Tuesday 12/11/2013 Issue 15020 الثلاثاء 08 محرم 1435 العدد

التنمية المستدامة والعمل التعاوني

عبدالله بن محمد الوابلي

الكثير من الناس لا يفرق بين النمو والتنمية, فتجدهم عند الحديث عن التنمية يخوضون في النمو دون النظر إلى التدهور في توزيع الدخل و الزيادة في مستويات الفقر ويأخذون معدلات النمو كمؤشرات للتنمية الحقيقية, وفي حقيقة الأمر فإن هناك بونا شاسعا بين المفهومين ( النمو والتنمية ), فالتنمية في مفهومها الشامل (الاقتصادي والاجتماعي) تعني زيادة الدخل الحقيقي وبالتالي تحسين معيشة المواطنين وتوفير فرص عمل لهم وتوفير السلع والخدمات المطلوبة لإشباع حاجات المواطنين وتحسين المستوى الصحي والتعليمي والثقافي وتقليل الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين طبقات المجتمع وتحقيق الأمن القومي للدولة والاستقرار والرفاه من أجل الارتقاء بالمجتمعات.

بعد الثورة الصناعية ( 1750م-1850م ) وقيام المؤسسات والشركات الكبرى تدهورت أحوال الطبقات المتوسطة في أوروبا خاصة في بريطانيا وألمانيا وفرنسا, وارتفعت أسعار السلع والخدمات وأصبح العمل سلعة بدلاً من أن يكون قيمة بذاتها, فتمزقت شريحة الطبقة الوسطى وتحول جزء كبير منها إلى الطبقة الفقيرة, فأدركت مجتمعات هذه الدول أهمية تعاونهم وتكاتفهم لتوفير ما يحتاجونه من سلع وخدمات, فانتشرت الجمعيات التعاونية في عموم أقطار أوروبا الغربية مثل جمعيات المزارعين وجمعيات المهنيين والحرفيين وجمعيات التمويل والادخار وجمعيات الاستهلاك وجمعيات الإسكان ثم عبرت هذه الحلول الاقتصادية والاجتماعية المحيط الأطلسي إلى القارة الأمريكية, واستنسخت في اليابان وكوريا والصين وروسيا وبعض بلدان الشرق الأوسط والأقصى فعادت الطبقات المتوسطة إلى مواقعها الاقتصادية وتحسنت أحوالها الاجتماعية بشكل منظم.

وها نحن في المملكة نشهد ظروفاً اقتصادية واجتماعية مشابهة للظروف التي ظهرت في أوروبا بعد الثورة الصناعية, حيث نشهد آثار القصور في خطط التنمية المبكرة التي ركزت على بناء الحجر أكثر من بناء البشر, وحفزت القطاع الخاص بدون ضوابط تحمي المستهلكين, ونسيت القطاع التعاوني الذي يعد الحاضنة القوية للطبقات المتوسطة والفقيرة من المجتمع, ويعتبر خط الدفاع الأول ضد الغش والاستغلال والاحتكار, وقد وصل التشوه في نتائج خطط التنمية لدرجة أن ثلاثين تاجرا في المملكة أصبحوا يحتكرون نحو 45% من السلع الرئيسة في السوق السعودية، وأن هناك من التجار من لديه أكثر من 35 ألف وكالة حصرية (وفقاً لدراسة أعدها المركز السعودي للدراسات والأبحاث). كما بلغت القروض الاستهلاكية للمواطنين 321 مليار ريال في نهاية الربع الثاني من العام الجاري 2013م, وبسبب احتكار الأراضي فإن 80% من السعوديين لا يمتلكون مساكن خاصة بهم.

ولكن حكومة خادم الحرمين الشريفين انتبهت لهذا الخلل الفاضح فأولت القطاع التعاوني في السنوات الأخيرة اهتماماً كبيراً وهيأت له كل سبل النجاح, وقد أطلق مجلس الجمعيات التعاونية بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية حزمة من المبادرات التعاونية في المجالات الجديدة (غير التقليدية) كالنقل والإسكان والتموين والصحة والتعليم وحضانة ورياض الأطفال والتدريب والاستشارات والمجالات المهنية والحرفية والإعلامية, مع بقاء الباب مفتوحاً على مصراعيه لتأسيس الجمعيات التعاونية في مجال الزراعة والأسماك والثروة الحيوانية, وللإحاطة فإن مجلس الجمعيات التعاونية على أتم الاستعداد لدعم تأسيس تلك المبادرات, وبقي دور المواطنين لاستثمار هذه التسهيلات والدعوم السخية لتأسيس جمعياتهم التعاونية, فهل يعي المواطن ويلتقط هذه الفرصة الكبيرة في اللحظة التاريخية لزيادة دخله وتحسين أوضاعه المعيشية؟.

- رئيس مجلس الجمعيات التعاونية السعودية