Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 01/08/2013 Issue 14917 14917 الخميس 23 رمضان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الثقافية

مياه آسنة
موضي العتيبي

رجوع

إنه يشرب من المياه الآسنة، يعب منها كل يوم، ولايتورع إن نهيناه عن هذا الفعل من أن يضربنا، ويشتمنا بأقذع الألفاظ، أنقذه أيَّها الحكيم ؛ قبل أن يقلده الأطفال والسفهاء.

قرر حكيم القرية أن يعرض للقاضي أمر هذا الرجل، لعلّه يستطيع أن يثنيه عن الشرب.

وبالفعل مثل الرجل أمام القاضي في الصباح، كان هادئًا، مرتاحًا، يحمل في وجهه تقاسيم الوداعة، ألقى السلام على الحضور, تقدم خطوتين للأمام، سأل القاضي عن سبب وجوده هنا، و ما هي تهمته الجديدة؟

تكلم القاضي بصوت حاد، طالبا منه الانتظار والتريث حتى يقيّم الوضع بنفسه، ينتظر ليسأله هو لا أن يقوم بالمبادرة على خلاف العادة.

التزم الرجل الصمت، ينتظر متى يُؤذن له بالكلام.

نظر القاضي في الأوراق المرفوعة له من قبل الحكيم، قرأها، ثم رفع بصره تجاه الرجل قائلًا له:

- لمَ كنت تشرب من المياه الآسنة يا رجل؟

- الآن فهمت سبب وجودي هنا.

- سيدي أنا حر في تصرفي، لي القرار في الشرب أو عدمه.

- ضرب القاضي الطاولة بكل قوة: لا، لست كذلك، أنت تخاطر بحياتك، هذه المياه غير صالحة للشرب أبدًا.

- سأسألك ألا تمرض من هذه المياه؟ لا أراك إلا قوي البدن؟!

- على العكس سيدي، أنا لا أمرض بسببها، بل إن هذه المياه تشعرني بأنني إنسان قوي، يحب الخير، هي من تعطيني القوة لأدافع عن وجودي، هي الإثبات الدامغ على أنني متصالح مع نفسي.

- إن هذه المياه ستخلق أزمة عاصفة بين الناس، وسيتزايد الطلب عليها قريبًا بعد أن يجربها كل من يهوى الحياة.

- أأنت مجنون؟؟ هذه مياه آسنة، عبارة عن مياه راكدة، حتى إنها لا تشبه مصادر المياه الصافية العذبة.

- نعم، بكل تأكيد, إنها لا تشبه غيرها، وهذا هو سر وجودها وقوتها.

- أخرجوه من هنا... رجل مجنون.

- لا تتسرع بالحكم عليّ أيها القاضي، جرّب أن تشرب منها ثم انطق بحكمك عليّ.

- لا أستطيع أن أشرب منها، ولن أشرب، وحتى لو جاريتك، إن منظرها يثير الاشمئزاز، وكذلك رائحتها عطنة.

- لدي الحل.

- هاته

- اغمض عينيك

- هاه،..

- اغمضها؛ وسترى

أغمض القاضي عينيه، وسط دهشة الحضور، تقدم إليه الرجل، أخرج من جيبه قارورة مليئة بالماء، اقترب أكثر.. فتح العلبة، ومعها فتح القاضي عينيه، نظر إلى القارورة، تردد قليلًا، أخذ منها رشفة، ثم أجال بصره - ببلاهة - في أنحاء القاعة... ضحك كثيرًا بعد أن نطق بالحكم:

فلنشرب كلنا من المياه الآسنة!

رجوع

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة