Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 25/08/2013 Issue 14941 14941 الأحد 18 شوال 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

ما سر احتفاء الغرب بالثورات العربية حتى وصفتها بـ(الربيع العربي)؟، رغم أنها لم تغادر خريفها السياسي، بل وقامت على أنظمة حليفة له. هل يعود ذلك إلى أن الغرب يرى في تلك الثورات انسجاماً مع قيم حضارته، بتحقيقها لتطلعات الجماهير العربية في إحلال الدولة الديمقراطية وإشاعة الحرية والحقوق الإنسانية؟، أم لأن الغرب لازال

يعيش هاجس الاستعمار القديم ولكن بأدوات حديثة وفق العصر الذي يعيش فيه، ويهدف إلى تقسيم العالم العربي وإعادة ترتيبه في إطار المشروع الصهيوني الغربي، الرامي إلى تحويل البلاد العربية إلى دويلات صغيرة جغرافياً ضعيفة عسكرياً هشة سياسياً بجوار دولة إسرائيل القوية والمتفوقة في كل شيء بحيث تستطيع الامتداد حتى تحقيق دولة إسرائيل الكبرى.

هذا الـتأرجح بين (النزعة الاستعمارية) للغرب و(الرغبة الحضارية) للعرب في النظرة المتأملة نحو الأحداث الملتهبة في الوطن العربي دفعت كثيرا من المثقفين والمفكرين والإعلاميين العرب إلى أن ينشغلوا في تحليل أسباب تلك الثورات ومحاولة ربطها بنتائجها، التي بدأت تظهر في أكثر من بلد، ولكن بالطبع من دون أزهار الحرية وربيع الديمقراطية، فالدم لازال سيد الموقف والدمار علامة الإنجاز في دول الثورات بشكل يتناقض مع دول خليجية وعربية تعيش استقراراً تاماً وحركة تنموية لدرجة أن إعلامها الفضائي ومواقع تواصلها الاجتماعي يناقشان أوضاع الثورات العربية أكثر ممن قام بها.

فهل نحن إزاء تقاسم (سايكس ـ بيكو) جديد في الوطن العربي أو منطقة الشرق الأوسط ككل؟ مع اختلاف في أدوات هذا التقاسم، بحيث لا تكون في نخب أو حركات أو أنظمة عميلة، إنما في الشعوب العربية ذاتها، من خلال استغلال تطلعاتها الطبيعية نحو الحياة الديمقراطية، وتزوير أحلامها بالحرية والكرامة وحقوق الإنسان، تحت مظلة رفض ظلم الأنظمة الحاكمة ورفع الفساد المستشري؟. فليس خافياً أن الغرب كان الداعم الرئيس لأنظمة مصر وتونس وليبيا، وكان يرى حجم الظلم والقمع والفساد الذي تعيشه، ولكنه بنفس الوقت كان يستثير تلك الشعوب ويجذبها نحو التمرد، فإذا جاءت اللحظة الفارقة لدى هذا الشعب أو ذلك كان الغرب حاضراً في تبرير وقوفه مع الثورة ضد النظام الذي كان حليفه بحجة أنه لا يستطيع منع الشعب من تقرير مصيره أو حرمانه من حرية اختياره.

لهذا فالتساؤل حول (سايكس - بيكو) جديد لم يكن نتيجة نفوس متشائمة أو عيون قلقة أو عقول مُضللة، بقدر ما هو استحضار لتصاريح مسؤولين وسياسيين غربيين تحدثوا قبل سنوات عن شرق أوسط جديد، كتصريح وزيرة الخارجية الأميركية - آنذاك - كونداليزا رايس عندما قالت: (سنصنع شرق أوسط جديد)، إلى جانب مناقشة مشاريع غربية كشفها مفكرون غربيون قريبون لدائرة صنع القرار الغربي عن تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، أمثال المفكر اليهودي برنارد لويس أو ريتشارد بيرل رئيس مجلس سياسات الدفاع ونشر الديمقراطية في عهد بوش، خصوصاً أن تلك التصاريح والمشاريع ظهرت ملامحها مع أول جندي أميركي يطأ الأرض العراقية في أبريل عام 2003م، تحت راية نشر القيم الأميركية! واليوم بعد عشر سنوات نجد ثلاث دول عربية كبرى تشتعل (العراق وسوريا ومصر)، فضلاً عن دول الثورات العربية الأخرى التي لم تنعم بالاستقرار أو حتى تلحظ في أفق المستقبل بوادره كتونس وليبيا.

وعليه لاحظ كيف تعامل الغرب مع تلك الدول العربية الكبرى (العراق، وسوريا، ومصر)؟ فلم يكن ذلك التعامل على صيغة واحدة أو بذات الأدوات، إنما تنوع وفق طبيعة النظام وظروف البلد وحال الشعب، فالعراق تعرض لعدوان غربي تم بدون قرار أممي، ثم دولة احتلال أنتجت هجين ديمقراطي تحول إلى نظام طائفي يدفع بشكل دموي نحو تقسيم العراق إلى ثلاث دول (كردية في الشمال، وعربية سنية في جزء من الوسط إلى الغرب، وعربية شيعية جزء من الوسط إلى الجنوب والشرق)، بما يحقق التواصل المذهبي مع إيران، التي تعد أحد أبرز اللاعبين في تمرير مشروع تقسيم العراق. في سوريا تبدو الصورة مختلفة فالغرب كان من أوائل من دعم الثورة السورية وأججها ولوح بتسليحها، خصوصاً أن الغرب لم يكن على وفاق مع نظام الأسد، ولكن بعد أن دخل الطرفان (النظام والثورة) في صراع دموي شديد مصحوب بتدمير متواصل للبلد، بدأ الدعم الغربي يقل حتى أعلن صراحة معارضته تسليح الثورة، للوصول إلى إنهاك تام ينتهي بقيام نظام هش وبلد ممزق عرضة للتقسيم وجيش محطم لا يطلق رصاصة، فضلاً عن واقع التباينات الفكرية وحقيقة التوجهات السياسية لدى فصائل الثورة وأحزاب المعارضة. أما مصر فلم تشتعل بطريقة الاحتلال والتقسيم أو الثورة والتدمير، إنما من خلال تجديد الصراع القديم بين الجيش باعتباره أقوى مؤسسات الدولة وبين التيار الإسلامي باعتباره أكبر التيارات السياسية وبينهما الشعب المصري، عبر اللعب بمسألة الشرعية، بحيث يقع التنازع الدموي على ثلاث شرعيات، الشرعية الثورية ، والشرعية الدستورية، والشرعية الشعبية. وهذا ما يحدث بالفعل الآن في مصر.

alkanaan555@gmail.com
تويتر @moh_alkanaan

سايكس ربيع ـ بيكو عربي !
محمد بن عيسى الكنعان

محمد بن عيسى الكنعان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة