Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 06/09/2013 Issue 14953 14953 الجمعة 30 شوال 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

تطوّر الشعر عبر التاريخ ، وتنوّعت صيغه لكنه سيظل وسيلة للتعبير عما يجول في خاطر الفرد، كما يعكس المستوى الاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات عبر التاريخ. ولعل العرب من أشهر الأمم ـ إنْ لم تكن أشهرها ـ في استخدام الشعر كوسيلة إعلامية في الحرب والسِّلم، وكذلك لرفع المطالب، وردع المظالم، وهي تمثل صورة المجتمع بما تعنيه تلك الكلمة، كما أنه يمثل مشاعر الشاعر وحياته الخاصة والعامة، والشعر تطوّر عبر التاريخ، ولم يتوقف عند بحور الخليل، فقد تجاوز ذلك إلى الموشّحات والشعر الحر، والشعر المنثور، وغيره مما يسمّونه شعراً.

وقد أورد مؤلِّف كتاب الأدب الأندلسي، أنّ الموشّحات قصائد شعرية موضوعة للغناء، وهي لون جديد من الشعر يخرج بأوزانه عن أساليب العرب في النّظم، ولئن اعتمد أحياناً بعض الأوزان القديمة فإنه يبدل فيها ما استطاع التبديل، وينوّع في تفاعيلها ما استطاع التنويع، وذلك أنّ الوشاح الأندلسي كان كثيراً ما يضع اللحن أولاً ثم ينظّم له ما يطابقه من الكلام، وقد يعمد أحياناً إلى إدخال ألفاظ لا معنى لها ليستقيم اللحن. قال ابن سناء الملك في كتابه (دار الطراز): “والموشّحات تنقسم قسمين: الأول ما جاء على أوزان أشعار العرب، والثاني ما لا وزن له فيها ولا إلمام له بها. والذي على أوزان الأشعار ينقسم قسمين: أحدهما ما لا يتخلل أقفاله وأبياته كلمة تخرج به تلك الفقرة التي جاءت فيها تلك الكلمة عن الوزن الشعري، وما كان من الموشّحات على هذا النّسج فهو المرذول المخذول. والقسم الثاني من الموشّحات هو ما لا مدخل لشيء منه في شيء من أوزان العرب، وهذا القسم منها هو الكثير والجم الغفير، والعدد الذي لا ينحصر، والشارد الذي لا ينضبط”.

والموشّحات تتألّف من أقفال وتدعى (أسماطاً)، ومن أبيات تتفرّع إلى أغصان وهي الأجزاء والفقرات. أما الأقفال فهي أبيات من الشعر كثيراً ما تفتتح بها الموشّحات وتكرر قبل كل بيت، وتسمّى لذلك (لازمة)، والأقفال في الموشّحة الواحدة على وزن واحد وقافية واحدة، لا يجوز فيها التغيير. ويسمّى القفل الأخير من الموشّح “خرجة” وقد استحسنوا أن تكون ملحونة الألفاظ، عذبة المجرى، ينتقل إليها الشاعر عن طريق “قال” أو “قلت” أو “غنى” أو ما إلى ذلك، على لسان الطير أو الحب أو الفرح. وأما الأبيات فهي الأدوار ويجوز تغيير الرؤى فيها. ويسمّى الموشّح تاماً إذا ابتدأ بقفل وانتهى بقفل وتردّد فيه القفل ست مرات، ويسمّى أقرع إذا ابتدأ بالبيت دون القفل. أما الخرجة فهي:

قد نما حبي بقلبي وزكا

لا تخل في الحب أنى مدع

ويذهب عدد كثير من الباحثين إلى أنّ أول من وضع أوزان الموشّحات في الأندلس، واخترع طريقتها في نهاية القرن الثالث للهجرة، هو محمد بن حمود القبري الضرير، من مدينة قبرة، وذهب ابن خلدون إلى أنّ واضع فن الموشّحات هو مقدم بن معافى القبري، وعنه أخذ ابن عبد ربه صاحب العقد. ثم ظهر عبادة القزاز فبرع في هذا الفن حتى قيل: “كل الوشّاحين عيال على عبادة القزاز”. وهكذا كان القرن الرابع الهجري عهد ازدهار الموشّح الكامل.

والموشّحات انتشرت في الأندلس ومنها انتقلت إلى بلاد المغرب ثم إلى المشرق، وقد خرجت شيئاً فشيئاً من أفق المغنيين وأهل اللهو والطّرب إلى آفاق رجال العلم وشيوخ الأدب، ثم استفاضت بين الناس، وانحدرت إلى العامية وإذا هي “أزجال” قال ابن خلدون: “ولما شاع فن التوشيح في أهل الأندلس، وأخذ به الجمهور لسلاسته، وتنميق كلامه، وترصيع أجزائه، نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله، ونظموا في طريقته بلغتهم الحضرية، من غير أن يلتزموا فيها إعراباً، واستحدثوا فناً سموه “الزجل” والتزموا النّظم فيه على مناحيهم إلى هذا العهد، فجاءوا فيه بالغرائب، واتسع فيه للبلاغة مجال بحسب لغتهم المستعجمة.”

قال جميل سلطان في كتابه (الموشّحات): “لابد من الإقرار بأنّ الموشّح ثمرة من ثمرات الفكر الشاعر، والعاطفة المتوقّدة، وصورة من صور الأدب ومظهر من مظاهر الحياة الاجتماعية، ومن الجور على أنفسنا وعلى الأدب أن نقرر أنّ الشعر ارتقى صعداً، أو انحدر صبباً، فكان الموشّح. إنه فن من فنون الشعر، لم يحاول أن يقهر القصيدة العربية فيفنيها لتبقى له مظاهر الإبداع، ولا حاولت القصيدة أن تفنيه لتظل خالدة وحدها. لقد سارت القصيدة العربية بأوزانها وأغراضها إلى يوم الناس هذا، على ما يعرف عنها، ولكن نبت على جذعها فرع تعهده، وطعم بما طعم، فكانت له ثمرة غير الأصل، فيها لذة ومتعة، ولها من الأم الغذاء والمستند، ولكنها غير الثمرة الأصيلة على كل حال، طعماً وشكلاً ولوناً.

ومهما يكن من أمر فالموشّحات ثمرة الترف والتنميق والغناء، ولا عجب بعد ذلك أن يشيع فيها الوصف على مختلف أنواعه، فقد كانت ميداناً رحباً للانطلاق في أجواء الجمال، للانطلاق في عالم المرأة والمتع الحسية والطبيعة، والجمال في الأندلس مبسوط في كل مكان، زد على ذلك كله أن لغة الموشّحات هي مزيج من سهولة ولين، ووشى وتزيين، وحسن جرس، وروعة إيقاع، هي لغة الحب والفرح والزهر والطيب، هي لغة الموسيقى، على ما يعتورها من ركاكة أحياناً كثيرة.

وهكذا كانت الموشّحات شعراً موسيقياً تصويرياً يخلو من العمق التفكيري وعمق التحليل، ويحفل بالتشخيص والتمثيل والتشبيه.

نوازع
من تاريخ الموشّحات
د.محمد بن عبد الرحمن البشر

د.محمد بن عبد الرحمن البشر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة