Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 16/09/2013 Issue 14963 14963 الأثنين 10 ذو القعدة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

كان مما أشير إليه في الأسبوع الماضي الموقف السيء للأمين العام لجامعة الدول العربية، وموقف المبعوث الدولي، الأخضر الإبراهيمي، للتعامل مع القضية السورية. وقد برهن هذا المبعوث - وما زال يبرهن - على أنه الأكثر سوءاً وانحيازاً إلى جانب المرتكبين للجرائم البشعة من أقطاب النظام في سورية وأعوانهم؛

وهو إصراره على أن يجبر المظلوم المرتكبة ضده تلك الجرائم على الجلوس على مائدة التفاوض مع النظام المرتكب لها دون الإشارة إلى معاقبة المجرم على ارتكاب جرائمه. وموقفه هذا بعيد عن الموقف النبيل الذي اتَّصف به ابن بلده الحقوقي أنور مالك، الذي كان ضمن فريق المراقبين الذين أرسلتهم الجامعة العربية إلى سورية، فغادر سورية مُحتجّاً على موقف الأمين العام للجامعة العربية المدلِّس، وكشف انتهاكات النظام السوري لحقوق الإنسان، وبَيَّن جرائمه مُوثَّقة في كتاب “ثورة أُمَّة” الجدير بالقراءة. وقلت في نهاية مقالة الأسبوع الماضي: إن الأَهمَّ هو موقف الدول ذات الوزن الثقيل الآن في ميزان القُوَّة في العالم.

ومن الواضح أن روسيا قُوَّة عظيمة، وأن زعامتها المُتوثِّبة حاليّاً مُصمِّمة على أن تبرهن على قُوَّتها السياسية في المسرح العالمي. ويبدو أنها رأت من وسائل إثبات تَحدِّيها للغرب دعمها للنظام السوري؛ سياسيّاً و عسكريّاً، رغم ارتكابه مختلف الجرائم البشعة. ودولة يعرف الكثيرون جرائمها في الشيشان لا يُستغرَب أن تقف مع النظام السوري المرتكب للجرائم.

ومن الواضح، أيضاً، أن قادة إيران دهاة برهنوا على دهائهم بتعاملهم مع الغرب، وتطوير صناعتهم الحربية بالذات إلى درجة كبيرة. وهم يقفون مع النظام السوري على أساس أن مصيرهم ومصيره واحد. ووقوف إيران والروس مع النظام السوري أمر جعل الكثيرين يطأطئون رؤوسهم.

وما ذا عن الغرب؛ وبخاصة زعيمته الولايات المتحدة الأمريكية؟

موقف أمريكا تجاه ما يجري في منطقتنا العربية مرتبط - في نظري - بموقف الكيان الصهيوني بدرجة كبيرة. ومن الأَدلَّة على ذلك - والحديثة عن سورية والمواقف تجاه ما يجري فيها - أن زعامة أمريكا صَرَّحت - عند بداية الهَبَّة الشعبية في سورية - أن النظام السوري فقد شرعيته، وأن على رئيسه أن يَتَنَّحى. لكن بعد شهر، أو نحو ذلك، من ذلك التصريح أعلن مندوب الكيان الصهيوني في مؤتمر بأوروبا حول المنطقة أن حكومته درست الوضع بِدقّة، فوجدت أنه لا مصلحة لها بزوال النظام السوري الحالي. وهذا بالرغم مما ظَلَّ يعلنه هذا النظام بأنه يُمثِّل الصمود والممانعة. ذلك أن الحدود بين الدولة الصهيونية والنظام السوري بقيت هادئة طوال أربعة عقود تَمَّ خلالها مسيرة تهويد فلسطين على قدمٍ وساق.

بعد إعلان الصهاينة أنه لا مصلحة لهم بزوال النظام في سورية بدأ الموقف الأمريكي يَتغيَّر شيئاً فشيئاً إلى أن وصل إلى الإلحاح على من هم ثائرون ضد ذلك النظام وظلمه وجرائمه أن يجلسوا على مائدة التفاوض مع من ارتكبوا بحقهم وحق وطنهم أَبشع الجرائم. وهذا لا يختلف في جوهره مع موقف النظام السوري وأعوانه من زعماء إيران وقادة روسيا المشتركين معه في ارتكاب الجرائم البشعة وإن تَنوَّع الاشتراك. ويبدو أن الصهاينة وصلوا إلى اقتناع أن التقتيل بمختلف الوسائل؛ سواء بالسكاكين والفؤوس أو بقصف المدافع والطائرات والصواريخ، والتدمير الرهيب لسورية، وصلا إلى الحَدِّ الذي يصعب اختفاء أثره في تعميق البغضاء في نفوس السوريين. وهذا ما يجعل الصهاينة أكثر اطمئناناً؛ سواء بقي الأسد ونظامه المجرم أو حَلَّ مَحلَّه نظام آخر. وعند ذاك تَطوَّر الموقف الأمريكي إلى موقف يبدو أكثر حزماً لا يدفعه - بطبيعة الحال - دافع إنساني. فما عُهِد أن زعامة أمريكا تراعي الإنسانية، وإنما يدفعه الظهور أمام روسيا المُتوثِّبة في عهد قيادتها الحالية بمظهر غير المُستكين. لقد قُتِّل أكثر من مئة ألف سوري؛ بعضهم شيوخ وأطفال، بوسائل وحشية وطرق بشعة دون أن تُحرِّك أمريكا ساكناً. على أن أمراً جديداً حدث فكان أكبر دافع لأمريكا المراعية دائماً لسلامة الكيان الصهيوني؛ تَصهيناً من قادتها أو خوفاً من نفوذ الصهاينة، أن تَتحرَّك. لقد بدأ النظام السوري باستخدام السلاح الكيماوي. واستخدامه لهذا السلاح لم يكن يهمَّ أمريكا لو كان من المضمون أن ضرره لن يَتعدَّى الشعب السوري. لكن من المحتمل أن يَمتدَّ شيء منه - مهما كان قليلاً - إلى الأراضي التي يَحتلَّها الصهاينة في فلسطين. وهذا بالنسبة لأمريكا هو الخط الأحمر حقيقية.

وكنت قد أدركت نجاح قادة روسيا بالتعاون مع قادة إيران في التعامل مع القضية السورية فكتبت مقالة نُشرت قبل أربعة أشهر بعنوان: “طأطأة الرؤوس أَمام تَحدِّي إيران والروس”. ولقد كانت هنا أسباب لتلك الطأطأة، منها مهارة القادة الروس والإيرانيين. لكن منها، أيضاً، النقط السلبية في جانب المعارضين للنظام السوري. فهؤلاء المعارضون لم ينجحوا في التَّوحُّد أمام خصومهم. وإحجام القوى العالمية، وبخاصة في الغرب، عن مناصرة الحق والمظلومين جعل المعارضين للنظام السوري يلجأون إلى استخدام السلام دفاعاً عن أنفسهم ومُؤيِّديهم بعد أن ظَلُّوا أكثر من ستة أشهر ينادون بسلمية تَحرُّكهم دون مجيب لِتحرُّكهم. ومع بدء المعارضة السورية استخدام السلام دخل إلى الميدان من هم نكبة على أُمَّتنا بعامة وعلى الهَبَّة السورية بخاصة؛ وهم أتباع القاعدة. ولم يكن غريباً أن يرتكب أفراد من هؤلاء الأتباع جرائم بشعة أساءت إلى سمعة المعارضين للنظام السوري بصفة عامة.

كل ما سبق ذكره مُرٌّ، والأمَرَّ أن يضطر المظلوم إلى الاستنجاد بمن لا يُكنُّون وُدّاً لأُمَّتنا العربية. وللضرورة أحكامها. ومن المعلوم - والحديث مقتصر على أمور هذه الأُمَّة - أنه لولا الاستنجاد بأمريكا بالذات لما تَهيَّأ تحرير الكويت من احتلال جيش صَدَّام حسين له مع إدراكي الكامل أن ما قامت به أمريكا كان - كما قال وزير خارجيتها بيكر - خدمة لإسرائيل.

ومن شبه المُؤكَّد أنه لولا تَدخُّل فرنسا في الوقت المناسب لحدثت مذبحة كبرى في بنغازي بأيدي جيش مُعمَّر القذافي. ولذلك فإن ما يَحدُّ على تَجرُّع المُرِّ - سواء بالنسبة للفرد أو للدول - هو تفادي ما هو أمَرُّ منه.

ومن الغريب أن يقارن أناس بين ما حدث للعراق وما هو حادث في سورية. في العراق كان هناك احتلال عدواني كان في طليعة المُحذِّرين من عواقبه وزير خارجية المملكة الأمير سعود الفيصل، وقال عنه رئيس أركان الجيش الأمريكي: إنه من أجل إسرائيل. وهو، وإن كَبَّد الأمريكيين ما كَبَّد فإنه - في نظري - كان ناجحاً كُلَّ النجاح في تحقيق أهدافه.

كان من خَطَّطوا له يهدفون إلى تحطيم العراق، إنساناً وتُراثاًً وعمراناً. وقد تَحقَّق ذلك. وكانوا يرون التنسيق مع إيران، التي تعاونت معهم في الاستيلاء على أفغانستان، والتي سمحوا لها ولأتباعها من العراقيين لديها أن يدخلوا العراق بكامل أسلحتهم، ثم سَلَّموا ذلك الوطن لقمة سائغة لإيران. وقد تَحقَّق ذلك أيضاً. أما الاستنجاد بأمريكا؛ وهي القُوَّة التي لها سطوتها ضد النظام السوري فلم يكن المراد منه أن تَحتلَّ أمريكا سورية ولا أن تنزل قواتها الأراضي السورية؛ بل المراد فقط ضرب قوة النظام المرتكب للجرائم ومعونة للمظلومين المرتكبة هذه الجرائم ضدهم.

والمُتضِّح الآن أن الضربة العسكرية التي هَدَّدت بها أمريكا قد صُرِف النظر عنها، وأن القيادة الروسية واصلت مهارتها بحيث قبل العالم، بصفة عامة، أن يُكتَفى بما اقترحته من قضاء على الأسلحة الكيمياوية - وهو أمر من الصعب التَّأكُّد من تَحقِّيقه كاملاً - دون معاقبة لمن استخدمها؛ بل ليبقى مواصلاً ارتكابه لجرائمه بمختلف الوسائل البشعة باستثناء السلاح الكيماوي. أَلاَ لله الأمر من قبل ومن بعد.

سورية؛ وضعاً ومواقف، بين المُرِّ و الأَمرِّ 2- 2
د.عبد الله الصالح العثيمين

د.عبد الله الصالح العثيمين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة