Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 27/09/2013 Issue 14974 14974 الجمعة 21 ذو القعدة 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

أفاق اسلامية

معالم التوحيد في الحج
معالي الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبدالله الخضير

رجوع

معالي الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبدالله  الخضير

الحمد لله رب العالمين، مخرج المؤمنين من الظلمات إلى النور، منزل الكتاب رحمة بخلقه، أشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله إلى الناس كافة ليبين ما نزِّل إليهم، أما بعد:

فقد خلق الله الخلق لغاية عظمى: أن يعبدوه ويوحدوه، فقال -تعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) سورة الذاريات، أي: ليوحدوني، كما قال غير واحد من المفسرين. فتوحيد الله بالعبادة هو محور الشرائع كلها، وإليه دعت الرسل، ومن أجله جُعل النعيم الخالد والعذاب الدائم.

ولتحقيق هذه الغاية العظمى شرَّع الله -عز وجل- الأحكام والعبادات البدنية منها والمالية، فالقيام بالعبادات سبب لتمكين التقوى في قلب المرء وتحقيق التوحيد، قال الله -تعالى-:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (183) سورة البقرة.

ومن تلك العبادات الحج الذي هو ركن من أركان الإسلام، قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: «بُنِي الإسلامُ على خمسٍ: شهادةِ أنْ لا إلهَ إلا الله وأن محمدًا رسولُ اللهِ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، وحَجِّ البيتِ، وصومِ رمضانَ» (1).

ولما كان الحج من أركان الإسلام وكان شعيرة متعلقةً بوقت ومكان معينَيْنِ وكان فيه شهود جمعٍ غفيرٍ للناس من شتى أنحاء العالم تجلَّت مظاهر التوحيد في مناسكه القولية والفعلية.

فلو أمعنا النظر في أفعال الحاج من إحرامه إلى طوافه لوداع البيت لظهرت لنا تلك المظاهر ظهوراً واضحاً لا خفاء فيه.

ولنستعرض هنا بعضها دون الإطالة في بيانها، فأول تلك الأفعال النية والدخول في النسك، فعند الإحرام يشرع للمرء أن يقول مستشعرًا بقلبه: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إنَّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك»، وهذه التلبية قد جمعت بين أنواع التوحيد الثلاثة وأظهرها توحيد العبادة ونفي الشريك عن الله تبارك وتعالى.

وقد سميت هذه التلبية توحيداً قال جابر -رضي الله عنه-: «أهل النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتوحيد»(2) لتضمنها معنى التوحيد.

فهذا الدعاء يذكر الحاج بأن ما سيؤديه من المناسك هو لوجه الله الواحد القهار لا يشاركه أحد في هذه العبادة.

ثم بعد وصول الحاج إلى البيت الحرام أول عبادة يفعلها هي الطواف -سواء كان طواف القدوم أم طواف العمرة- وهذه العبادة شرعت لتعظيم الله -سبحانه وتعالى-، فبعد أن أمر الله بالطواف في قوله: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (29) سورة الحج، نوَّه بشأن التوحيد واصفًا حال الطائف أثناء طوافه فقال: {حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} (31) سورة الحج.

ثم يصلي بعد الطواف ركعتين عند مقام إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- ويقرأ فيهما سورتي الإخلاص ومضمونهما التوحيد. ثم بعد ذلك ينصرف الحاج إلى الصفا لأداء السعي، ويستفتح سعيه بالصعود على الجبل واللهج بكلمة التوحيد كما جاء في حديث جابر -رضي الله عنه- قال: «فاستقبل القبلة، فوحَّد الله، وكبَّره، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.

لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده».

(3) وفي يوم عرفة يخضع الناس ويتذللون لله الواحد الديان بالدعاء والمحامد والأذكار، ومن تلك الأدعية دعاء التوحيد الذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير».

(4) ومن أعظم مظاهر التوحيد في الحج التقرب إلى الله بالذبح وإهراق دم الهدي، فقد قال الله -تعالى-» {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}. (162-163) سورة الأنعام. ولذلك كان الحج مدرسة عظيمة تعلم الناس التوحيد والبر، وتحقق التقوى في قلوب العباد، وفيه منافع دينية ودنيوية كثيرة، فمن الدينية التقرب إلى الله ومحو الذنوب، قال النبي -عليه الصلاة والسلام: «من حج لله فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه»(5)، ومن الدنيوية التجارة والمعارف، لقول الله -تعالى-: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ} (198) سورة البقرة.

ومن المؤسف جدًا أن يقدم أقوام إلى بلد التوحيد لأداء المنسك المليء بمعالم التوحيد ثم تجدهم يشركون بالله شركاً أكبر وأصغر من الحلف بغير الله والأذكار المشتملة على بعض الشرك، والتبرك بالأماكن المقدسة والزيارات البدعية للآثار التاريخية، وقد يتعدى الأمر إلى دعاء الصالحين وغيرهم من دون الله، تعالى الله عما يفتري الظالمون.

وختامًا نسأل الله تعالى أن يحفظ المؤمنين من كيد الشياطين وأن يجنبهم الشرك والآثام، وأن يرد ضالَّ المسلمين إلى طريق الحق والهدى، وأن يحقق لهم التوحيد والتقوى، وأن يرزق الحجاج الإخلاص والنية الصادقة في أداء مناسكهم ويتقبلها منهم، إنه سميع مجيب، وهو على كل شيء قدير.

*** *** ***

(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس» (8) (1-8)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام، (16-21، 22) (1-45).

(2) صحيح مسلم كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم الحديث 1218.

(3) صحيح مسلم كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم الحديث 1218.

(4) سنن الترمذي أبواب الدعوات، رقم الحديث 3585، مسند الإمام أحمد رقم الحديث 6961.

(5) البخاري كتاب الحج، باب فضل الحج المبرور رقم الحديث 1521، مسلم كتاب الحج، باب في فضل الحج والعمرة، ويوم عرفة، رقم الحديث 1350، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه.

- عضو اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء

رجوع

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة