Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 06/09/2013 Issue 14953 14953 الجمعة 30 شوال 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

العلم نوعان : ظاهر أثره، وخفي يستنبط بدلائله، ولما كان الإنسان الذي خلقه الله من الطين، وتعاقب نسله من ماء مهين، هو سر الأسرار، وعجيبة من أبدع خلق الله سبحانه: كمالاً وتقديراً وإحكاماً وإبداعاً،

ومهما تطور العلم البشري، فإن ما وصل إلينا من اكتشافات في جسم الإنسان، وإعجاز استظهره هذا الجسم، فإن هذا قليل من كثير، لم يبرز للعيان عما في هذا الجسم من أمور هي من قدرة الله العالم بكل شيء مهما دقّ وخفي.

وإنّ التمعن وتدقيق الحواس في محاولة لكشف ما في الجسم البشري، لمما يزيد المسلم إيماناً بخالقه، وتوثيقاً بدلالة وعمق مفهوم الآية الكريمة: الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (سورة الأعلى 2-3).

والأطباء فيما يمر بهم من أكثر الناس إدراكاً لما في هذا الجسم البشري من عجائب وغرائب، إذ في كل حين وحين يكتشفون جديداً، فكلما تعجبنا من مبتكرات الإنسان، في عالم الصناعة والاختراع، فإننا ندرك ناحيتين: الأولى: أن قاعدة اختراعات وابتكار الأسس العلمية في المجتمع مستمد أكثرها أو أغلبها مما أودعه الله في الإنسان. الثانية: الإيمان بالخالق الموجد لما في الإنسان من أسرار عميقة يجب أن تربط المخلوق بالخالق وقدرته سبحانه.

ولذا فإن الملاحدة الذين لا يؤمنون بوجود إله ويرجعون الأمور للماديات، لا يوجد بينهم طبيب غاص في خفايا الجسم البشري، وقد أخبر الله عن اليهود والنصارى، ومشركي العرب في آيات كثيرة من القرآن الكريم بأنهم يؤمنون بوجود الله سبحانه، لكنهم يشركون معه غيره، مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى (سورة الزمر 3)، والله سبحانه غني عن الشرك، لا يقبل إلا ما كان خالصا له وحده (من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري، تركته وشركه) “حديث قدسي”.

فقد خلق آدم بيده، وكلأ ذريته بعنايته وفضلهم على كثير مما خلق تفضيلا، وهذه المكانة تستوجب إدراك هذا التشريف، في تمعن دقيق لأداء الحق بالشكر: عبادة بدنية، وعملاً جسمياً، وعقيدة وجدانية، ففي الحديث القدسي: “ابن آدم خلقتك لأجلي فلا تلعب، وخلقت كل شيء لأجلك فلا تتعب”.

والماديون أدركوا بالمقارنة البارزة: علمياً وتطبيقاً الفارق الكبير، بما هو محسوس بين الإنسان، في أي عضو من أعضائه، وبين ما يجدونه أمامهم على وجه الأرض من كائنات مهما كانت، بأن كل موجود لابد له من موجد وكل مخلوق لابد له من خالق، لأن نظريتهم السابقة كل شيء يوجد نفسه فشلت لكنهم حجبهم الجمود وبعدهم عن تحكيم العقل عن دين الله الحق، وربط ذلك بقدرة الله وإرادته ذلك الهاجس الذي ينبعث من دلالة قول الله سبحانه: لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ (سورة الأعراف 179).

إذ تبرز العجائب والغرائب في خلق الله، بما يظهر أمام الإنسان في كل شيء يمر عليه، كما قال الشاعر:

وفي كل شيء له آية

تدل على أنه الواحد

ولنأخذ المفاصل التي تغطي الجسم، مرونة في الحركة، وتصرفاً بديعاً في استقامة الجسم، وسلاسة في حركة أجزائه، حيث نجد بعض الأجسام، وخاصة عند الرياضيين، تتثنى كما تتثنى المادة المطاطية، وكم سمعنا ورأينا عن أفراد يأتون بحركات لا يصدقها إلا من شاهدها عن كثب “ويسمونها البهلوانية”، فالرأس مثلا ينثني من الخلف، حتى يصل الركبتين، أو قد يدخل بين الساقين، وغير ذلك من أمور، تمت بالتدريب ويطلقون عليها الرياضة المرنة.

وما ذلك إلا من سر أودعه الله في المفاصل والغضاريف التي تفوق في قدرتها على التكيف والدربة، قدرات الإنسان الصناعية في المرونة والصلابة والديمومة على العمل، وليونة الحركة، بأي عمل من صنع البشر، وهي تعمل في جسم الإنسان والحيوان، وجميع مخلوقات الله بتقدير العزيز العليم، إنها المفاصل والغضاريف التي تعطي الجسم سهولة في الحركة.

فما هي هذه المفاصل والغضاريف التي تعطي سهولة في الحركة ويستعملها الإنسان في جسمه دون أن يحس بها، أو يعرف كنهها.

تعريف المفاصل علمياً: بأنها عبارة عن تركيبات، يتم بها ترابط عظام الهيكل العظمي بعضها ببعض، ويوجد في جسم الإنسان ثلاثة أنواع من المفاصل مختلفة، وكثير من الناس يجهلونها، مع أنها جزء من أجسامهم ولها أعمال مهمة في الجسم، وهي ثلاثة أنواع:

الأول: المفاصل الليفية، وهذه توجد بين العظام المسطحة في الجمجمة، إذ إن هذه العظام ترتبط بعضها ببعض بواسطة أنسجة ليفية، وليس هناك حركة ما فيما بينها، لكنها مهمة في استقامة الظهر مثلاً.

الثاني: المفاصل الغضروفية: وتوجد بين الفقرات، حيث يمكن أن تحدث حركة بسيطة، وبواسطتها تستطيع العظام أن تتثنى، أو تدور على طبقة الغضروف الليفي، التي توجد بين عظمتين.

الثالث: المفاصل التشحيمية أو التزييتية، لأن الله سبحانه خلق فيها مادة لزجة ملازمة لها تعطيها المرونة حتى لا تتآكل العظام، بالاحتكاك، كما يعطي الشحم والزيت المرونة وعدم التآكل كما في المواد الحديدية كثيرة الحركة، كالسيارات وسائر المحركات، ويسمونها علمياً “المفاصل السينوفية”.

وهذه التسميات من اصطلاح المختصين، ولا مشاحة في الاصطلاح، ومنذ أن خلق الله آدم فقد علمه الأسماء كلها، ولم يعرفها الملائكة، ذلك بأن التسمية فيها دلالة على العمل والوظيفة التي تؤدى، وهذه يتكون منها معظم مفاصل الجسم كما في العمود الفقري في الظهر الذي عليه مدار الحركة، وقد اشتق هذا الاسم العلمي، من الغشاء “السينوفيّ التشحيمي أو التزييتي”، الذي يحيط بالمفاصل، ويؤدي إلى تشحيمها لتحصل المرونة في الحركة وسهولة الانثناء والوقاية بقدرة الله سبحانه عن تآكل عظم في عظم، وهذا من حماية الله للإنسان من حيث لا يدري، وهو كعود الشجرة واقفاً، لمّا تحقق هذا الجمال في الجسم.

وجعل الله في هذه المفاصل قدرة عظيمة على التمتع بالحركة الواسعة، والتحمل وطول العمر حيث تعيش مع الإنسان طوال حياته، مثل المفصل المكون من الكرة والحُق، الذي يراه الإنسان في بعض الصناعات الدقيقة، كمصباح القراءة مثلا، وما فيه من مرونة في التوجيه.

وعند تشريح عدد من المفاصل “السينوفية” التي توجد في اليدين والرجلين أكثر، وتربط بين عظامهما الكثيرة الصغيرة الألياف فإن المتعمق يجد عدداً من السمات الرئيسة، المشتركة فيها جميعا، والإحكام والترابط بين العظام الصغيرة التي تعطي الإنسان قدرة على المشي والركض.

وعلى سبيل المثال، فكل المفاصل “السينوفية” لها غطاء ارتفاقي، ويتكون أربطة الكبسولة، ومن غشاء “سينوفي” وتلتصق بنهايات العظام، مكونة المفصل، وطبقات الغضروف الارتفاقي، وهو الغضروف المتعلق بالمفصل، ولدقة هذه الأشياء وأهميتها فقد اضطر المختصون لإعطائها مسميات، تعرف بها وعند غيرهم، لا تدرك بدقائقها، ولكن يمكن تقريبها للذهن، في تشريح واحد من الحيوانات وتسمية الأعصاب والغضاريف والمفاصل فيه، وما يربطها من مواد لزجة تلصق بالعظام كناحية توضيحية، لتقريب شيء بشيء من أجل المهتمين.

فسبحان القائل: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (سورة الذاريات 21)، إذ جعل سبحانه في جسم الإنسان، أموراً تفوق التصور من حيث التنظيم والدقة، ومن الإحكام والصلابة، ومن المتانة والقدرة على العمل، يبين مثل هذا عندما نتأمل في رسم توضيحي تبرز فيه الأربطة الليفية، في قدم إنسان أو يده أو ظهره، وكيفية تماسكها في أطرافها مع العظام الصغيرة، وأثرها في الحركة والمرونة وفي الحركة، مع المرونة في توجيه المفاصل وشدها وجذبها، فلا هي مرتخية ولا متصلبة، ولا هي طويلة ولا قصيرة، حيث تظهر القدرة الإلهية في إحكام الصنع، هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ (سورة لقمان 11)، يبرز أمام الإنسان دور الأربطة الدقيقة، المحكمة في حفظ التوازن، وعناية التوجيه بواسطة المخ، الذي يعتبر مثل غرفة العمليات لإدارة دفة الأمور، في عملية سريعة وثابتة للعمل المطلوب، دون احساس وبسرعة متناهية، دون تأثير أو تداخل في الحركات، فسبحان من حفظنا في أجسامنا، وهيأ لنا ما تستقيم به حياتنا، بأمور منتظمة ونحن عنها غافلون.

نعمة منه تستحق التمعن، والمقابلة بالشكر وتقوية الإيمان به فهو القائل: لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ (سورة إبراهيم 7).

والأربطة المحكمة الدقيقة في الإنسان هي موجودة في كثير من الكائنات التي خلقها الله لكنها في الإنسان أدق وأكثر مرونة، وأقدر على المقاومة، وقد جعل الله لها خاصية في تماسك العظام، التي تشكل المفصل، لتكون بمثابة الموصل، بين جزأين حتى لا ينفصلا. انظر مثلا التدريبات العسكرية العنيفة وكيف تتم.

ولا أحد منا معاشر البشر، يستطيع أن يحصي عدد الحركات التي تؤديها المفاصل في جسمه يومياً، فضلاً عن دورها في عُمر الإنسان، ومع ذلك فهي من اقل ما في الجسم أثراً ومرضاً، ولو تأمل الإنسان في المفصلات في كل ما حوله من مصنوعات بشرية، حقائب وأبواب وشبابيك وغيرها، لوجد عمرها محدوداً، يقصر كلما زاد الاستعمال.

أما الغضروف في مفاصل الإنسان فقد أودع الله فيه سراً من أسرار قدرة الله في الجسم البشري العجيبة الغريبة، والتي هي فضل من الله ونعمة توجب الثناء الحسن، ذلك أن الغضروف ينمو أسرع من العظام، فإذا بلي من الاستعمال فإنه يصلح بقدرة الله، بسرعة أكبر ممن إذا كانت نهايات العظام، العارية من أي حماية، هي التي تكوّن سطح المفصل.

فسبحانك يا ربّ ما أعظم نعمك علينا، فهي لا تحصى ولا تعدّ، وهذا ما يجب أن يزداد به المرء إيماناً، واعترافاً بنعم الله عليه وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (سورة الضحى 11).

mshuwaier@hotmail.com

العلم يدعو للإيمان: المفاصل والغضاريف
د.محمد بن سعد الشويعر

د.محمد  بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة