Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 12/08/2013 Issue 14928 14928 الأثنين 05 شوال 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

يقول الدكتور صلاح الراشد: “هناك من يتطوع لبرمجتك طوال الوقت منذ ولادتك حتى وفاتك”.

هذه الجملة تلخص واقعاً مريراً تعيشه كثير من المجتمعات القائمة كلياً على البرمجة التي لا يدرك خطورتها كثير من الناس، والمجتمع السعودي أحد أكثر المجتمعات التي أسست على قوالب نمطية وجرعات مكثفة من البرمجات السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية، حتى عُطّلت كثير من عقول أفراد المجتمع حينما سلّمت وأجّرت إلى ثلة من البشر، قُدر لها أن تدير حياتك وتصنع قراراتك وتحدد خياراتك بشكل غير مباشر، فأصبح المجتمع وقوداً يغذي هذه الأفكار، ويدور في داخل هذه الدائرة المشبعة بكم مهول من البرمجات التي تحدد من نحن اليوم، فكم من فكرة دفنت بسبب برمجة خاطئة خضعت لها؟ وكم من حرية واستقلالية وأهداف إصلاحية ضمرت تحت أقدام أشخاص برمجوك على الطاعة المطلقة والخضوع الكامل؟ وكم من طاقة إبداعية كتب لها الموت المبكر بسبب أفراد برمجوك على أنها مضيعة للوقت والنفس، وأنك غير قادر على استثمارها؟ وكم من شاب صالح رفضه المجتمع؛ لأنه خالف تيار البرمجات التي لقن بها غيره حتى أضحت من المقدسات والمسلّمات التي هم مستعدون لأن يموتوا في سبيل بقائها.

حين ننظر من حولنا، وحين نعود إلى سنوات حياتنا بمراحلها المختلفة، نجد أننا كنا ضحايا لبرمجات لا تعد ولا تحصى، ابتداء من برمجة البيت والمدرسة وأستاذتك والمناهج الدراسية التي تحمل تلقين وبرمجات مرتفعة التركيز والتأثير، وصولاً إلى تأثير الفضاء الإعلامي المشبع بالرسائل السياسية والثقافية والاجتماعية التي تسافر عبر الفضاء لتستقر بعقلك الباطن أو اللاواعي، امتداداً لمنابر المساجد التي غرست بداخلك فهماً معيناً للدين والشريعة كعقيدة وأسلوب حياة.. إن خالفتها واتخذت اتجاهاً أقل تمسكاً أو أكثر تشدداً وقعت في فخ النقد الجارح والأحكام القاسية التي قد تطول فكرك ومنهج حياتك.

فمن برمجنا على أن نقدس أفراداً أو قبائل أو طوائف دون غيرها؟ ومن جعلنا نعيش حياتنا ضمن إطار محدد ومرسوم سلفاً حتى وإن كنا غير مقتنعين به كأسلوب ومنهج حياة؟ من برمجنا على أن النجاح أو الكرم أو التدين أو الحزن يأخذ أشكالاً معينة ومحددة يجب أن نعيشها حتى نملأ خاناتها؟ من برمجنا على أن نقبل أخطاء الرجل وعيوبه ونرفض زلة الفتاة ونلعن ذنوبها تحت شعار عادات وتقاليد لم ينزل الله بها من سلطان؟ من برمجنا على أن نتزوج وننجب ونربي أطفالنا بسن أو بطريقة معينة؟ من برمجنا أن نخاف ونرتعب من مشاركة الآخرين أفكارنا خوفاً من العين والحسد؟ من برمجنا أن نحترم الأصول قبل العقول، وأن نخاف من العيب أكثر من الحرام؟ من برمجنا أن الفتاة لها مسار معين في الحياة ولا يحق لها ما يحق للرجل والعكس صحيح؟ من برمجنا على أن المتدين يجب أن يكون متجهم الوجه لا يضحك ولا يمرح، وأنه شخص لا يعتزل الحرام فحسب بل والحياة أحياناً؟ من برمجنا أن هناك أشخاصاً معينين يحتكرون الدين، ووحدهم من يفكون شفراته المعقدة؟

نحن - للأسف - متمسكون بحزم من البرمجات التي استنزفت كماً هائلاً من طاقاتنا وحياتنا، واغتالت عفويتها، وعطلت عقولنا، وأضاعت مفاتيح استقلاليتنا، ودمرت تقديرنا لذاتنا.

لا مانع أن يوعينا الناس وهم مؤمنون بحقنا برفض خطابهم ونصائحهم؛ لأنهم على علم ويقين كامل بأننا أشخاص مؤهلون وقادرون على اتخاذ القرارات وتحمل عواقبها، ولكن هناك من يحاول أن يبرمجنا عبر استخدام أسلوب الفرض والتخويف والقوة بشعارات ثورية أو حجج دينية يعتقد بنفسه أنها مقنعة ومفحمة وقاطعة، كما أنه لا يؤمن بحقك بالاختيار بل يجبرك ويفرض عليك ويحجب حقك الآدمي بالتشكيك والرفض، سواء كانت البرمجة دينية أو سياسية أو اجتماعية، وذلك يتنافى مع عبرة أن الله خلقنا بعقول تفكر دون العالمين، فهو من ذكر جل جلاله في كتابه الكريم {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ}، وغيرها من الآيات التي تحض على التأمل وتدعو للتفكر والتدبر.

نبض الضمير:

“الجهل المركب ما فيه خير حتى وإن كان يجنب صاحبه الخطر، الحقيقة غالية؛ ولهذا يفترض أن يُبنى وعي المسلم على الحقيقة لا أن يلقن معلومات ناقصة”.

- مالك نجر

Twitter:@lubnaalkhamis

ربيع الكلمة
شعب مبرمج !
لبنى الخميس

لبنى الخميس

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة