تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ . البقرة - 110، وقال تعالى إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ البقرة - 277، وقال تعالى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ البقرة - 274.

والآيات في هذا الصدد كثيرة إذ ورد ذكر الزكاة في أكثر من مائة موقع في القرآن الكريم وقد قرنت بالصلاة في أغلب تلك الآيات الكريمة وكلها تقرر (الزكاة) كعبادة مفروضة، فالزكاة حق واجب على الأغنياء يجب أداؤها لتزكية الأموال والأنفس ومحاربة نزعة الشح وترويض النفس على البذل والعطاء طلباً لمرضاة الله.

والسنّة المطهرة تؤكد تلك المعاني في وجوب الزكاة للفقراء والمساكين، قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): “ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثاً فاحفظوه: ما نقص مال من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزاً، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر”... أخرجه الترمذي.

وشهر رمضان يكفيه بركة وتفضيلاً أن أنزل الله سبحانه وتعالى فيه القرآن ويكفيه فضلاً أن تصفد فيه الشياطين وتفتح فيه أبواب الجنان، وكما تفتح أبواب الجنان يتوقع أن تتفتح القلوب بالرحمة وتنفتح النفوس على فعل الخير في هذا الشهر الكريم.

الفقراء والمساكين والمحتاجين ينظرون إلى إخوانهم الأثرياء للوقوف إلى جانبهم وشد أزرهم. والفقراء في عالمنا العربي والإسلامي تزداد أعدادهم عاماً بعد آخر، خصوصاً أن عدد الأغنياء يزداد عاماً بعد عام بل يوماً بعد يوم ويتبارى هؤلاء الأثرياء من يفوز ليصبح الأول على العرب في الثراء، حتى إن بعضهم بلغ به الغنى بحيث لم يستطع حصر حجم ثروته بالتمام والكمال ليخرج الزكاة المفروضة عليه شرعاً باعتبارها أحد أركان الإسلام الخمسة، بل إن بعضهم يخفيها هرباً من إخراج زكاتها.

وإن كثيراً من أمة الإسلام فقراء ومنهم من يعيش تحت خط الفقر وهو بالمقاييس العالمية الذي يعيش بأقل من دولار واحد في اليوم، والأرقام تقول إن 73 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر، وبهذا فإن نسبة الفقراء بين العرب تزيد على 30 في المائة من مجموع السكان وفي بعض الدول العربية تزيد النسبة لتبلغ 40 في المائة وفي فلسطين والقدس المحتلة تبلغ 76 في المائة. أرأيتم أي درك سحيق بلغة الإنسان العربي؟

إن هذه، لا شك، فاجعة كبرى خصوصاً إذا عرفنا أن السكان يتزايدون كل عام والفقراء يزدادون بنسب مطردة. أن الإسلام لا يرضى للمسلم الضعف والانكسار والصغار بل يريده عزيزاً كريماً مرفوع الرأس، وليس هناك شيء يُشعر الإنسان بالضعف والانكسار ويذيقه مرارة الصغار ويُحني رأسه ويضع أنفه في التراب مثل الفقر، لذلك عمل الإسلام جاهداً لمعالجة مشكلة الفقر واتّبع في ذلك وسائل كثيرة لعل من أهمها مكانة وأكبرها أثراً شعيرة الزكاة.

لا شك في أن الزكاة هي من فرائض الإسلام التي أمر بها عز وجلّ وأكدها الرسول صلوات الله وسلامه عليه، فهي من ضرورات الدين، وقد حدد القرآن الكريم مصارف الزكاة. قال تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . التوبة - 60.

فهي (الزكاة) حق يؤديه صاحب الثروة لمستحقيها الذين حددتهم الآية الكريمة حتى لا يبقى المال حبيساً بيد الأغنياء بل يطول خيره الفقراء والمساكين وابن السبيل والمحتاجين إلى الطعام والشراب والكساء والدواء والمسكن والتعليم وكل الأساسيات التي يحتاج إليها عشرات الملايين من أبناء الإسلام.

ومثلما أن إخراج الزكاة فيه معالجة للفقر، فيه أيضاً غوث لأصحاب النكبات الذين يتعرضون من المسلمين للفواجع والمصائب ويرفعون أصواتهم يطلبون الغوث من إخوانهم المسلمين، وها هي بلاد الشام تسلط عليها طاغية جبار وجه سلاحه من طيران ودبابات وصواريخ وأسلحة كيماوية إلى صدور الشعب السوري، ووقف معه طغاة آخرين روسيا والصين وإيران والعراق وحزب الله (الهلال الشيعي) فقتل على مدى أكثر من عامين من الأطفال والنساء والشيوخ والرجال مائة ألف إنسان ويزيد، ناهيك عن عشرات الآلاف من الجرحى والمعاقين، وهجر الملايين داخل البلاد وخارجها في الأردن وتركيا ولبنان والعراق ومصر وغيرها من الدول ودمر المساجد والمدارس وحول البنية الأساسية في ذلك البلد الشقيق إلى رماد.

ولا تسمع سوى صرخات الجوعى والمرضى والجرحى ومعظمهم في العراء يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في شهور الشتاء القارص، وشهور الصيف ملتهب الحرارة، ومنها شهر رمضان المبارك وهم صائمون ينادون العرب والمسلمين للغوث والنجدة.

فعلى الأغنياء مد يد العون لإدراك إخوانهم، وعلى الدول الإسلامية وفي مقدمتهم المملكة التي قدمت الكثير لأشقائنا في بلاد الشام وسيرت الجسر الجوي والبري الذي ينقل المساعدات العاجلة إلى المتضررين في ذلك البلد الشقيق ألا تُوقف مساعداتها حتى تنجلي هذه الكربة وتنقشع هذه المصيبة.

إن تقاعس المسلمون عن أداء هذه الشعيرة المهمة، أدى إلى انتشار الفقر في الدول الإسلامية والدول العربية حتى أصبحت موطناً لهذا الداء العضال على الرغم أن الدول العربية تمتلك ثروات طبيعية من النفط والغاز واحتياطيها من النفط وحده 62 في المائة من إجمالي الاحتياطي النفطي المؤكد عالمياً، ناهيك عن ثرواتها من المياه والأراضي الزراعية الخصبة والموقع الاستراتيجي الذي يمر من خلاله 50 في المائة من تجارة العالم.

اليوم ونحن نعيش أيام هذا الشهر المبارك، فإنها فرصة أهل الثروات ومحبي الخير لإخراج الزكاة الشرعية التي هي من أعظم وجوه الإنفاق باعتبارها واجباً على المسلم، بل إن لها فوائد مادية إلى جانب الأجر في الآخرة، فهي تزيد المال ولا تنقصه، وتبارك فيه وتزيد من نمائه، كما قال (صلّى الله عليه وسلّم): “ما نقص مال من صدقة” وتشرع الباب مفتوحاً للفقراء للتغلب على فقرهم بمؤازرة من الأموال التي يخرجها إخوانهم الذين رزقهم الله الغنى والثراء.

إن المجتمعات التي تمنع زكاة أموالها مجتمعات محروم فيها الفقير وكذلك محروم فيها الغني: فالفقير محروم من حق فرضته له الشريعة ليعيش عزيزاً كريماً، والغني محروم من بركة المال ومن راحة البال ومن رضا العزيز الجبار وهو حرمان دونه الفقر المدقع.

إن المجتمعات التي تمنع زكاة أموالها هي مجتمعات استولى عليها الطمع والجشع وحب الذات والأنانية، وهذا يخلق حتماً حقداً وكراهية عند الفقراء ويؤدي إلى ضعف النسيج الاجتماعي وتكثر الجريمة ويتضعضع الأمن، وللأسف هذا يبدو واضحاً في مجتمعاتنا العربية والإسلامية متناسين روح الإسلام وتعاليمه السمحة، فهل وقفنا مع النفس وقفة وأدركنا أن عدم معالجة آفة الفقر خطر على الأفراد، مثلما هو خطر على المجتمعات واستقرار الدول، فهذه المجتمعات التي يعيش أغنياؤها في ترف ويموت فقراؤها من الجوع، مجتمعات ضعيفة مفككة الروابط بين أفرادها هشة، والوشائج معدومة، والأمن فيها ضائع والأمان مفقود والحب غائب.

فمن أجل مجتمع معافى يسوده الأمن ويربط بين أفراده الحب، فلنجعل من شهر رمضان المبارك شهراً نتذكر فيه الفقراء والمساكين الذين معظمهم لا يسألون الناس إلحافا.

Eml:dredaljhani@hotmail.com
رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة

الزكاة.. الزكاة
د.عيد بن مسعود الجهني

د.عيد بن مسعود الجهني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة