Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناWednesday 11/09/2013 Issue 14958 14958 الاربعاء 05 ذو القعدة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

بداية سبتمبر 2013 جامعة الملك سعود

بالانتقال من مركز الدراسات الجامعية للبنات بعليشة إلى المبنى الجامعي الجديد المجاور للجامعة الأم بالدرعية تقاطع طريق الملك عبدالله مع شارع الأمير تركي الأول،

أكون قد أطعمت زهرة عمري لوطني طائعة مختارة بزهو وصبر على مدى ما يزيد على ثلاثة عقود تتواصل بإذن الله. وأكون قد تشاركت مع باقة من نساء ورجال وطني في تأسيس أقسام الكليات المختلفة لجامعة الملك سعود من السنوات الأولى لتأسيس مركز الدراسات الجامعية للبنات. كما أكون قد شاركت وأشارك ببسالة النساء في صنع بطولات الوطن اليومية التي تكتبها الأجيال المتعلمة لمجتمعاتها جيلا بعد جيل. ونكون معا وهذا الأهم ندخل مع تلك الأعداد الغفيرة من الزميلات والزملاء والطالبات والطلاب في “معاهدة جديدة مع الأمل” لنكسب رهان العمل الأكاديمي تدريسا وبحثا في مرثون التفوق على الذات معرفيا ووطنيا.

بين عليشة والدرعية عيش وملح وجرح

أدير ظهري لغرب الرياض وأستقبل المقر الجديد للجامعة تحفني بكثير من الشجن والشغف أخيلة النخيل لمنطقة عليشة منذ اليوم الأول الذي دخلت فيه بيدر العمل الأكاديمي معيدة صغيرة تخرجت للتو لتجد نفسها (بعد المقابلة مع المشرف على المركز حينها د. منصور الحازمي)، تغوص في تدريس الإحصاء الاجتماعي، ومجتمع عربي سعودي، والفكر الاجتماعي عند العرب، ومصطلحات اجتماعية باللغة الإنجليزية مع فريق من الصبايا الصغيرات الصاخبات مثلها وقتها، عزيزة النعيم، نورة العيدان، نوال آل لشيخ، مها العيدان، سلوى الخطيب، خيرية كاظم، موضي العمير، أديبة الشماس، لطيفة العبداللطيف، هيا المسلم، منيرة النهض والجوهرة سعود إلى أن اتسعت دائرة الضوء فصارت عصية على التسميات.

ومع أنني عشت أكثر من نصف سنواتي في كمين سكن الجامعة بالدرعية وأعرف رائحة ترابها كما تعرف الفرس رائحة المطر أو كما يعرف الرضيع رائحة أمه فإنني حين تركنا عليشة خلفنا شعرت بنوع من وحشة المجهول في المباني الأسمنتية المتطاولة، مثلما ندخل مدينة جديدة أو مرحلة جديدة من العمر. والغريب أن بعض الزميلات حين أفضيت لهن وجدت أن منهن من يشاركنني نفس شعور الانقسام بين وحشة المجهول وبين نشوة الجديد في التحول من عليشة إلى الدرعية، مثل أروى الرشيد وأسما البنيان وسناء العتيبي ومها العيدان وهدى حجازي وأمل عبدالرحيم وأحلام عطا.

ولريثما نكتب بعملنا في الموقع الجديد سطورا جديدة على صفحة المستقبل وجدت في نفسي إرادة جامحة تلح على مفاتيحي لتجسير الطريق بين عليشة والدرعية بخبايا الذاكرة وأسرارها لتلك المرحلة التي عاشتها عدة أجيال أكاديمية وطلابية بعليشة بما فيها من تحدياته ونجاحاته أو انكسارات. وهي في النهاية وإن كانت كتابة عن تجربة ذاتية في مشوار العمل الأكاديمي والبحثي فهي تعبير عن تيار اجتماعي عريض وسيرة لمسيرة وطن لأكثر من جيل.

نهاية عام 1979م

هبطت طائرة (بان أمريكان) على أرض الوطن ومن “شُباكها” الصغير كان الشوق والأمل يسبقان دقات قلبي لتقبيل التراب الذي اتخذته خليلي الأول وأدخره ليكون لحافي الأخير.

ارتميت في أحضان إخوتي العشرة وأكبرهم لم يبلغ العشرين وأصغرهم لم يدخل المدرسة وماما وبابا لا يزلان في ريعان العمر كما تركتهما قبل أربع سنين تقريبا. لم أستطع أن أخفي ارتباكي وحيائي ودهشتي وهم يحملونني على محفات من عروش الحب فرحا بعودتي مرة، وفرحا عدة مرات بتخرجي كأول بنت تحصل على درجة جامعية في الأسرة مضاف إليها قيمة أنها تحمل بكالوريس مع مرتبة الشرف ومن جامعة مرموقة بأمريكا. والأهم كانت قيمة حس الانتصار الأسري بنجاح رهانهم الاجتماعي خاصة في وجه اعتراض أقرب الأقارب والمقربين بما فيهم أهل الطايف وحريملا والرياض والجيران أيضا على إرسالهم ابنتهم الكبرى للدراسة خارج الوطن، في الوقت الذي كان البعض منهم مترددا في إرسال بناته للدراسة الجامعية ولو بجامعة أم القرى. غير أنني بفضل الله ما لبثت في أسابيع بعد “العزايم وشدة الطار الجديد” أن استعدت توازني الوجداني من هذا الإرباك وبدأت بأخذ مكاني “العادي” في بيتنا بشارع التوبة بحي الشرفية وكأنني لم أتغرب عدة سنين. صرت كسابق عهدي أساعد أمي في الغسيل والكنس والطبخ وأشاركها الصبر والأحلام والكد مع العناية بإخوتي حين غيابها في عملها بمؤسستها التجارية الوليدة آنذاك/ “مؤسسة نور الجزيرة”. كما عدت أفتح نوافذ التواصل من جديد مع صديقات وزمالات المدرسة أمل خوجة وفاتن عبدالمطلوب وصالحة موصلي وليلى عبدالقادر ونور محضار وفريال جاد الحق وهيفاء سنبل وفريدة باشميل ونوف الفارس وسميرة أسعد والأميرة نوف بنت متعب يرحمها الله وأخريات. بل إنني من تو وصولي استجبت لحنين طالما تشاغلت عنه طوال إقامتي بالخارج، فبدأت أنتظم مع مجلة اقرأ في الكتابة التي وإن لم أنقطع عنها تماما مدة دراستي إلا أنني لم أكن آتيها إلا بشكل متقطع لا يشفي غليل عشقي الكتابي منذ عامودي اليومي على مقاعد المدرسة بالمتوسطة الأولى على طريق قبر أمنا حواء عليها السلام. عمدت أيضا بعد عودتي من أمريكا إلى متابعة دقيقة لصحف كنت على سقوفها الخفيضة قد اشتقت لكل حرف يكتب فيها. كانت تلك الاستراحة “الأسرية” ضرورية لي لأستوعب ما تغير علي من أوضاع المجتمع وما تغيرت عليه من المواقف والرؤى منذ العام 1976م، وذلك لريثما في ضوء واقعي الخاص والواقع العام أقرر ما إذا كنت سأعود لأكمل دراستي العليا بأوريجن بالشمال الغربي الأمريكي خاصة وأنني حصلت على قبول هناك أو أبدأ بالتقديم على عمل بالجامعة. وكان العمل بالجامة حلمي منذ كنت طفلة والعب مع الأطفال “لعبة بيوت بيوت”. أما كيف كنت أحلم في طفولتي أن أعمل بالجامعة في الوقت الذي لم يكن فيه بوطني جامعة واحدة للبنات وكانت الجامعة الوحيدة الموجودة هي جامعة الملك سعود للأولاد فقط، التي كما سجل د. سعد البازعي كان مسماها غريبا على السمع الشعبي المحلي وعلى ثقافة المجتمع الشفهية أنذاك فكان عندما يسأل أحدُ أحدا من المارة عن موقع “جامعة” الملك سعود كان يظنه أخطأ فيبادره بقول تقصد “جامع” الملك سعود، فهذا السر يعود لبذرة رمتها أمي في مخيلتي قبل عمر دخول المدرسة بما ستكشفه لاحقا أوراق مشوار العمل بجامعة الملك سعود أو ما أسميه استجواب ذاتي لتجربة جماعية. كما يصح العكس كأن نقول استجواب جماعي لتجربة ذاتية.

زهرة العمر ومشوار العمل الأكاديمي والبحثي بجامعة الملك سعود يكمل في مجموعة من المقالات القادمة تباعا بإذن الله.

Fowziyaat@hotmail.com
Twitter: F@abukhalid

من عليشة إلى الدرعية زهرة العمر ومشوار العمل بجامعة الملك سعود
د.فوزية عبدالله أبو خالد

د.فوزية عبدالله أبو خالد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة