Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناTuesday 27/08/2013 Issue 14943 14943 الثلاثاء 20 شوال 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

هناك في شوارع وممرات اسطنبول يتسول أطفال الشام «سوريا الأبية»- يشاركون إخوانهم صغار بلد الرافدين «أهل العراق» الذين سبقوهم إلى أرض عاصمة الدولة العثمانية «الإسلامية» سابقاً - ما تجود به أيدي المتصدقين والمعطين من الزائرين وأهل الدار الأتراك، يتكاثرون حول المساجد وفي الأسواق وعند الإشارات وفي تجمعات الناس وسط الأحياء والحارات، وما أن تمتلئ أيديهم الصغيرة بمجموعة قطع معدنية بسيطة أو حتى ورقية لا تسمن ولا تغني من جوع يركضون للحدائق القريبة والشواطئ المحيطة بالمدينة حيث تسكن العائلة متخذة جذع شجرة جدراً لها وأوراقها وأغصانها سقفا وغطاء، أو أنها ترقد في كشك صغير جوار البحر بلا فراش أو غطاء تتوسد الأخشاب وتلتحف السماء.

هذا هو التشريد بكل معانيه وبجميع دلالاته، وهذه هي الصورة الكاملة للغربة والتشرذم والعيش في دنيا الشتات، هذه هي سنوات التيه العربي المقيت أعاذنا الله وإياكم ووقانا وذرياتنا من هذا المصير وحفظ بلادنا من كل فتنة وفساد.

تساءلت حين تكرر هذا المشهد أمام ناظري الأيام الماضية، ترى كيف ينظر لي هؤلاء الصغار وأنا ابن جنسهم وعلى دينهم قدمت سائحاً ومعي بفضل الله من الله ونعمه عائلتي صغيرهم وكبيرهم إلى بلد هم يعيشون فيه بلا حياة، فهم إلى الفناء أقرب وربما يتمنون الموت ليرتاحوا من لظى الدنيا وصروف الزمان وتقلبات الدهر والغد المجهول؟.

تذكرت وأنا أشاهد هذا المشهد الحزين تلك الأنشودة التي قرضها الشاعر على لسان الطفل الفلسطيني المشرد، وكان لها وقع قوي علينا نحن الصغار عندما كنا في الصف الثالث الابتدائي، وما زلنا نحفظها حتى اليوم:

لماذا..

نحن يا أبتي..

لماذا، نحن أغراب !؟

أليس لنا، بهذا الكون

أصحاب وأحباب؟!

لماذا.. نحن في الخيمة

في الحر، وفي البرد؟!

ألا نرجع للبيت

وللحقل، وللزرع؟

لماذا نحن في الألم؟

في الجوع وفي السقم؟

لماذا..؟

لماذا نحن يا أبتي..

لماذا، نحن أغراب !؟

لم يظل الحال كما كان عليه من قبل عندما كنا ندرس هذه الأنشودة في مادة المحفوظات، طفل عربي واحد يبعث هذه الأسئلة ويطرحها أمام أبيه، بل صار الأطفال العرب في فلسطين والعراق وسوريا و... يطرحونها أمام أبناء أمتهم صباح مساء عبر وسائل الإعلام المختلفة وبأساليب متعددة وبصور مأساوية محزنة ومخجلة في ذات الوقت، ومع ذلك لم تكن الإجابة على ما كانوا يأملون وينتظرون، مع وجوب الاعتراف هنا بما تقوم به الحكومات والجمعيات العالمية والإسلامية من بذل للمساعدات وبناء للمخيمات وعلى رأس هذه الدول وتلك الجمعيات المملكة العربية السعودية.

بصدق أتساءل عن مستقبل أمة أطفالها (البنين والبنات) مشردون ويتوسلون المارة ويسألونهم بكل الحيل والأساليب لقمة عيشهم هم وأبويهم؟ والأطفال الآخرون الذين يتقلبون في النعيم يواجهون سيلاً من الغزو ووابلاً من التحديات والإشكاليات المجتمعية والدولية والله أعلم بحالهم في بنائهم وتكوينهم الفكري والتربوي؟!، عموما نحن أمام مصير صعب لأمة لها العزة والخيرية متى ما توفرت فيها شروط الاستخلاف الرباني وتحققت لديها متطلبات القوة بدلالاتها العامة والشاملة، ولذلك من الواجب تبني برامج عالمية تنطلق من أرض المملكة العربية السعودية همها الأساس رعاية أطفال العرب واحتضانهم وتربيتهم وتعليمهم ومعالجة المريض منهم وسيكون أطفال اليوم مدينين للفضل بعد الله لولاة أمور هذه البلاد وقادتها ورجال أعمالها وأطبائها ومعلميها والدعاة فيها، ولتكن برامجنا التطوعية ذات رؤية عالمية وبطريقة علمية مدروسة وواعية لظروف المرحلة ولها صبغة نظامية صحيحة لا تتعارض والقوانين الدولية والأعراف العالمية ولا يمكن أن تكون مدخلاً لوصمنا بالتطرف وإدراجنا ضمن قائمة الجمعيات والشخصيات الإرهابية، عذراً لكم أطفالنا الأعزاء وإلى لقاء والسلام.

الحبر الأخضر
‏الطفل السوري في دنيا الشتات
د.عثمان بن صالح العامر

د.عثمان بن صالح  العامر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة