Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 01/08/2013 Issue 14917 14917 الخميس 23 رمضان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

أمام المشهد السوري المؤلم، الفظيع، نتوارى من الخجل، من أمام تلك القنوات الفضائية مورد (الشكائين البكائين) تنتقل بك الذاكرة إلى التاريخ، فيزداد الألم، ويشتد الأسى والأسف. نحاول إنكار المقولة (إن التاريخ يعيد نفسه) نتناسى مقولة (لا جديد تحت الشمس) وهي حقائق. حينما نقلب الشعر التاريخي، وما أعظمه من تراث ومادة، يقدم لنا (الأبيوردي) الشاعر الذي عاصر أفول شمس الخلافة العباسية، وعاش حياة حافلة بالأحداث، والفتن، والتقلبات، والاضطرابات، كأنه يرسم الحاضر، وما سيؤول إليه المستقبل، وهو يرى (بلاد الشام) حينذاك، وبكل حواضرها مسرحا للأحداث والمؤامرات، وحال الناس كحالنا متخاذلين، يتساوى فيها عالم الرجال والنساء، بالانتحاب، والبكاء، والعويل، يستنهض (الشاعر) أطياف المجتمع بالقوافي التي هي ما بقي من سلاحه، يلجأ إليه كغيره من الغيورين على أوطانهم، وعلى مستقبل مجتمعاتهم:

وشر سلاح المرء دمعٌ يفيضه

إذا الحرب شبت نارها بالصوارم

وإخوانكم في الشام يضحي مقيلهم

ظهور المذاكي، أو بطون القشاعمِ

تسومهم (الروم) الهوان وأنتمُ

تجرون ذيل الخفض فعل المسالم

إلى أن يقول، وقد أخذ منه اليأس من انتصار قومه للدين كل مأخذ، وشاهد بأم عينيه كيف تستباح المحارم، الحرائر الحسان، والناس في وجوم تام:

فيا ليتهم، إن لم يذودوا حمية

عن الدين ضنوا غيرة بالمحارم

فكم من دماء قد أبيحت ومن دمى

تواري حياء حسنها بالمعاصم

مصيبتنا الكبرى في هذا العصر أن تعلق علينا تلك الحرائر الآمال، ونحن عاجزون. ونحن أمام ذلك الخطب الجسيم خير سلاح نمتلكه هو الدعاء، وفي المقابل شر سلاح نلجأ إليه هو البكاء، رغم أننا استمرأناه في هذا العصر، واتخذناه وسيلة تنفيس من أعلى المنابر، في الخطب، وفي المحافل، بكى الزعماء العرب غير مرة، في كثير من البرلمانات، إما على فردوس مفقود، أو على أحداث عاصفة تحيط بهم.

استعاروا سلاح المرأة، وهو السلاح الذي اعتقدت أنه من أقوى الأسلحة وأكثرها مضاء، للتعبير عن مشاعرها، أو حاجاتها المكبوتة.

فئة من الناس ملمة بكل وقائع التاريخ، صغيرها، وجليلها، لكنها تنساه، أو تحاول أن تنساه، كشأن من يحاول نسيان، أو تجاهل تجارب ومواقف مريرة مرت به في حياته، وطواها الزمن، أما الفئة الأخرى، فهم من يجهلون التاريخ ودورته ومسلماته، وهم أبعد الناس عن محاولة فهمه وتحليله، واستنتاج العبر والعظات والدروس من مواقفه.

ومن بين تلك الفئات المتناقضة تبرز فئة ثالثة اختارت الانسحاب من المشهد السياسي، من الحياة بكل تفاصيلها، فآثر بعضهم، وهم (رجال الدين) بطبيعة الحال، التنسك، وإيثار التقشف، والتبتل، والانزواء في محاريب العبادة، ومنهم من ركب مراكب المفسرين للرؤى، والأحلام، وما يتصل بهذا الباب من تكهنات، وتأويلات، وأضغاث، وليس هذا الاتجاه بجديد في المراحل التاريخية التي يمكن وصفها بمراحل الضعف والانحطاط. سلمنا استلهام حوادث التاريخ لغيرنا، ليدرسوها ويحللوها على أفضل ما تكون الدراسة والتحليل.

أما الفئة العظمى فهي الفئة التي أشغلها متابعة (الهاشتاقات). هاشتاق يندد باعتقال فلان من الناس، وآخر يدعو لمحاكمة الليبراليين، وثالث لمقاطعة شركة من الشركات، أو منتج من المنتجات، أو ظاهرة من الظواهر الاجتماعية، أو قرار من القرارات الاستراتيجية، ورابع لزيادة الرواتب والبدلات، وخامس يطالب بإقالة وزير، أومسؤول. هكذا تمضي بنا الحياة، ونحن غافلون سادرون، لا تدري الأكثرية منا بأي واد يهيمون. لا يدرون ماذا سيكتب التاريخ عنهم، ولايهمهم، ولا ماذا ستقول الأجيال القادمة عن آثارهم ومآثرهم. لا يدرون بأي منجز يفاخرون، وبأي انتصار سيحتفلون؟ وهكذا تمضي الحياة بوقائعها، والله يحكم فيها ما يشاء ويختار، والأمر بيده وحده، من قبل ومن بعد.

من محاسن قول الأبيوردي:

ملكنا أقاليم البلاد فأذعنت

لنا رغبة أو رهبة عظماؤها

فلما انتهت أيامنا علقت بنا

شدائد أيام قليل رجاؤها

dr_alawees@hotmail.com

أوتار
شر الأسلحة
د.موسى بن عيسى العويس

د.موسى بن عيسى العويس

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة