Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 09/08/2013 Issue 14925 14925 الجمعة 02 شوال 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

أفاق اسلامية

قبل أن تنشر الرؤيا (1-2)
د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى

رجوع

د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى

في البخاري في كتاب التَّعْبير (باب المبشّرات) وساق فيه حديث أبي هريرة رَضِي اللهُ عَنْه قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «لم يبق من النبوة إلا المبشرات قالوا وما المبشرات قال الرُّؤْيَا الصَّالحة». وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رَضِي اللهُ عَنْهما قال: كشف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الستارة والنَّاس صفوف خلف أبي بكر فقال أيها النَّاس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرُّؤْيَا الصَّالحة يراها المسلم أو ترى له...الحديث وفي الترمذي في كتاب الرُّؤْيَا (باب ذهبت النبوة وبقيت المبشرات)، ثمَّ ساق الحديث عن أنس بن مالك رَضِي اللهُ عَنْه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي «قال فشق ذلك على الناس، فقال: لكن المبشرات. قالوا: يا رسول الله وما المبشرات؟ قال: «رؤيا المسلم وهي جزء من أجزاء النبوة». وعند الإمام أحمد وابن ماجه عن أم كرز الكعبية قالت سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول ذهبت النبوة وبقيت المبشرات. قد تأمَّلت هذه النصوص كثيرًا فوجدت أنَّها تُؤكِّد هذا المعنى أن الرُّؤْيَا بشارة، وكأن في هذا قصرًا لها على هذه الغاية وهي أن تكون بشارة للمسلم، ولا مانع أيضًا أن تكون بشارة لجماعة المؤمنين أي: للأمة، وقال الشاطبي: «وإنما فائدتها البشارة، أو النذارة خاصة». وإذا كان كذلك فلا ينبغي أن نضع الرُّؤْيَا موضعًا أبعد من هذا الغرض، فالرُّؤْيَا حين يراها المسلم لنفسه أو ترى له تبعث في نفسه التَّفاؤُل؛ لكنَّه لا يركن إليها ولا يغتر بها، ولا يرتب أموره على وفقها، فهي تشبه بعض المعالم على الطَّريق التي توحي لك أَنّك على الجادة، لكنك لا يمكن أن تعدّل مسارك على وفقها؛ لأنّها غير مؤكدة. ولذا قال الإمام الرباني الفقيه حقًا أحمد بن حنبل -رحمه الله- : «الرُّؤْيَا تسر ولا تغر»، فعن المروذي قال: أدخلت إبراهيم الحُصْري على أبي عبد الله - أي: الإمام أحمد - وكان رجلاً صالحًا فقال: إن أمي رأت لك منامًا، هو كذا وكذا، وذكرت الجنة، فقال: يا أخي، أن سهل بن سلامة كان النَّاس يخبرونه بمثل هذا، وخرج إلى سفك الدماء، وقال: الرُّؤْيَا تسر المؤمن ولا تغره. وعن محمد بن يزيد قال: كانوا يرون لوهيب أنّه من أهل الجنة، فإذا أخبر بها اشتدَّ بكاؤه، وقال: «قد خشيت أن يكون هذا من الشَّيطان». وعلى هذا فالمؤمن يسير وفق ما أمره الله تعالى فجميع أموره، وعلى المنهج الصحيح الذي يأخذ بالأسباب وبكل ما ينبغي الأخذ به، وعلى وفق ما يعلم من الواقع أو ما يتوقعه من المستقبل حسب المعطيات الصحيحة، لا مُجرَّد منامات الله أعلم بها، ثمَّ بعد ذلك لا يضيره أن يستأنس بالرُّؤْيَا ويتفاءل بها فقد كان حبيبنا صلَّى الله عليه وسلَّم يعجبه الفأل. كم نسبة وقوع الرُّؤْيَا؟ في الصحيحين عن أبي هريرة رَضِي اللهُ عَنْه: إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة». قال ابن حجر في فتح الباري (12 - 362): جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة كذا وقع في أكثر الأحاديث، ولمسلم من حديث أبي هريرة جزء من خمسة وأربعين.، ثمَّ ذكر روايات كثيرة، ثمَّ قال: فحصلنا من هذه الروايات على عشرة أوجه أقلها جزء من ستة وعشرين وأكثرها من ستة وسبعين وبين ذلك أربعين وأربعة وأربعين وخمسة وأربعين وستة وأربعين وسبعة وأربعين وتسعة وأربعين وخمسين وسبعين أصحها مُطْلقًا الأول ويليه السبعين. ثم أسهب ابن حجر في توجيه معنى «جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» والجمع بين اختلاف الأعداد. وقد تأمَّلت ذلك فظهر لي معنىً لا أدري ما صحته فقد تلمسته فيما نقله ابن حجر فلم أجد من أشار إليه، هذا المعنى أن قوله «جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» ونحوها من الأعداد تمثِّل نسبة وقوع الرُّؤْيَا، فإذا كان الوحي يقع لا محالة أيّ بنسبة 100 في المئة، فإن نسبة وقوع رؤيا المسلم 1: 46، بالتعبير الرياضي واحد إلى ستة وأربعين، أيّ 1 على 46، وهو يعادل بالنِّسبة المئوية حوالي 2 في المئة، وهكذا بقية الأعداد، فمثلاً (جزء من ستة وعشرين جزءًا من النبوة) يعادل قريبًا من 4 في المئة، وكُلُّما زاد العدد قلّت النسبة. وفي شرح النووي على مسلم (15 - 21): «أشار الطبري إلى أن هذا الاختلاف راجع إلى اختلاف حال الرائي فالمؤمن الصالح تكون رؤياه جزءًا من ستة وأربعين جزءًا والفاسق جزءًا من سبعين جزءًا». فالرُّؤْيَا على هذا لا تتعدى نسبة وقوعها على أحسن الأحوال 4 في المئة، ولذا فلا ينبغي الركون إليها والاعتماد عليها بل هي كما تقدم مبشر من المبشرات. تكرار الرُّؤْيَا وتواطؤها أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رَضِي اللهُ عَنْه عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «رؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءًا من النبوة والرُّؤْيَا ثلاثة فرؤيا الصَّالحة بشرى منَّ الله ورؤيا تحين من الشَّيطان ورؤيا مما يحدث المرء نفسه». تدخل الشَّيطان في هذا التواطؤ غير بعيد، بمعنى: إن الشَّيطان قد يأتي لهذا ولذاك من أجل أن يصل إلى تصديق النَّاس بتلك الرُّؤْيَا، ثمَّ يعملون بمقتضاها، فيتحقق له ما يريد من فتنة، أو إرجاف، أو تحزين، كما في تقسيم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم المتقدم قريبًا أن الرُّؤْيَا قد تكون تحزينًا من الشيطان. والتحزين قد لا يكون بالرُّؤْيَا السيِّئة فقط؛ بل قد يكون بالرُّؤْيَا الحسنة من الشيطان، والتي يتعلّق بها الشَّخص ويترقب حصولها، ثمَّ لا تحصل فيقع الحزن حقًا للرائي وبكل من صدقه في رؤياه. وقد وجدنا أمثلة واقعية لتواطؤ رؤى، ثمَّ انجلى الأمر وظهر أنَّها من الشيطان. فمن ذلك قصة محمد القحطاني في فتنة الحرم عام 1400 هـ حيث تواترت الرَّؤَى بأن محمد بن عبد الله القحطاني هو المهدي وهي رؤى كثيرة، ثمَّ في آخر الأمر قتل هذا الرَّجل وعرف النَّاس أنَّه ليس المهدي، وأن كان أهل العلم قد عرفوا ذلك من قبل. ومهما حاول البعْض أن ينفى وجود التواطؤ في هذه الرَّؤَى فإنَّه لم يصنع شيئًا؛ لأن تلك المنامات قد اشتهرت، والقول بأنّها لم تصل إلا إلى بضع عشرة، وفي أقصى احتمال أنَّها أربعون، قد خالفه آخرون فقالوا: أنَّها كانت أكثر من ذلك، ثمَّ بضع عشرة رؤيا إلا تعتبر تواترًا، فضلاً عن أربعين رؤيا؟!.

- أستاذ الفقة بجامعة القصيم

رجوع

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة