Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 09/08/2013 Issue 14925 14925 الجمعة 02 شوال 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

في حقبة من الزمن الماضي كانت المعلومات قياسا بالحاضر فقيرة ولا تصل في حينها لقلة مصادرها وصعوبة وصولها، فالصحف المقروءة والمطبوعات الإعلامية المنشورة تكاد تكون هي المصدر الوحيد لنقل وتداول المعلومات التي بدورها تشكل جزءا من الإطار العام لثقافة المجتمع، وطرح القضايا للرأي العام، ومناقشة هموم الوطن والمواطن، وكانت مصادر تلك المعلومات تقع تحت رقابة داخلية من قبل المؤسسة الإعلامية ذاتها، من مبدأ الالتزام بالمواثيق الإعلامية من جانب وباللوائح والقوانين التي تراعي السمت العام من جانب آخر، ورقابة خارجية من قبل الوزارات المعنية التي تتأكد من التقيد بما يصدر من تعليمات، وعلى الرغم من هذه الرقابة أو تلك، إلا أن بعض المتابعين لا يثقون في جل المخرجات ويطلقون عليها كلام جرايد، للتقليل من قيمة أو صدق بعض ما ينشر، مع الاعتراف بأن الإعلام يمثل السلطة الرابعة في البلد، لأهميته وقوة تأثيره.

لعل هذا التشكيك أو التقليل من قيمة بعض ما ينشر في ذلك الوقت يعود إلى أن المجتمع بشكل عام يعطي بعض القيم والضوابط أهمية عالية، حتى وإن لم تكتب، ويعظم بعض القيم على بعض، مثل قيمة الضبط الاجتماعي، والمسئولية الاجتماعية، وحرص الناس على تحري الدقة، وتقصي الحقيقة، وتوثيق المعلومة بشكل صحيح، لتعودهم على الكتاب الذي كان أكثر رواجا وأكثر أهمية، فهو المرجع والفصل في الخلاف،فكان الاختصاص واضحا والمرجعية في أغلب العلوم معروفة، مثلا: في الجانب الشرعي برز علماء قلة، أفنوا جل أعمارهم في البحث والتأصيل، لا يغلب عليهم الاستعجال والتسرع في الأحكام ولا الشطط في الفهم، يسبق عميق فكرهم منطوق ألسنتهم، فنالوا ثقة الناس واحترامهم وأصبحوا من أهم مصادر العلم والمعرفة في هذا الجانب، والمرجع فيما اختلف فيه، ولكل علم نافع من العلوم مرجعية ورموزه، بناء على مكانتهم العلمية، مما أنتج ثقافة عميقة وفكرا معتدلا، ومكانة رفيعة للثوابت، نتيجة لتحيد المسئولية ووضوحها.

إلا أن الوضع تغير في الوقت الراهن، فلم يعد هناك قلة في المعلومات وبطء في وصولها، بعد الثورة التقنية، وما حققته من نجاح باهر في تدفق المعلومات ووفرتها بشكل يسابق الزمن، وهذه ميزة محمودة، يقابلها عيوب ممقوتة، فلم يعد للمعلومة قيمتها الحقيقية ولم يعد للمرجعية دور في تصحيح الخطأ والتصدي للمغلوط والمشبوه، فأصبح الإعلام من أهم الصناعات في العصر الحديث، تديره مؤسسات ومنظمات عملاقة، لها أجندتها وأهدافها، لم يعد لبعض القيم السابقة مكانة تذكر، وحل محلها قيم جديدة. وأصبح المتلقي في دوامة الخبر والمعلومة، لا يدرك من الأمر شيئا، تتجاذبه التيارات المختلفة، فيمسي في خبر، ويصبح على النقيض، يعيش في الوعي واللاوعي من التشتت والتخبط، حتى طال هذا التشتت الثوابت الوطنية والدينية، التي لا يختلف على أهميتها من أدركها، فالثوابت الدينية، تجرأ عليها من قرأ حرفا من كلمة، أو كلمة من جملة وأشار إلى ذاته بأنه الباحث الحصيف، الذي أتى بما لم يأت به الأولون.

فظهرت ثقافة جديدة يمكن أن تسمى مجازا الثقافة المعلبة، أو ثقافة الانترنت التي لا تعتمد على الفهم أو التأصيل، والتي ساهمت في حجب المسئولية أو التقليل منها، مما أعطى فرصة للباحثين عن الشهرة المزيفة، وأثر سلبا على الثقافة الحقيقية وأحبط روح المثقف.

الصراع بين القيم ومصادر المعلومات في أي مجتمع هي علامات نمو وحياة، والحفاظ على القيم المحمودة من أولويات بقاء المجتمع وثبات هويته، فعراقة الثقافة وقوتها تكسب المجتمع المكانة والتأثير، وتسانده في تحقيق أهدافه، ولا يمكن تحقيق ثقافة مؤثرة ومثمرة مع باب موارب، ودون وجود ضوابط ومعايير تحافظ على المحمود من القيم، وتقلل من المذموم.

والله ولي التوفيق.

dr.shujaa@gmail.com

الصراع بين قيم المجتمع ومصادر معلوماته
د.شجاع بن متعب بن غميض

د.شجاع بن متعب  بن غميض

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة