Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSaturday 10/08/2013 Issue 14926 14926 السبت 03 شوال 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

قال أبو عبدالرحمن: أذكر منذ عشرين عاماً أو أكثر أن أحد الشباب فاتحني مستغرباً تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام، وأن ذلك ليس عليه برهان من دين الله.. ثم هاتفني آخر مستغرباً (توحيد الأُلوهية)، وأن ذلك يعني تعدد الآلهة..

وهؤلاء الشباب يومها - ولا أدري مَن تراجع، ومَن لم يتراجع - مأسورون بتعليمات الحركيين، وجمهورهم لا يجعل تحقيق التوحيد شرطاً لوحدة الهدف والصف معاً، بل من إخوانهم في الدين كفرة الباطنية، وأهل الحلول والاتحاد من الصوفية، وكل محقق للتوحيد من دين الله فهو وهابي؛ وإنما أعلم قليلاً منهم حقق التوحيد كالشيخ حسن الهضيبي رحمه الله تعالى، وما أندره بينهم.. وهذا الموضوع طويل الذيول سأتناول منه اللباب الذي يليق بحجم هذه السبتية؛ فأما تقسيم التوحيد فمعناه ثابت محصور في الشرع بشرط الجمع والمنع، وأما الاصطلاح فلا مُشاحَّة فيه، ولا سبيل إلى ضبط العلم إلا به؛ وإنما المشروط صحة الاصطلاح ببرهان تصحيح من اللغة وبرهان على أن المصطلح عليه صحيح في الشرع أو في أي حقل علمي آخر.. وبالاستقراء الجامع المانع وجد أن توحيد الله ثلاثة أنواع لا رابع لها يتعلَّق بها حمد الله الجامع معنيي المدح والشكر؛ فالأول توحيد الله في الكمال المطلق والتقديس المطلق بأسمائه الحسنى ما علمنا منها وما لم نعلم مما استأثر الله بعلمه؛ فذلك اصطلحوا عليه بتوحيد الأسماء والصفات، وصفات الرب أسماء لله؛ لأنها لا يستحقها على الكمال غيره؛ فالمعنى صحيح في الشرع وعليه دليل صحة من اللغة مباشرة ومطابقة؛ فمعنى (توحيد الأسماء) الإيمان بأنها له وحده، والله سبحانه هو الممدوح بها وحده؛ وذلك أحد معاني الحمد؛ فله الحمد مدحاً وشكراً؛ فتقول عند ذكرها (سبحان الله وبحمده)، لتجمع المدح والشكر والتنزيه.. والثاني توحيد الربوبية بمعنى توحيد الله بأفعاله الصادرة عن أسمائه جل جلاله؛ فكل رحمة من عنده، وكل قدرة من عنده.. إلخ؛ فجعلوا توحيد الله بأفعاله توحيد ربوبية أخذاً من معاني الرب؛ وهذا يقتضي الحمد والشكر.. والثالث توحيد الله بالعبادة التي طلبها ربنا من عباده، وبها يتميز ما هو عادي وما هو شركي؛ فسَمَّوا ذلك توحيد الألوهية؛ أخذوا ذلك من تألَّهَ تألهُّاً؛ فالألوهية اسم من التأله يدل بصيغته على بذل الجهد لبلوغ أقصى ما يقدر عليه من إحسان العبادة؛ فتوحيد الألوهية توحيد الله بنياتنا وأقوالنا وأفعالنا وفق ما شرعه لنا ربنا؛ فهذا المعنى صحيح في الشرع باصطلاح دالٍّ لغة من معنى التوحيد والتأله، وهو يقتضي المدح والشكر.. ومن أقر بصحة هذا الاصطلاح والتقسيم - والحق واجب الإقرار به - فيلزم مواجهته إذا أنكر المجاز والحقيقة تقسيماً ومعنى بدعوى أن الشرع لم يرد بهذالاصطلاح؛ فيقال: (يلزمك إذن الانصراف عن النور المبين في تقسيم أنواع التوحيد والاصطلاح عليها).. والاشتقاق هو الركن الركين في معرفة الحقيقة والمجاز، وهو قطعي بالاستقراء اللغوي، وعليه دلالة من الشرع بالحديث الصحيح عن حق الرحم، وأنها من صفة الرحمن جل جلاله.. وتوحيد الألوهية أوَّلُ ما يجب على العباد، وهو أول دعوة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام؛ لأنه حتمي الوجوب من الإيمان بالإله المتفرد بالكمال والتقديس في نفسه جل جلاله، والمتفرد بتدبيره في خلقه؛ ولهذا كان الزمن الطويل من عُمْرِ كل رسول بعد بعثته إقامة البراهين على وحدانية الله في صفاته وأفعاله.. وأما التعامل مع أنواع التوحيد فيختلف؛ فبالنسبة لتوحيد الألوهية فأدلة تطبيقه من المحكم الجلي الواضح؛ لأن الله بين غاية البيان العبادات والآداب، واشترط نية المقصود بالعمل، وهو الله وحده.. وبين ضرورة تمييز العبادة المقصودة كصيام رمضان وصيام الأيام البيض، وأما الصيام التطوعي غير المحدد فلا نية فيه غير نية المقصود بالعبادة.. وفي هذا التوحيد ما يسع فيه الاختلاف؛ لتعارض الأدلة في ذهن المجتهد كالجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية، وكسكتة الإمام قبل قراءة الفاتحة، وكتحية المسجد في وقت النهي أباحها من استدل بكلمة (هي من ذوات الأسباب)، وهذا كلام بشر، وليس نصاً شرعياً، والراجح عندي تأجيلها إلى خروج وقت النهي؛ لأن ترك المحرم مقدم على فعل الطاعة، والتخلية - بالخاء ذات الواحدة من تحت - قبل التحلية بالحاء المهملة؛ فالاختلاف في هذا بعد بذل الجهد وصدق التحري لمراد الله هو الذي فيه أجر ومعذرة للمخطئ.. وأما توحيد الربوبية فهو من المحكم الذي لا يجوز الاختلاف فيه؛ فمن خالف فيه فإيمانه بتوحيد الأسماء مختل.. ألا ترى في سورة النساء آية تثبت أن الحسنات والسيئات من الله؟.. ثم تأتي بعدها مباشرة: {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا} سورة النساء (79)؛ فالسيئة من الله بالنظر إلى أن المكلف فعلها بالقدرة والحرية اللتين منحهما ربه إياه، وهو قادر حر على فعل الخير.. وهي من نفس المكلَّف؛ لأنه اختار فعل السيئة وهو قادر على الحسنة؛ ولهذا قال ربنا سبحانه: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً}؛ لأنه بيَّن لهم الخير والشر، وقد ملَّكهم الله الحرية والقدرةعلى فعل ما يختارونه منهما؛ فخلاف المعتزلة وغيرهم في مثل هذا خلاف في المحكم الذي عطلوه.. وأما توحيد الأسماء فهو محكم من جهة ومتشابه من جهة، وهكذا كل واقع مغيَّب أخبر الله عنه؛ فهو محكم بنصوص بينة المعاني محكمة مشروطة بالمثل الأعلى لله، وهو الكمال المطلق والتنزه المطلق، وهي من المتشابه عند ابتغاء المآل تكييفاً وتحديداً وتشبيهاً وتخرصاً وتأويلاً بمصطلح أهل الكلام؛ لأنه يَجُزُّ إلى تعطيل النص من معناه؛ إذن تلك النصوص لا يحل فيها الاختلاف، بل هي على الإيمان والتسليم واليقين، ولا يحل لمسلم أن يُدخِل علم الكلام في ذلك كقولهم: (هل الله مَحَلٌّ للحوادث، أو غير محلٍّ لها)؛ فطرح هذا ليس من نصوص الشرع، وليس من ممارسة السلف، وليس اتباعاً لهم بإحسان، بل نؤمن بأن الله بكل شيئ محيط كبير متعال لا يملك الخلقُ إلى ذي العرش سبيلاً، ونؤمن بأنه قريب منهم إذا شاء لا يحجبه عنهم طولُ زمنٍ أو بعدُ مسافةٍ، ونؤمن بأن السموات والأرض مطويات بيمينه جل جلاله؛ فهل نرد خبر الشرع بسفسطة: (هل الله محل للحوادث؛ أو غير محل لها).. ولا يجوز التخرُّص بالعقل المُرسَل والاستدلال على الغيب بأوهام العقل، ومجانفة النص الصريح كقول المعتزلي: “إن الله لا يعلم الجزئيات”؛ فهذا عطل مدلول {بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} سورة البقرة (29)، وعَطَّل البيان المفصل في قوله تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} سورة الأنعام (59).. وكل من أدخل الأقيسة وثقافات الفلسفة وعلم الكلام مهما كان وزنه وقدره في العلم فهو غير سلفي في هذا الباب، بل يُخاف عليه من الزيغ؛ وذلك مثل الجوهر، والجسم، وهل لله حدٌّ، وأن فعل الله حادث غير مخلوق - والله يفعل إذا شاء بعلمه وقدرته وحكمته، وهو الأول في كل ذلك لا شيئ قبله، وهو الآخر في كل ذلك لا شيئ بعده؛ لأنه الحي الباقي الدائم -، وكالتفريق بين الذات (يريدون النفس) والصفات؛ وإنما ذلك في حق المخلوق الذي يستجد له صفة حادثة، والله سبحانه وتعالى هو نفسه بكل صفاته، وإلى لقاءٍ قريبٍ عاجِلٍ إن شاء الله، واللهُ المستعان، وعليه الاتكال.

- عفا الله عنه -

التَّعامُلُ السَّلَفيُّ مع أنواعِ التوحيد:
أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري

أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة