Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 29/08/2013 Issue 14945 14945 الخميس 22 شوال 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

في خضم المرحلة الانتقالية الحالية في بعض دول الربيع العربي يتوجس بعض من عودة الحكم مجدداً إلى سلطة العسكر، ومن عودة نظام شعارات محاربة الاستعمار، والارتماء في أحضان روسيا، وعودة إرهاب الدولة، واضطهاد المعارضين لسياساتها الأمنية، ولا شك أن عودة العسكرتاريا في ثوبها القديم قد ينذر بتحول خطير، واحتمال عودة لأطوار وطفرات الجنون السياسي الذي كان دائما ما ترتبط بحكم العسكر في دول العالم العربي.

في 1969 قاد العقيد معمر القذافي انقلاباً عسكرياً ضد الحكم الملكي في ليبيا، والذي كان أحد صور الاستقرار السياسي في البلاد العربية، وبعد عقد من الزمان تحولت ليبيا إلى بلد تحكمه أهواء الزعيم الشخصية ورغباته، والتي وصلت إلى درجه غير مسبوقة بعدما أصابته لوثة العظمة في أواخر حياته، وإلى حد إعلانه ملك ملوك أفريقيا في مفارقة عجيبة، وقد كان أثناء فترة حكمه مصدراً للقلق السياسي في العالم العربي، وكانت حباكة المكائد السياسية ضد جيرانه العرب إحدى هواياته، وكانت نهايته أشبه بأفلام الرعب، بعد أن تخلص منه الشعب الليببي بيديه، وبينما ليبيا الآن تتأهب للدخول في مرحلة الديموقراطية والمدنية والسلم الأهلي تدب مشاعر الخوف والقلق في الشعب في أن يخرج مجنون آخر على دبابته من الأبواب الخلفية للنظام.

وقبل ذلك قاد جمال عبدالناصر انقلاباً عسكرياً على الحكم الملكي شبه الدستوري الذي كان يقدم في ذلك الزمن مثالاً آخر في الاستقرار السياسي، لكن جنون العسكر أصاب مصر في مقتل، وأعاده عقودا إلى الخلف لتبدأ مسرحية سياسية تطالب بطرد الاستعمار من العالم العربي، أسلحتها الخطابات الرنانة، ومفكروها مذيعو البرامج الحماسية، والذين ساهموا في تلوث العقول العربية، إلى درجة التصديق بأن عبدالناصر وجيشه سيتصديان لإسرائيل، وسيكون مآل العدو الصهيوني الغرق في مياه البحر، بعد أن يُطهر الأرض العربية من دنس المحتلين، وفي يوم النزال كانت النكسة المخجلة، وكانت الصحوة المتأخرة من سكرة حكم البكباشي.

في العراق توالى حكم العسكر بعد ثورة تموز على الحكم الملكي المتطور في انقلابات متوالية، ومشاهد إعدامات للرؤساء السابقين، إلى أن وصل الحكم إلى القائد المهيب الركن صدام حسين، لتبدأ طفرة جديدة في الحكم العسكري، وطور مختلف من الجنون السياسي، بعد توهم ذات يوم أنه قائد الأمة العربية الذي لا يٍقهر، وبعد سلسلة من الانقلابات السياسية مع جيرانه في كل اتجاه، كان من نتائجها حروب إقليمية مدمرة، خلفت مئات الآلاف من القتلى، لم يجد المجتمع الدولي حلاً لجنونه الستاليني إلا التخلص منه في حربين عالميتين شاركت فيها الدول الكبرى، وقدمت لها التسهيلات لإعلان خلاص العراق من حكم العسكر، ولتبدأ مرحلة جديدة من الصراع الطائفي، كان أهم أسبابها الكبت والاستبداد العسكري بالسلطة..

كانت سورية تعيش تجربة برلمانية فريدة قبل إعلان وحدتها مع مصر في 1958، لكن موجة حكم العسكرتاريا وصلت إلى سوريا، وأدت إلى انتقال الجنون السياسي إليها، وقد كان من تبعاتها مراحل متعاقبة من حكم رجال الجيش انتهى بها المطاف إلى وصول اللواء حافظ الأسد إلى الحكم في عام 1970، وإلى بدء حكم عسكري آخر، ولكن بنكهة طائفية، وبعد عقدين من الزمان ظهرت عليها آثار طفرات من الجنون السياسي، ليحكم شعبه بالحديد والنار، كانت آخر طفراته توريث ابنه في ظل حكم عسكري، كان من نتائجها ما يحدث الآن من اقتتال في الشوارع بين الجيش والشعب السوري الذي لا زال يبحث عن خلاصه وحريته في عالم اغتالته قبضة حكم العسكرتاريا واستبدادهم لعقود.

سيرة التاريخ الدموي في بعض الدول التي حكمها العسكر بالساطور والمقصلة، لم تجف بعد حبرحروفها، وقد يبرر ذلك الخشية من عودتهم، ولا ريب فقد كانوا بإجماع مصدراً للقلق والتهديد في مختلف بلدان العالم العربي، وقد عانت منها دول مستقرة سياسياً بسبب جنون العظمة الذي عادة ما يصيب عقول الحكام العسكر، ثم ينتج عنها كوارث بحجم حروب الخليج، وغزو لبنان، وبمؤامرات اغتيالات سياسية أشبه بأفلام الخيال في السينما الحديثة.

بين الكلمات
أطوار الجنون في حكم العسكر
عبدالعزيز السماري

عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة