Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 29/08/2013 Issue 14945 14945 الخميس 22 شوال 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الثقافية

يعجب المرء بكثير من المزارات الشاهقة الارتفاع، المرصّعة بالفنون والأحجار الكريمة أو النادرة، وخاصة إذا كانت فنونها أو طريقة بنائها غير ممكنة في العصور التي تلت عصرها؛ فتصبح فريدة في زمانها. ولهذا أصبحت تلك المواقع محط اهتمام الزوار والسياح في كل بلد توجد فيه، بل إنها في كثير من الأحيان تكون مقصداً للزيارة بنفسها. فمن الذي يزور مصر، ولا يذهب إلى الأهرام أو معابد الأقصر أو كليهما؟ أو يزور نيويورك ولا يقصد تمثال الحرية؟ أو يزور باريس ولا يتأمل برج إيفل؟ أو يزور استانبول ولا يدخل آيا صوفيا؟ أو يزور منطقة جايبور في الهند ولا يقف عند قصر تاج محل؟ أو قصور الحمراء في غرناطة ومسجد قرطبة في الأندلس وغيرها كثير!

تلك هي الجوانب المضيئة في هذه المنارات الثقافية والمعمارية، التي صمدت طويلاً في العالم، وأعطت تميزاً للبلد، أو المنطقة، أو المدينة التي توجد فيها. لكن لنلتفت قليلاً إلى الجوانب الأخرى في القضية؛ هل عرفنا كم من عمال السخرة مات عجزاً، أو قُتل صبراً أثناء سحب الصخور العملاقة وتقطيعها وبنائها لإكمال معجزات الآلهة الفرعونية ومدافن عائلاتهم في وادي الملوك، أو أرض الجيزة، التي يقف البشر فيها الآن مشدوهين من روعة البناء، وعظمة الإنجاز؟ هل عرف السياح الذين يتقاطرون الآن على آيا صوفيا أن السلطان، الذي أمر بتحويل الكنيسة إلى مسجد قد ندم على فعلته، ومثله الحاكم الإسباني، الذي أمر بتحويل مسجد قرطبة إلى كاتدرائية، بعد أن رأيا التشويه الذي حلَّ بكل من هذين المعلمين؟

واسمحوا لي أن أذكر لكم مثالين على الجانب الآخر من القضية، فأحدهما: مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء، الذي يبهر من رآه جمالاً ومعماراً وفناً وبريقاً وإضاءة؛ بل يتوسط المياه على المحيط الأطلسي، ليعطي بعداً آخر (إيجابياً في نظري، بالإيحاء بعالمية رسالة الإسلام، فالأطلسي هو الرابط بين قارات العالم القديم والجديد). فمن زار منكم هذا المعلم، ثم خرج ورأى أحوال الناس من حوله، والعوز الذي يعيشون فيه؛ يقول: إن تلك الرسالة التي تمنيتها لن تتحقق. فتحقيق الكفاف للبشر أولى من إمتاع أنظارهم بما يبهر.

أما المثال الثاني، فهو كاتدرائية جواياكيل في الإكوادور، التي بهرتني بعظمة بنائها، واحتوائها فنوناً قل وجودها فيما عدا في سان بطرسبورج أو في الفاتيكان. ومن أين جرى تمويل هذه الكاتدرائية الفارهة؟ إنه بالطبع من جيوب الكاثوليك الفقراء، الذين يدفعون ضرائب عالية من دخلهم لأجل تمويل هذه المعابد ومن يعمل فيها. لكن من يعمل فيها لا يرعوون؛ ينفقون المزيد من الأموال على أنفسهم وعلى المباني وتزيينها. لا بأس! هي آية معمارية في الجمال؛ لكن ماذا عن البشر؟

خرجت منها، وجلست في مطعم مطل بجدران زجاجية على ساحة جميلة، ومزوَّدة بما تتطلبه من رصف وإنارة وحاويات للنفايات وغيرها من المسلتزمات. يأتي أحد المعوزين؛ فيأخذ الكيس البلاستيكي الموضوع في حاوية النفايات، لأنه يراه مغنماً، ثم يأتي آخر، ليقلّب في الزبالة، التي أفرغها الأول من كيس الحاوية، لعله يجد شيئاً يأكله. كل ذلك على بعد أمتار من ذلك البذخ العمراني المهيب من أجل رضا الرب. هل تجوز سرقة قوت الشعوب من إجل بناء مثل هذا الصرح بغرض ديني وثقافي، أو حتى لأغراض آنية دنيوية مثل إبهار السياح وجذب مزيد من الأموال تذهب إلى جيوب الأثرياء؟ أجوبة هذه الأسئلة من النوع الذي يحتاج إلى تأسيس، ثم قراءة بالمقلوب من أجل التفكر.. دامت عقولكم!

الرياض

رؤية
آمّين سائحين .. إلى ربنا طائعين!
أ. د. فالح العجمي

أ. د. فالح العجمي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة