Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناWednesday 31/07/2013 Issue 14916 14916 الاربعاء 22 رمضان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

تقارير

الهند والكريكت

رجوع

الجزيرة (خاص) - نيو دلهي:

إن من قرأ الصحف الهندية بصورة متقطعة في الأسابيع القليلة الماضية سوف يتعجب من أن الهند قد أضحت بين ليلة وضحاها خالية من الخلافات السياسية أو الفضائح الجنسية أو الفساد الرسمي، وهي عادة ما تهمين على الصحف هنا. إن المساحات في الصحف والعناوين الرئيسة مخصصة لموضوع عادة ما يكون مقتصراً على الصفحات الرياضية، وهو الكريكت.

إن السبب ليس مبارة كريكت مثيرة؛ فالشعب يشعر بالغضب الشديد بسبب الاتهامات الرهيبة المتعلقة بالدوري الهندي الممتاز للكريكت؛ فهناك رشاوى حتى يلعب اللاعب بشكل سيئ، وهناك ملاك يراهنون على المباريات، إضافة إلى إغواء اللاعبين عن طريق الممثلات الناشئات والعاهرات. لقد تكشف أن كابتن المنتخب الهندي لديه تضارب في المصالح، كما أن زوج ابنة أقوى شخصية في رياضة الكريكت الهندية تورط في عملية مقامرة غير قانونية، تديرها شبكة شريرة من أولئك المشتغلين بالمراهنات.

إن الشرطة التي أدت مراقبتها للهواتف لموجة من الاعتقالات قد قامت بتوجيه اتهامات طالت عدداً من الشخصيات البارزة في عالم الجريمة المنظمة، حتى أن الشرطة ربطت بين لاعب في المنتخب الوطني الهندي للكريكت والهارب داود إبراهيم الذي يشك على نطاق واسع أنه مهندس تفجيرات بومباي في سنة 1993، والمختبئ في الباكستان.

لم تحظَ الصحافة الهندية بمثل هذا الحظ لفترة طويلة، فبعد سنوات من فضائح الفساد والدراما السياسية ومسيرات المعارضة فإن هذه الضجة الحالية هي بمنزلة هدية من السماء للصحافة الهندية؛ فهي قصة تجمع رياضة الكريكت، والهنود مهووسون بهذه اللعبة، مع الرذيلة التي تعتبر من جوانب الضعف في البلاد. إن محطات التلفزة الهندية التي يزيد عددها على 300 محطة ليست أفضل من الصحافة المطبوعة في تخصيص تقريباً كامل وقتها في تحليل أية معلومة مهما كانت تافهة، أعلنتها الشرطة أو تم تسريبها من الشرطة في هذا الخصوص.

إن الهند التي عادة ما يتوقف العمل فيها خلال مباراة كريكت مهمة قد تم إخضاعها عن طريق نقيض ذلك، أي الكشف البطيء عن أوهام تتعلق بلعبة ألهمت خيال الهنود أكثر من أية لعبة أخرى.

لقد كتبت مقالاً قبل خمس سنوات عن الشعبية الطاغية للدوري الهندي الممتاز في الكريكت، وتحويله لرياضة الكريكت؛ لتصبح على طراز الرياضة الأمريكية المبنية على أساس المرح والانبهار. إن الهند لم تقم فقط بإضافة طابع المرح والإثارة إلى لعبة تم اختراعها في إنجلترا الفكتورية الرزينة والمهذبة، بل قامت الهند كذلك بجعل اللعبة تتناسب مع القرن الحادي والعشرين، مع تكثيف وتعزيز الجانب التسويقي للعبة. إن هناك حالياً ما يسمى «أوقات مستقطعة استراتيجية»، مدتها دقيقتان ونصف الدقيقة، التي عادة ما تقطع رتم المباراة؛ وذلك حتى يتسنى للمعلنين عرض سلعهم لمئات الملايين من المشاهدين المرتبطين ارتباطاً كبيراً باللعبة.

لقد قال عالم الاجتماع اشيش ناندي يوماً كلمته الشهيرة «الكريكت هي لعبة هندية اكتشفها البريطانيون بالصدفة». إن أي شخص يشاهد الدوري الممتاز الهندي للكريكت يستنتج أن لعبة تونتي 20 كريكت أي الشكل «الفوري» للعبة هي في واقع الأمر لعبة أمريكية تمت إعادة اكتشافها بشكل متعمد من قبل الهنود. لقد تبنت دول أخرى النموذج الهندي؛ إذ تقام الآن مسابقات مثل الدوري الهندي الممتاز للكريكت في دول أخرى، تتمتع فيها الكريكت بالشعبية.

بالنسبة للمراقبين المهتمين فإن الدوري الهندي الممتاز في الكريكت يعبر عما هو أكبر من دوري رياضي فقط؛ فهو يمثل في واقع الأمر نشوء الهند الجديدة.

يوجد هناك في الأضواء المبهرة والإسراف الزائد لدوري الكريكت الهندي الممتاز ترياق لعلاج العقلية القليلة الذكاء والمتحجرة التي أدت للركود الاقتصادي في الماضي، فالدوري الممتاز هو عبارة عن مشروع فتح آفاق جديدة للعمل التجاري، وألهم مخيلة الشباب لتقليد طاقات ريادة الأعمال، التي أظهرها الملاك والمروجون واللاعبون والمشجعون. إن الدوري الهندي الممتاز في الكريكت منفذ جديد لبلد يشعر بالإلهام من النجاح الذي تمكن من تحقيقه.

إن من الواضح أن التركيز على الدوري الهندي الممتاز للكريكت كمستنقع للخداع فقد مصداقيته بسبب التلاعب بالنتائج من قبل المراهنين عديمي الضمير ولاعبين يمكن شراؤهم بالأموال قد بدد هذه المفاهيم الجيدة.

إن الكريكت لا يزال يسيطر على عقول العديد من الهنود، ولكن هناك كثيرين آخرين قد تخلوا عنه على ضوء الأخبار التي تكشفت عن الدوري الممتاز للكريكت. إن ذروة اهتمام الصحافة في هذا الموضوع سوف تهدأ، ولكن الإثارة التي شغلت عقول الناس عند متابعتهم لدوري الكريكت الهندي لن تعود.

إن من المحتمل أن تنظر العقول النيرة إلى الأشياء التافهة والسلبية لدوري الكريكت الهندي على أنها تمثل رأسمالية المحسوبيات والانتهازية التجارية في مرحلة ما بعد التحرر الاقتصادي في الهند، ولكن من الخطورة دائماً أن نجعل الرياضة رمزاً للانحدار الوطني؛ إذ يجب أن نقاوم الإغراء بأن ننظر إلى دوري الكريكت الهندي على أنه يمثل كل ما هو خاطئ في الهند اليوم. لقد كنت في البداية أعتقد أن دوري الكريكت الهندي يمثل الهند الجديدة المبنية على أساس ريادة الأعمال، ولكني الآن متردد كذلك في أن أعتنق الفكرة المضادة بشكل فوري، ولكن مما لا شك فيه أن البحث عن إمكانية الحصول على الأموال بسهولة، واللجوء إلى مخالفة القانون والافتقار للمعايير الأخلاقية على أعلى المستويات، يظهران نزعات خطيرة في شخصيتنا الوطنية.

إن دوري الكريكت الهندي يمكن أن يستمر كتسلية رياضية، أي يمكن الاستمتاع بمشاهدته في المساء أمام التلفاز، ولكن ما كشفه دوري الكريكت للهنود عن أنفسهم هو أقل متعة بكثير. إن الدعوة لإجراء إصلاحات في الكريكت هو في واقع الأمر دعوة لإجراء إصلاحات في الطريقة التي تمارس فيها الهند أعمالها. إن العيوب في الشخصية التي تمت تعريتها بشكل واضح في دوري الكريكت الهندي يجب أن يتم الحد منها لو أرادت الهند أن تحقق وعدها الواضح، وأن تتبوأ مكانها في مقدمة المشهد الدولي للقرن الواحد والعشرين.

شاشي ثارور - وزير الدولة الهندي لتنمية الموارد البشرية. آخر كتبه هو كتاب السلام الهندي: الهند وعالم القرن الحادي والعشرين.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكت،2013

www.project-syndicate.org

رجوع

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة