Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSaturday 17/08/2013 Issue 14933 14933 السبت 10 شوال 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

كتبنا مراراً في هذه الجريدة الغراء أن المجتمعات في ظل تنامي العولمة تتقاسمها مخاوف متشابهة ومتباينة، وتسعى جاهدة لإعمال كل طاقاتها القانونية والمؤسساتية لمعالجتها أو لاستباقها. فمن هجرة منظمة وسرية من دول الجنوب إلى دول الشمال،

وكل التداعيات الأمنية التي تطرحها في دول الاستقبال والأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي دعت إلى ذلك في دول الجنوب، إلى إرهاب عابر للقارات والحدود، مروراً بالصراعات والحروب التي تودي بحياة الآلاف من البشر في فلسطين المحتلة والعراق وأفغانستان والعراق، كلها عوامل غذت جذور اللا تفاهم والتنافر بين الشعوب والأمم وأضحت تنمي أغصان الكراهية والشنآن وتولد نظريات التشاؤم والمخاوف المتتالية.

لقد غدا العالم قرية صغيرة في ظل السلطات الجديدة للعولمة وأصبح للأفكار الرائجة مغزى وأبعاد وانعكاسات مباشرة على العديد من الأمم والقارات، فالرسوم الكاركاتورية الدانماركية المشوهة للرسول المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم والتي أثارت ردود فعل عنيفة من الدول الإسلامية والكلمات المغلوطة حول الإسلام التي عبر عنها البابا بونوا 16 في محاضرة ألقاها في جامعة راتسبون سنة 2006، كلها أحدثت في الدقائق التي تلت صدورها انعكاسات مباشرة في العديد من الأقطار والشعوب وغليانا شعبياً كبيراً لا يفتأ يكبر إذا لم تخمد المسببات في إبانها. هذا من جهة، ولكن الداهية العظمى هي تلكم الرواسب والتراكمات الخاطئة والأفكار المسبقة التي تقبع في أذهان الناس والتي لا تفتأ تنمو مع الأحداث التي تعج في الساحة الدولية.

فالأساليب الكاذبة لبعض مروجي مبدأ الحوار، يسعون غالباً إلى تبرير سياساتهم وإعطائها الغطاء الفكري الضال والمضل: فثقافة “التغيير” التي جرى الترويج لها في الندوات والملتقيات بالعواصم الغربية أو العربية في مطلع هذا القرن، تهدف قبل كل شيء إلى ترقية ثقافة الحوار والتغيير للمعارضين المتمردين إلى حلفاء خاضعين. ومن خلال أبعادها بعدم إدراج عنف “الدول” في مجال تدخلها، تبدو أداة الحوار الثقافي مخصصة للتنبؤ، بشكل خاص، بالعنف الموجه ضد الدول، وبالتالي إلى التصدي إلى المقاومات التي ليست بالضرورة غير شرعية لعدم مسايرة النظام السياسي الدولي. وإذا كان الفاعلون الرسميون يحبون القول “يحيا الحوار”، يبدو أن مرد ذلك عدم رغبتهم قول “يسقط الاحتلال”. وإذا كانوا يفضلون الخوض في “الثقافة”، فإنهم يفعلون ذلك حتى لا يقولون بشكل بذيء “بترول”، “حدود” أو غيرها من “المصالح.

ومن هنا يمكن أن ينطلق الحوار، ليس بين الحضارات والثقافات، ولكن بين ممثلي تلك الحضارات والثقافات، لأن الحضارات والثقافات كيانات معنوية لا تتحاور فيما بينها، فأصحابها انطلاقاً من الموروث الحضاري والثقافي عندهم هم الذين يتحاورون، وهم لوحدهم بإمكانهم رسم منهج للحوار لرفع كل غواشي التنافر والصراع الناجم عن اللاتفاهم والتعصب والانغلاق.

وانتهاج هذا النوع من الاستدلال العقلي المحكم هو الذي يعطي للحوار كمفهوم للتقريب والتسامح مع “الآخر” مدلولاً منهجياً محكم القواعد والأصول، فالتعقل ونقد الذات والإلمام بالموضوع الذي يجري الحوار حوله وتحديد إطاره العام لتحديد مساره ومعرفة كل محاور لصاحبه هي مرتكزات موضوعية يجب أن تتوافر في المحاورين قبل الدخول في الحوار، وهي الشروط التي تجعل ممارسته صائبة وخالية من كل ما يعوق بلوغ الهدف والإقناع بوجاهة الرأي المخالف واحترام أصحابه. إذ كيف يمكن أن يتفاهم فلسطيني وفرنسي مثلاً يدرسان معاً في جامعة أوروبية حول قضايا جوهرية تتعلق بالإسلام واليهودية وسبل التعايش فيما يبنهما انطلاقاً من الواقع الفلسطيني الإسرائيلي إذا لم يع الأستاذ الفرنسي حقيقة الاحتلال الإسرائيلي ومعاناة الإنسان الفلسطيني أكثر من نصف قرن من الزمان حيث شرد وطرد من أرضه وغصبت حقوقه ونكل بأهله.

ولا يمكن أن ننسى هنا تداعيات الخطابات السياسية الأوروبية والغربية الزائفة التي تجد في معاداة الإسلام والمسلمين تجارة رابحة ومخزوناً انتخابياً لا ينفذ؛ والكتابات الأخيرة للفيلسوف الألماني الكبير يورغن هابرماس تشير إلى أن العامل الانتخابي وضرورة حشد عدد أكبر من أصوات الناخبين من الأسباب التي تجعل الجسم المجتمعي الألماني مصاباً بداء الصور النمطية عن الإسلام والمسلمين، تتنمى فيه فكرة وجود الهوية والثقافة الوطنية في مأزق كبير، وهذه الهوية يوقد نارها بعض من الأحزاب والسياسيين كلما أكدت استطلاعات الرأي أنهم فقدوا مصداقيتهم تجاه منتخبيهم من قبيل ما وقع في تسعينات القرن الماضي عندما زحف آلاف المهاجرين من يوغسلافيا السابقة وطلبوا اللجوء السياسي في البلد، مما أثار الكثير من الجدل السياسي؛ ولكن خلافاً لما وقع في تلك الفترة، فإن السياسيين الألمان أضافوا خاصية جديدة في دفاعهم عن الهوية والمرجعية الوطنية، وهو كون ثقافة المجتمع الألماني ثقافة “يهودية - مسيحية”.

الكلام الذي نحذر منه يجد مثلاً ذروته في الاعتداء الذي هز النرويج من طرف شاب لا يتعدى عمره 32 سنة، سعى حسب زعمه “تطهير أوروبا من المسلمين بحلول 2083” بإشعال “حرب صليبية ضد المسلمين”؛ وقد نشر على الإنترنت قبل إقدامه على هذا الإجرام المدان، “مانفستو” أو ميثاقاً في 1500 صفحة كتبه على مدى ثلاث سنوات، يجمع بين دليل صناعة القنابل، وما يظنه عن الإسلام والتعدد الثقافي في أوروبا والعالم، وما يظنه عن سياسات أصحاب القرار في أوروبا، والاستشهادات التاريخية بالمسيحيين المتطرفين والسياسة الدعائية المغرضة؛ وتنبأ السفاح بريفيك بأنه سوف ينعت بأكبر وحش نازي منذ الحرب العالمية الثانية “وأنه قائد فرسان الحق”.

إرهابي النرويج حسب يقيني هو نتيجة الخطابات والسياسات الأوروبية السلبية في حق المهاجرين المسلمين منذ عقود، غذتها باستمرار وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، وجعلت المسلمين رهائن لحسابات سياسوية وأمنية خلطت بين الأخضر واليابس، بين الهجرة والإرهاب، وبين الإدماج والمخدرات والجريمة؛ وازداد هذا العداء الرسمي الذي يجد له مريدين في المجتمع مع خطر الهجمات الإرهابية بعد 11 سبتمبر 2011 الذي يكبر له كل من أراد أن يجمع أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات، وحملات حرق المصحف كما حدث بالولايات المتحدة الأمريكية، والتأييد الشعبي لمنع بناء المآذن كما حدث في سويسرا وحظر النقاب كما وقع في فرنسا.

إن الإرهاب رغم الضربات التي تلقاها في السنوات الأخيرة ما زال يثبت للعالم قدرته على التأقلم وحشد الأتباع الذين تلوثت قلوبهم وأفئدتهم، والمطلوب في هذه المرحلة تعاون دولي مستمر لإزالة المسببات وما تخت حشائش الإرهاب، وقد أعلن خادم الحرمين الشريفين في مبادرة حميدة وتاريخية وفي كلمة ألقاها نيابة عنه وزير الإعلام عبدالعزيز خوجة بمناسبة عيد الفطر، عن دعمه للمركز الدولي لمكافحة الإرهاب بمبلغ 100 مليون دولار من أجل إعادة تفعيله تحت مظلة الأمم المتحدة؛ ونوه خادم الحرمين الشريفين إلى أن المملكة قد تبرعت للمركز حين الدعوة لإنشائه بمبلغ 10 ملايين دولار إلا أنه شهد تراخياً في تفعيله الجاد، مناشداً كل الأمم الأخرى المشاركة في دعمه ومؤكداً أنه لن يرضى أي مخلص بأي تردد في دعم هذا المشروع العالمي. وكان خادم الحرمين قد دعا إلى إنشاء المركز في فبراير من عام 2005، خلال فعاليات المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي استضافته الرياض. والأمل أن تلحق بقية الدول الأعضاء في المنطقة الدولية بهذه الريادة وأن تؤدي أمانتها في إنجاح عمل هذه المؤسسة.

الإرهاب بين المخاوف المتشابهة وضرورة التعاون المشارك
د. عبد الحق عزوزي

د. عبد الحق عزوزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة