Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 27/09/2013 Issue 14974 14974 الجمعة 21 ذو القعدة 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

أقبل عليّ وأنا أهمُّ بالخروج من الحرم المدني بعد أن صلّيت ظهر يوم السبت الماضي، ألقى السلام كاملاً بلغة عربية فصحى، وأتبعه بكلمة .. سامحني .. ثم سألني قائلاً: “هل أستطيع أن التقط صوراً للذكرى داخل الحرم؟، قلت له بكل بساطة وعفوية مطلقة دون أن أدقّق في شخص السائل ولا أفكر كثيراً بالجواب: نعم، كل الناس من حولك يحرصون أن يوثقوا رحلتهم للحج بكاميراتهم الخاصة أو جوالاتهم الرقمية،، هزّ رأسه مؤيداً ما أقول.. ثم أردف يقول: نعم، ولكنني أخشى أن أفعل شيئاً يخدش حجِّي وأنا قادم من أوروبا أريد ما عند الله، والكل يفتي لي بطريقة مختلفة ويخبرني بأنّ هذا حلال وهذا حرام، وقد لا يكون لديه علم بما يقول، وأنا لا أعرف كثيراً عن الإسلام.. نعم أنا مسلم وأؤمن بالله عزّ وجلّ، وأحب محمداً صلى الله عليه وسلم حباً شديداً، ولكنني أخطأت كثيراً في حياتي وذهبت بعيداً عن شرع الله.. نعم أخطأت خطأ كلفني ثمناً باهظاً، وجئت إلى هنا بلد الحرمين الشريفين فهزّني كل ما أشاهده في مدينة رسول الله، سألته عن جنسيته: أأنت جزائري ؟، فردّ على الفور: لا أنا من المغرب، ولكنني تركت بلدي قبل أربعين سنة وعمري آنذاك أربع وعشرون عاماً وسكنت غرب فرنسا فصرت فرنسياً وما زلت.. ولا أستطيع العودة إلى موطني الأصلي “المغرب” مع أنني أزوره أحياناً ولكنني أشعر فيه أني غريب، أما أبنائي فهم لا يشعرون بالانتماء إليه، ولا يعتقدون أنّ لهم صلة حقيقية به، ومثلهم كثير من أبناء المغرب العربي الذين هم ضحية الاغتراب، ليس الاغتراب الجسدي فقط بل الروحي والنفسي والشعوري، وهذا ولّد لدينا معاناة حقيقية يصعب عليّ وصفها والحديث عنها، ويصعب عليك إدراك عمق جرحها وشدة لهيبها، فأنت مهما قلت لك لن تستطيع أن تشعر ما نحن فيه من حال.. بدأت دموعه تتساقط على وجنتيه، حاول أن يدير وجهه عني حتى لا أراه.. عاد للحديث من جديد عن نفسه وحياته وأولاده الذين صاروا ضحية قرار اتخذه قبل أربعين سنة، أجهش بالبكاء وهو يتذكر حياته في مهجره، يقول هو عن نفسه : لديّ ثلاثة أولاد أكبرهم يعمل محامياً ويحاول أن ينتظم في سلك القضاء الفرنسي، وهو الآن يدافع عن الظالمين ويحاول تبرئتهم من جريمتهم، وغداً سيحكم بالظلم، وقد قلت له الظلم يا ولدي ظلمات يوم القيامة، فقال: يا أبي أنا أنظر في القضية من خلال الدستور وأحاول ألاّ أظلم، فتعجّبت من كلامه، جميع أولادي لا يصلّون، ولا يتكلمون العربية، وليعرفون عن النبي محمد شيئاً،، ولي ابنتان هما كبيرتان الآن، ويفعلن ما يحلو لهنّ ولا أستطيع أن أمنعهن، نحن نعيش عذاباً لا تحسّون به، نأكل أي شيء ولا نعلم هل هو حلال أم حرام، نشرب كل شيء، لا نسمع الأذان أبداً، هم يكرهوننا كثيراً حتى وإن قيل لكم غير ذلك، لا تصدقوا ما يقوله المسلمون هناك أننا سعداء ونتمتع بالحرية المطلقة، فنحن نعاني من مضايقات من زملائنا في العمل، ونتعذّب داخل مساكننا نتيجة سلوكيات خاطئة يقترفها أولادنا ولا نستطيع أن نقول شيئاًَ، فهم حسب القانون هناك أحرار.

لم تنته الحكاية بعد، فبعد أن طال بنا المقام، طلبت منه أن نجلس لنكمل الحديث الذي بدأه هو عن نفسه، ليحدثني عن واقع الأقليات المسلمة هناك حسب ما يراه، وكم هو حجم المعاناة، وهل هناك حلول تلوح في الأفق، وما هو الدور المناط بنا نحن المسلمون عموماً وعلى وجه الخصوص أهل هذه الديار المباركة المملكة العربية السعودية،

خلصت من حديثه الطويل المختلط بالدموع والتضجُّر والآهات بنقاط هامة أترك الحديث عنها للأسبوع القادم بإذن الله، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.

الحبر الأخضر
دموع حاج «فرنسي»! (1-3)
د.عثمان بن صالح العامر

د.عثمان بن صالح  العامر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة