Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 20/09/2013 Issue 14967 14967 الجمعة 14 ذو القعدة 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

جدد حياتك

في إحدى القرى الإيطالية كان يعيش قرويون بسطاء، امتهنوا العمل في محاجر الرخام وفي زراعة السهول، حياة شاقة وعمل مضن؛ يقاتلون لتوفير لقمة العيش حيث يقطعون يومياً أكثر من ثمانية كيلومترات غدواً ورواحاً من أماكن عملهم لبيوتهم، وحدث أن أحد سكان هذه القرية هاجر إلى أرض الحلم (أمريكا) فأغرى سكان القرية بالهجرة هناك وبالفعل أحدثت أخباره طوفان هجرة حيث استوطن هؤلاء أرضاً جبلية بالقرب من بنسلفانيا!

بقيت (روزينتو) اسم قريتهم مقصورة فقط على (الروزتيين) وحدهم. وإذا ما تجولت في شوارعها فلن تسمع إلا الإيطالية فقد كانت منطقة تعيش في عالم بالغ الخصوصية يغمرها الاكتفاء الذاتي، ولم تكن معروفة لأحد؛ لولا زيارة قام بها أحد الأطباء واسمه (إستيوارت وولف) الذي كان يمضي فترات الصيف في مزرعة ببنسلفانيا ليست بعيدة عن روزيتو، تحدث د. استيورات في لقاء إذاعي وذكر أنه قابل طبيباً حدثه عن معلومة عجيبة وهي: أنه خلال سنوات من ممارسة مهنة الطب لم يزره مواطناً (روزنتينا) دون الخامسة والستين يشكو من القلب!

أثارت المعلومة الطبيب؛ حيث كانت أمراض القلب من الأمراض الشائعة عند الصغار والكبار ذلك الوقت، بل وكانت السبب الأساسي للوفاة عند الرجال في سن الخامسة والستين، استثار الموضوع الدكتور وقرر أن يجري دراساته للظفر بالسر الخطير الذي جعل أهل هذه القرية في (مأمن) من أمراض القلب! وفوق هذا لا أحد يعاني من قرحة معدة أو القولون!

وكان السبب في موت هولاء القوم هو الشيخوخة فلا تحطمهم إلا السن العالية، ولا يفنيهم إلا الهرم ولا غيره! فشرع في دراسة سجلات سكان القرية الطبية فلم يجد أحداً منهم مات منتحراً وما وجد فيهم مدمناً على الكحول!

ولا يوجد بينهم مدمناً للعقاقير، وكانت معدلات الجريمة أقرب للعدم! إضافة إلى أنه ما من أحد من سكان القرية تحت مظلة الرعاية الاجتماعية!

بعد دراسة وتأمل وأبحاث حدد الدكتور وفريقه مجموعة أسباب محتملة لتلك الظاهرة وهي الجينات الوراثية حيث كان متوقعا انتسابهم لسلالة قوية صحياً أو يعود السبب لطبيعة غذائهم، أو ربما كانت طبيعة المنطقة المناخية هي السبب في هذه الظاهرة! وبدأ الفريق يستطلع تلك الأسباب وكانت المفاجأة!

فقد كان أهل القرية يأكلون البيتزا بالدهن وليس بزيت الزيوت كما اعتاد الطليان! وهي أكلة عامرة بالدسم، ووجدوا أن عاداتهم الغذائية لا تختلف عن سكان القرى الأخرى بل لعلها أكثر اعتماداً على الدهون والنشويات والطعام الإيطالي الدسم الثقيل على الجسم! فانتفى هذا السبب، ثم بحثوا في سلالة السكان فلم يجدوا ما يميزهم عن غيرهم! فقد نظروا في العوامل الوراثية فوجدوا أن أبناء قرية (روزينتو) الإيطالية الذين هاجروا من هناك إلى أماكن أخرى في أميركا يعانون أمراض القلب كبقية سكان أمريكا! وأخيراً لم يتبق إلا عامل الأجواء المناخية والطبيعية ويا للدهشة؛ فقد وجدوا أن معدلات الوفيات من أمراض القلب عند جيرانهم من القرى التي تعيش في ظروف مناخية وبيئية مشابهة أكثر ثلاثة أمثال المعدلات من (روزينتو) أدرك بعدها الفريق أن سر (روزينتو) لم يكن النظام الغذائي أو الجينات والموقع؛ لا بد أنها (روزينتو) نفسها!

السر الخطير

تأمل الطبيب في طباع أهل القرية؛ فرأى عجباً حيث الأرواح الطيبة والقلوب النقية؛ لا حسد ولا حقد ولا تباغض، طبعوا على الكرم، وجبلوا على الأريحية، ونحتوا على المروءة، يعيشون تحت مظلة (الحب) وينهلون من نبع العطاء، لا يقبضون أياديهم عن (مبرة) ولا يحجبونها عن (فضل)؛ أبوابهم مقصداً للعفاة السائلين، قرية أيامها (كرنفال) فرح ولياليها (عرس) بهيج؛ كأن أخلاقهم سكانها سبكت من الذهب المصفى، وكأن شمائلهم عصرت من قطر المزن، دعم اجتماعي عجيب حيث يتفانى أهل هذه القرية من أجل بعضهم؛ فكانت بيوتهم مفتوحة لبعضهم، يتشاركون (الفرح) فيتعاظم ويتشاطرون (الهم) فيتفتت؛ أسر تتقلب بين أعطاف الحب والاحترام، إذا احتاج أحدهم لدعم مالي أو معنوي تداعوا جميعاً لمساعدته وبذل الغالي والنفيس من أجله، الكبير يعطف على الصغير ويمحص له النصيحة والصغير يحترم الكبير ويتفانى في خدمته ومما ميز هؤلاء الناس (إقبالهم) على الحياة و(تفاؤلهم) الدائم وضحكاتهم، واختيارهم للسعادة (رمزاً) لقريتهم! لقد صنع أهل (روزينتو) بجمال (طباعهم) بنية اجتماعية؛ شكلت (درعاً) متيناً حماهم من الضغوطات وقلعة آمنة صدت عنهم (الأزمات) فوهبوا صحة قوية وعمراً طويلاً ونفسيات آمنة!

ومضة قلم

يلتصق عبير الزهرة باليد التي تقدمها

khalid1020@gmail.com

فجر قريب
مدرسة (الروزنتيون)!
د.خالد بن صالح المنيف

د.خالد بن صالح المنيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة