Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناTuesday 06/08/2013 Issue 14922 14922 الثلاثاء 28 رمضان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

العنوان أعلاه جزء من مثل عربي، ونحن العرب ماهرون في صنع الأمثال أكثر من مهارتنا في الاقتداء بها، مثلما نحن ماهرون في تعقيد القضايا أكثر من مهارتنا في إيجاد حلول لها. وغالبا ما تتشابك القضايا العربية لأن التوجهات العربية تجعل من تشويه الاتجاهات الأخرى جزءا لا يتجزأ من هويتها هي مما يزيد من حدة هذا التشابك.

سنوات من التشويه والتشويه المضاد، والإقصاء والإقصاء المقابل هي ما نشهد نتاجه اليوم على ساحتنا العربية بكل امتياز. فما نراه اليوم ليس وليد الساعة واليوم، بل هو وليد تراكمات تاريخية مزمنة عششت لردح طويل في ساحات السياسة العربية.

لا داعي للخوض في أسباب التمرد الشعبي العربي الذي عم بلدانا عديدة وأطلق عليه تجاوزا وصف “الربيع العربي” فلا العربي عربي ولا الربيع ربيع، فمعظم الأحداث توجهها أحزاب إسلامية عولمية تحارب العروبة وتمقتها، والربيع لم يتمخض عن تحقيق أي أمل مأمول بل عن فوضى عارمة، وانفلات أمني. ولم ينعتق البشر من العقلية الإقصائية التي غرست في عقولهم بل أظهرت هذه الأحداث حدود السذاجة والغوغائية الجماهيرية. فالعربي يتعصب لاتجاهه السياسي بالعقلية ذاتها التي يتعصب بها لقبيلته أو لفريقه الرياضي، تعصب أعمى لا يسأل ولا يستقصي.

قلما شهد التاريخ العربي أزمة متشابكة الأطراف مثلما يشهد اليوم في ميدان رابعة العدوية، حيث تحتشد جموع لتأييد رئيس طالب جزء من الجماهير المعتصمة ذاتها بكف يده عن السلطة قبل أسابيع قليلة. وفي خضم التجمهر، والحشد والحشد المضاد، وتبادل القصف المتواصل بالتصريحات السياسية والشعارات بين الفرقاء ضاعت الحقيقة، وتشوهت الصورة، فلم يبق في المشهد إلا أحداث تستعصي على الفهم. وتشوهت خارطة ما سمي بثورة 26يناير، وبدأ التلاعب بأحلام الجماهير.

عندما خرجت الجموع في 26يناير 2011 مطالبة بالإصلاح السياسي لم يخطر ببال أحد سقوط الرئيس الذي حكم لثلاثة عقود تقريبا. يدلل على ذلك أن السلطة أطلقت يد الداخلية بالتعامل مع الأمور بشكل مطلق أنشأ على أثره الوزير فريق من الضباط مطلق اليدين للتعامل مع المتظاهرين، لتضرب قواته شاب حتى الموت في الإسكندرية، وتحرق كنائس كبرى بشكل غامض بهدف التخويف من نزاع طائفي، وتدوس عربات الشرطة المتظاهرين وكأنهم حواجز رملية لا أرواح بشرية، وكان ذلك بمثابة صب الزيت على النار، أشعل اللهب الذي دفع الرئيس للاستقالة، ربما حقنا للدماء، وهذا أمر لا بد وأن يحسب له مقارنة بسلفه.

أول من بدأ الاحتجاجات حركة كفاية، وشباب 6 إبريل، وغيرهم من التنظيمات الصغيرة. وكانت أول شخصية سياسية كبيرة تخرج مع المتظاهرين، وتشارك فعليا في الاحتجاجات هو السيد محمد البرادعي الذي شارك المتظاهرين في الاحتجاج على تعذيب وقتل الشاب خالد سعيد وضد تفجير الكنائس في الإسكندرية، البرادعي بدأ وكأنه كوفي أنان في زيارة لبلد أفريقي، لأن كافة السياسيين بما فيهم زعماء الإخوان كانوا يمارسون لعبة الانتظار. بل إن حركة الإخوان رددت أكثر من مرة على لسان كبار مسئوليها أنه ليس لديها الرغبة في المشاركة كحركة سياسية، أو الطموح للوصول لسلطة الحكم في مصر، فاللعبة آنذاك لم تكن مأمونة. وصرحت أن هدفها في المشاركة المتأخرة في الاحتجاجات كانت الإصلاح السياسي فقط، بل أنها نبهت أنه لو حصل عنف ضد سياسة الرئيس مبارك، أو الدولة فهي ليست طرفا فيها، فهدفها الإصلاح لا التغيير.

الفراغ السياسي بعد إقالة الجيش غير المتوقعة لمبارك أغرى الحركة لتغير ليس مواقفها فقط بل وجلدها السياسي فأعيد تسمية الحزب إلى “حزب الحرية والعدالة” لأن الدساتير المصرية تمنع ترشح الأحزاب الدينية لرئاسة الجمهورية وخاضت الانتخابات بتحالفات مع أحزاب تقليدية أخرى تدعمها وعود معسولة بالمشاركة. وباركت الجماعة والجميع معهم فوز محمد مرسي برئاسة مصر، على أن يكون رئيسا لكل مصر وليس لحزبه وأتباعه فقط، واعتبر ذلك دليلاً على ميلاد ديمقراطية فتية في مصر. وكانت بداية رئاسة الرئيس مشجعة، إلا أن الحشود المتأهبة لاحظت أن أحلامها تبددت. فالرئيس الجديد ثبت أنه قليل الخبرة السياسية إلم يكن عديمها، وأن من يدير الدولة، خلف الكواليس، ليس الرئيس بل مرشد الحزب، وأن الهدف ليس السلطة فحسب بل هو تحويل مصر لكيان إسلامي من منظار إخواني، خطوة لتحيق حلم إقليمي أكبر وأوسع.

واتضح أن التوجه السياسي الجديد إقصائي مثلما كان عليه النظام السابق تجاه الإخوان ذاتهم. وبدأ وكأن الأمر لا يتجاوز تغيير الأدوار والمراكز فقط بين الرئيس السابق والإخوان. واعترض على ذلك جميع الأحزاب الأخرى بما في ذلك أحزاب دينية دعمت مرسي بقوة كحزب النور، والسلفيون. واستقال من حكومة مرسي ستة وزراء وعدد من القضاة ومستشاره العسكري بحجة ألا دور لهم، فالمرشد هو من يضع السياسات لا مرسي، ولذلك لا حاجة لهم. وأدرك الرئيس متأخرا أنه يسير باتجاه كارثي وأن الشعب لن يسمح بأخونة مصر، بل كان يتوقع مصرنة الإخوان، وهرول مسرعا بمقترحات ووعود للإصلاح. ولكن الجماهير كانت قد تعلمت من النوايا السابقة ولم تعد تثق بالنوايا والوعود القادمة. فقد كان لدى الرئيس مدة كافية ليثبت أنه رئيس لكل المصريين لكنه انشغل بتجنيد الإخوان المسلمين في بلدان أخرى. ولم يكن ذلك ما عاهد الجماهير عليه فخرجت عليه الجماهير التي أوصلته للسلطة. ومنح الرئيس مهلة ليعيد الأمور لنصابها ليس كما يريد بل كما يريد الشعب، فنحاه الجيش واستولى على السلطة بهدف إعادة الثورة لأهدافها الصحيحة.

المصريون متخوفون على مصير ثورتهم الوليدة، وهم يخافون من استئثار أي طرف بالسلطة حتى ولو كان الجيش، والجيش يجد صعوبة في إقناع بعض المصريين بأنه لا ينوي الاحتفاظ بالسلطة، وهناك حشود معتصمة في عدة ساحات في مصر ومظاهرات في بعض المدن ترى في أن ما حصل انقلاب لا يتلاءم مع الممارسة الديمقراطية، ونسيت الجماهير المحتشدة فشل مرسي في إدارة البلاد كما وعد، وفشله في تشكيل حكومة توافق تمثل الجميع، بل على العكس حاول كما يقال أخونة قوى الشرطة والجيش. فالتجمهر ظاهرة يقودها القلة وتسرى عدواها للكثرة.

الوضع مؤسف حقا، والخروج من هذه الأزمة أمر معقد جدا، فعودة الرئيس المعزول إلى السلطة قد يزيده قوة ونفوذا، ويقود لسلسلة من الانتقامات من خصومة خصوصا في الجيش والداخلية، وقد يعيد صياغة أنظمة البلاد بشكل أكثر تطرفا من ذي قبل. فعودة الرئيس تعد سيناريو محفوف بكثير من المخاطر على الجميع وعلى مستقبل مصر أيضا. والخيار الخطير الآخر هو فض الاعتصامات بالقوة، حيث يجب أن يكون آخر الخيارات، فهو سيغذي الحرب الدعائية ضد الجيش وقوى الأمن وقد يصب في مصلحة الإخوان في آخر الأمر. والحقيقة أن الإخوان بتظاهراتهم واعتصاماتهم قد عكروا صفو الأجواء على الجيش وأجلوا فرصة تقديمه لحلول وسط للخروج من الأزمة. وبين فينة وأخرى يقوم متطرفو الإخوان بمناوشة الجيش استجداءً للهجوم عليهم وفض اعتصامهم بالقوة، فهذا ما يريدونه أصلاً. فهم يريدون رسم صورة الإسلاميين المستضعفين الذين يتعرضون لبطش القوات المسلحة، لأن صور الدماء واستجداء العطف، ولعب دور الضحية يزيد من قوتهم وتعاطف الناس معهم، وبالتالي نسيان أجندتهم السياسية، وما مارسوه هم من عنف سياسي. وهذه لعبة سبق ولعبتها الكثير من القوى الإسلامية من قبل وعلى رأسها حماس.

لا مخرج لمصر من أزمتها هذه إلا بالتوافق، وبتنازلات من جميع الأطراف حرصا على المصالح العليا. فعلى الإخوان أن يتخلوا عن المطالبة بعودة الرئيس السابق، وعلى الجيش الإسراع بالتعديلات الدستورية تمهيدا لانتخابات مستقبلية تتاح فيها الفرصة كاملة لكافة الأحزاب بما فيها حزب الحرية والعدالة بقيادة جديدة، وأن تتعهد جميع الأطراف بما فيها الجيش، وقوى الإخوان احترام نتائج الانتخابات. وأن تتعهد جميع الأطراف باحترام الدستور والحريات السياسية وحقوق الأقليات، وأن تكون هناك لجنة قضائية توفيقية منتخبة مهمتها مراقبة ذلك، وتكون لها صلاحيات كاملة في هذا المجال. وهنا يجب التنويه بعامل الوقت، فالوقت مهم جدا لتجاوز الأزمة.

latifmohammed@hotmail.com
Twitter @drmalabdullatif- أستاذ في جامعة الملك سعود

«فكر في الخروج قبل الدخول»
د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة