Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناWednesday 07/08/2013 Issue 14923 14923 الاربعاء 29 رمضان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

لأول مرة يحل الربيع والشتاء في وقت واحد، ولأول مرة تتدخل الحدود السياسية للفصل بين الشتاء والربيع والخريف والصيف، يوم كنا نتحدث عن الربيع العربي كانت إسرائيل تتحدث عن الشتاء، واليوم يبدو أن برودة الآمال بمستقبل عربي جديد قد أشعرنا بصقيع الشتاء، بيد أن إسرائيل تراه ربيعاً هذه المرة.

لا شك أن إسقاط تمايز الفصول المناخية على نوعية الأحداث السياسية - سخونة وبرودة - تنبع من لدن ذهن ثقافي للإنسان، هذا الإنسان الذي أراه كقطعة الألماس متعددة الوجوه، تلمع وتبرق من أي جانب تبصرها، ومع هذا تختلف أثمانها ورغبات الناس في اقتناء مختلف أنواعها.

ميّز الله سبحانه وتعالى الناس بالتقوى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} الحجرات13 وميّز الناس بعضهم عن بعض بكثير من الأوجه، لكن العقل وهو الذي يلجأ له الإنسان للتمييز فيما يحتاج ويرغب لا يفتي إلا بما علِم، فصار الإنسان العالِم مرجعاً لغيره من الناس، وهذا العالِم لم يرث العِلم نسباً ولا انتماءً، إنما أجهد عقله بالعلم والمعرفة فيما لم يجهد غيره عقله فيه أو يفطن له، فصار هو التميّز الحقيقي الذي يتميّز به إنسان عن آخر.

يصبح العالِم أكثر علماً ومرجعية حين يخرج من دائرة المألوف وحتى المتوقع إلى ما قد يبدو جديداً ومبتدعاً في محيط دائرته، ويصبح عندها مفكراً أو مثقفاً، وإذا كان إسقاط الفكر على الإنسان لا يظهر التميّز، باعتبار أن كل إنسان قادر على التفكير، يصبح وصف المثقف على آحاد الناس أكثر وضوحاً لتميّز هذا عن ذاك، ثم وبقدر سعة هذه الثقافة يرقى الإنسان رتب هذا التميّز والامتياز.

وقد ورد في القرآن الكريم الفعل”ثقف” في {... حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} البقرة191 وفي أعاجم التفسير لمعنى “ثقف” تظهر عدّة معان منها أن ثقف تعني حذق أو أدرك، لكني لم أجد معنى يساعدني على فهم العلاقة بين الفعل والوصف في “ثقف” وثقافة، بل إن مصطلح “ثقافة” لم يكن ظاهراً أو واضحاً في اللسان العربي والإسلامي إلا من قريب.

العالِم والأديب والفقيه والمحدّث والمؤرِّخ ربما نلتقط بعضها في العهد الأموي وما بعده، لكن وصف “مثقف” وهي التي تستطيع حضن جميع تلك الأوصاف لم تكن ظاهرة وواضحة، وكأنها أمر مسلم به ومفهوم بالبديهة لا ينطق، تماماً مثل الهوية رغم أنها كانت ظاهرة وواضحة في التميز بين الأمم منذ القدم، فهناك العرب والعجم والفرس وبنو الأصفر والزنج، وهي أوصاف متداولة حتى قبل ظهور الإسلام.

أمة العرب دخلت الإسلام، وحين دخل معها أمم أخرى تبدل مسمى الأمة من العرب إلى الإسلام، وأصبحت الهوية الجامعة هي الإسلام، وتميّزت بها عن باقي الأمم، وفي العصر الحديث ظهرت الدولة بالسيادة والسلطان، وتحولت الأمة إلى قوميات ثم تقسمت هذه القوميات إلى مواطن سلطة ونفوذ، ورغم هذا التمزّق إلا أنها أبقت على هويتها الجامعة، ثم بحثت عن هوية ملائمة لجزئياتها فاستعارت مصطلح “ثقافة “ من أدبيات أوروبا التي ظهرت في القرن السابع عشر الميلادي في فرنسا.

قد يصعب التفريق في الفهم بين مصطلح “ثقافة” ومصطلح “حضارة” فالحضارة تطلق على ثقافة أمة، للتدليل على مورثها التاريخي، في حين لا نستطيع وصف أمة معاصرة بالحضارة استناداً على إرث تاريخي في خلاف حاضرها، فالمصطلح “حضارة” يعود للفعل “حضر” وحضر تعني ظهر وبرز. يوم ظهر مصطلح “الثقافة” في وسطنا العربي والإسلامي كانت الفلسفة الفكرية الأوربية قد أنتجت أيدلوجيات تجزئ التميز الوصفي لهذه الثقافة، ولأننا أمام نهضة الحضارة الأوربية في حاجة لاستعارة ثقافتها لاستنهاض مجتمعاتنا وشعوبنا باتجاه الخروج من التخلّف، متجاوزين حقيقة أننا جزء من أمة أكبر، دخلت الرأسمالية والاشتراكية والماركسية وإلى آخره من النظريات، ثم تفتت الثقافة ذاتها إلى فكر ليبرالي وعلماني وتنويري مع تجزؤ في الفكر العربي والإسلامي أيضاً مثل صحوي وسروري وجامي وإخواني وإلى آخره.

وما يجري اليوم في بلدان الربيع العربي هو في الحقيقة صراع بين هذه الأفكار، فكر يراه بمنظور الهوية وآخر يراه بمنظار الثقافة، ورغم أن بعض المفكرين لا يرون فرقاً بين الهوية والثقافة، إلا أني لا أستطيع الاستئناس بالطقس حسب الوصف الإسرائيلي.

Hassan-Alyemni@hotmail.com
Twitter: @HassanAlyemni

والحديث ذو شجون
حسن اليمني

حسن اليمني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة