Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 08/08/2013 Issue 14924 14924 الخميس 01 شوال 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

نردد كثيرا اسم الصين ونقرأ عن بلاد الصين ويرتبط اسمها في مخيلتنا ببلاد بعيدة ونائية يتميز أهلها كما نعرفهم بضآلة أحجامهم وبعيونهم الضيقة ويحبون التجمع مع بعضهم أينما كانوا ولذا نجد تشينا تاون في كل مكان حول العالم كما ان علاقتهم باللون الأحمر مميزة ولذا فمعظم المطاعم الصينية تكتسي به كما أن منتجات الصين الرخيصة والسيئة الصنع هي ما يملأ محلات أبو ريالين! ولذا فمن الصعب الثقة بها لكن هل هذه فعلا هي الحال كما يحدث في الصين؟

الصورة غير الواضحة التي تمتلئ بها أذهان العامة عن الصين تزيد في غموضها مع فقر واضح لمعلومات دقيقة حول جغرافيتها وحجمها أو قوتها الاقتصادية أو المالية أو بما يعتريها من عوامل تاريخية وبشرية لكن هل سيمنع ذلك من كونها حقا المارد القادم للقرن الواحد والعشرين!

أتيحت لي زيارة الصين بمشاركتي في مؤتمر علمي هناك (لغة المؤتمر هي الإنجليزية بالطبع رغم وجودنا في الصين!) وأحد الصعوبات التي تواجه الزائر بلا شك هو ضعف التعامل بها بين الصينيين كما أن كل شيء تقريبا مكتوب بالصينية لكن ما حاجتهم للعالم؟ شعب يبلغ بليون وثلاثمائة ألف يوجد منهم 27 مليوناً فقط في بكين العاصمة حيث المؤتمر أي بحجم سكان المملكة مجتمعين! ولذا فكل شيء كبير هنا.. المباني الضخمة التي تصبح ناطحات السحاب في نيويورك مقارنة بها أثرا بعد عين.. شبكة المواصلات الهائلة المنظمة. الدقة الفائقة التي يتحرك بها كل شيء بدءا بالبشر وانتهاء بكل ما في هذه المدينة من سيارت وباصات وسياكل وتك تك.. كل شيء يمشي هنا وكل شيء يؤكل حتى العقارب التي تباع حية... ترتعش ويشويها البائع للمحليين والزوار المغامرين لتجربة طعمها اللذيذ فيما يبدو!!

وفيما تعاني معظم بلدان العالم من تباطؤ شديد في نموها الاقتصادي أدى إلى ارتفاع حجم البطالة والمظاهرات العارمة مثل التي تجتاح إسبانيا واليونان وايطاليا يطلب البنك الدولي من الصين كبح جماح نموها الاقتصادي الذي يعتبر اليوم أكبر ثاني اقتصاديات العالم بعد الولايات المتحدة. ومن ينظر في حجم التعاملات المالية التي تسيطر عليها الصين داخل حدودها التي تعتبر سوقا خيالية لأي تجارة مقارنة بعدد سكانها الكبير والذي ساهم في زيادته الرئيس الماركسي ماوتس تونج الذي حكم البلاد من عام 1945 إلى حين وفاته عام 1976 وكان يعتقد بأن القوة في الكثرة فشجع الإنجاب حتى امتلأت الأرض بالبشر بحيث اضطر الرئيس المجدد الذي تلا ماو وساهم في تحديث الصين وربطها بالعالم من جديد بعد عزلة قصرية فرضها ماو عليها بحيث اضطر الأخير إلى سياسية مغايرة تماما وهي سياسة الطفل الواحد بحيث لا يسمح لأي زوجين في الصين سوى بطفل واحد يتمتع بالخدمات الصحية والتعليمية مجانا لكن هذا ولد مشكلات جديدة بالطبع فالعائلات تحرص (كما في معظم بلدان العالم) على الحصول على ولد فعمدت العائلات إلى إجهاض الطفل اذا لم يكن ولدا وتدريجيا اختل التوازان الطبيعي بين الرجال والنساء والذي تعاني منه الصين اليوم بحيث تشير الإحصاءات إلى أن هناك مائة امرأة فقط لكل 160 رجلا! كما ظهرت مشكلات اجتماعية جديدة فعدم وجود أشقاء يعني عدم وجود أخوال أو أعمام أو أشقاء أو شقيقات بما يهدد كثير من العائلات بالانقراض فعمدت الدولة إلى التسامح تدريجيا بالطفل الثاني ولكن مع فرض غرامة تصل إلى عشرة آلاف دولار وحرمان الطفل الجديد من أية خدمات مجانية في الدولة وهو ما لا يتحمله المواطن الصيني العادي الذي يكتفي غالبيته بالطفل الواحد بعد تجريم المستشفيات ومنعها من الإعلان عن جنس الطفل قبل ولادته وهذا خلق مشكلات جديدة يتركز معظمها في هذا الأمبراطور الوحيد (الطفل) الذي يسيطر على عائلته باعتباره الطفل الأوحد فبدأت ظواهر جديدة لم يعرفها الصينيون المنضبطون مثل السمنة والدلع وعدم الالتزام!!!!!

التاريخ العظيم الذي تحمله معالم الصين يشي بقدرة هائلة وانضباط عظيم وليس ادل على ذلك من سور الصين العظيم الذي يعتبر احد عجائب الدنيا السبع ولا غرو فكيف تم بناؤه على هذا الارتفاع بهذه الأحجار الضخمة حيث افتتح عام 204 قبل الميلاد بعد ان شارك في بنائه أكثر من ثلاثمائة ألف شخص وكذلك المدينة المحرمة التي كانت مقصورة على العائلة الحاكمة وشارك في بنائها أكثر من مائة ألف مصمم ويوجد بها أكبر قطعة رخام في العالم تم نقلها من شمال البلاد عبر زحلقتها على الشوارع التي يغطيها الجليد خلال فصل الشتاء! ولا يعرف احد بالضبط العدد الكلي (للدراجون) وهو الحيوان الأسطوري المرسومة على أبواب وجدران هذه المدينة التي اصبحت اليوم مقصدا سايحيا يزوره اكثر من خمسون الف في اليوم. وتتركز سياحة الصين في ما يبدو على السكان المحليين وليس على السياحة الأجنبية والتي لا تحتاجها الصين بالنسبة لعدد المستهلكين المحتملين في داخل الصين.

الصين بلا شك بما يحفل به اقتصادها اليوم وبقوة بناء بنيتها التحتية وبعدد سكانها وبتنوعاتها المناخية والجغرافية ستتمكن خلال فترة قصيرة من غزو العالم. ولذا فيجدر بنا فتح ملفها بسرعة وبقوة لفهم هذا المارد والتعرف على امكانيات التعامل معه علميا واقتصاديا قبل ان يلتهمنا.. لا فائدة فقط من التوجه إلى دول الغرب الحضارية والتي تهمنا ايضا لكن اعيننا يجب ان تكون مفتوحة ايضا على اهم اقتصاديات العالم النامية اليوم وتحديدا في الصين وكوريا خاصة والتوقعات المستقبلية تشير بقوة إلى هذا المارد الذي انطلق من عقاله ولن يعود.

المارد القادم من آسيا.... الصين العظيمة؟
د. فوزية البكر

د. فوزية البكر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة