Wednesday 20/11/2013 Issue 15028 الاربعاء 16 محرم 1435 العدد
20-11-2013

واجب المواطن في الحفاظ على أمن الوطن وأمانه ووجوب التعاون مع أجهزة الدولة في الحملة التصحيحية لنظام الإقامة

إن الأمن أغلى المطالب وأنفسها، وأهم الضرورات وأعظمها، فبالأمن تصان النفوس والأديان، وتحفظ الأموال والأعراض والأنساب، وتقام الحضارات، وتتطور الدول، وتهاب وتتحقق مقاصدها، فتحقيق الأمن للبشرية من أعظم وظائف الرسل والأنبياء، ومن أهم مقاصد الكتب.

إن تحقيق الأمن لا يقتصر نفعه وفائدته على عمارة الدنيا وصلاحها، بل لا تستقيم العبادة ويكتمل نظامها إلا باستتباب الأمن وظهوره، فالصلاة التي هي عمود الدين وقوامه، لا تكتمل إلا بالأمن، قال الله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}، ففقدان الأمن سبب في نقص العبادات واختلال كمالها.

ولذا قدم الله الأمن على الرزق في مقام الطلب والدعاء، حينما دعا عليه السلام لهذا البقاع الآمنة، والأماكن المقدسة فقال: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}، يقول ابن كثير رحمه الله على هذه الآية: «وقوله تعالى إخبارًا عن الخليل: {رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا} أي: من الخوف، أي: لا يرعب أهله، وقد فعل اللّه ذلك شرعًا وقدرًا، كقوله تعالى: {ومن دخله كان آمنا}، وقوله: {أولم يروا أنا جعلنا حرمًا آمنًا ويُتخطف الناس من حولهم}، إلى غير ذلك من الآيات، وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: «لا يحل لأحد أن يحمل بمكة السلاح»، وقال في هذه السورة: {رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا} أي: اجعل هذه البقعة بلدًا آمنًا، وناسب هناك؛ لأنه -واللّه أعلم- كأنه وقع دعاء مرة ثانية بعد بناء البيت واستقرار أهله به، وبعد مولد إسحاق الذي هو أصغر سنًا من إسماعيل بثلاث عشرة سنة»، ويقول الشيخ عبدالرحمن السعدي على هذه الآية: «{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}: أي: وإذ دعا إبراهيم لهذا البيت، أن يجعله الله بلدا آمنا، ويرزق أهله من أنواع الثمرات، ثم قيد عليه السلام هذا الدعاء للمؤمنين، تأدبا مع الله، إذ كان دعاؤه الأول، فيه الإطلاق، فجاء الجواب فيه مقيدا بغير الظالم، فلما دعا لهم بالرزق، وقيده بالمؤمن، وكان رزق الله شاملا للمؤمن والكافر، والعاصي والطائع، قال تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ} أي: أرزقهم كلهم، مسلمهم وكافرهم، أما المسلم فيستعين بالرزق على عبادة الله، ثم ينتقل منه إلى نعيم الجنة، وأما الكافر، فيتمتع فيها قليلا {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ} أي: ألجئه وأخرجه مكرهًا {إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}», وأما قوله سبحانه: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْت*الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْف}, فهذا في مقام الخبر, وما تقديم الأمن على الرزق إلا أن الرزق لا يتحقق إلا في ظل أمن, ولايهنأ المرء ولا يتنعم بالأرزاق إلا حينما يتحقق الأمن في الأوطان, ومن هنا فإن المسؤولية تعظم تجاه هذا المكتسب الضروري, والمرتكز الأسس لكل أمة ودولة, كيف لا وهو ضرورة كبرى لإقامة حياة الناس؛ لذا تشترك الأمم كلها في طلبه والسعي لتحصيله، والأمم يقاس رغد عيشها وسعادتها ونموها وتقدمها بقدر ما حققته من أمن لشعوبها، ولا عجب فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم- : «من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا»، أي: فكأنما جمعت له الدنيا كلها، فالأمن في الذروة من المطالب، والسنام من المقاصد.

ولا مزايدة على أننا نعيش في نعم لا تعد ولا تحصى، وآلاء لا تحصر ولا تستقصى، من أعظمها نعمة الولاية الحكيمة الراشدة التي لم تأل جهدًا في إيصال سبل العيش الرغيد والأمن الوافر، والسعادة التامة لكل مواطن بل لكل مقيم على هذا الثرى الطاهر، ولذا فنحن محسودون على هذه النعم، ولابد لنا من استشعار أهميتها، والحفاظ عليها، وأداء ما به تحفظ وتصان، ثم محاربة كل فكر ضال، ومبدأ دخيل يزعزع أمننا، ويخلخل وحدتنا، ويوقع العداوة والبغضاء بيننا، لأن قوة الولاية, وهيبة الدولة, والتواصي والتعاون فيما يحقق ذلك من مقاصد شرعنا الحنيف, إذ هو تجسيد للجماعة والإمامة في واقع الدولة, وتطبيق للأحكام المتعلقة بذلك من البيعة وحفظ الحقوق, وهذا ما أوصانا به رسولنا صلى الله عليه وسلم وبايع عليه صحابته في كل آن, وفي مواطن الفتن وأيام المتغيرات والمحن؛ لأن بالسلطان يقام الدين, فمهمته الأساسية حراسة الدين, وسياسة الدنيا به, ولهذا فنحن نطبق وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة», وقوله صلى الله عليه وسلم: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ», فأخبر صلى الله عليه وسلم أن المخرج من الفتن والعاصم من الانحراف والوقوع في الخلل, والتأثر بالدعاة على أبواب جهنم, والذين هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا أن نلزم جماعة المسلمين وإمامهم, هذه هي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم الجامعة لمن رام النجاة في ظل الدعوة التي هي سبب دخول النار.

إن هذه البلاد المملكة العربية السعودية قامت على ما جاءت به شريعة الله عز وجل من العدل والرحمة والخير والفضل، وبسبب ذلك وبما قام به الملك عبد العزيز رحمه الله تبدل الجهل علمًا ونورًا، والفقر غنى، والعطش ريًا، والجوع شبعًا، والخوف أمنًا وارفًا، وأمانًا وطمأنينة، واستقرارًا ورغدًا في العيش، يقول الله -عز وجل-: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُور}.

لقد حرص الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن رحمه الله على تطبيق كل مبادئ الشريعة وأصولها المستمدة من المنبعين الصافيين، والمصدرين الأصليين للإسلام، كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم- ، ومن هذين المعلمين الرئيسين، والأساسين تنبع ضمانات البقاء والنصرة، ويتحقق تبعًا لذلك العدل وإقامة شعائر الله، ونصرة دين الله، مع الأخذ بمعطيات الحضارة، وأدوات التطور والارتقاء، وحينئذٍ يطمئن الشعب إلى هذا الحكم القائم بهذه الأصول، ويكتب الله -عز وجل- بين الراعي والرعية الألفة والمحبة والتعاون والتناصح والتكاتف، وتظهر الوحدة في أجلى معانيها، قائمة على هذه المبادئ والأسس التي هي حكم الله وشرعه، وهذه المبادئ أقام الملك المؤسس المجاهد الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن -يرحمه الله- دولته عليها، وجمع الله عليه القلوب، وتوحدت البلاد بصورة لا يعرف لها التأريخ المعاصر نظيرًا، وامتد هذا الحكم الراشد في أبنائه البررة، وأنجاله الميامين، الذين نهلوا من مدرسة المؤسس، واستمدوا من معينه الصافي، وورثوا عنه القوة والحكمة والسداد والرشاد، ولذلك مكّن الله لهم، وحقق التوحد على هذه الدولة المباركة.

وإلى هذا السر المكين يعزى ما نراه متجسدًا في واقعنا إلى يومنا هذا، وسيظل بإذن الله، حيث نرى اللحمة قوية متينة بين الحكام والمحكومين، ينطلقون في ذلك من أمر الله، ويتعبدون لله بذلك، فحكامنا الميامين، وولاة أمرنا الأوفياء، وقادتنا الأماجد يحرصون أشد الحرص على إسعاد مواطنيهم، وتحقيق متطلباتهم، وإحقاق الحق، ونشر العدل، وإقامة حكم الله فيهم، مترسمين منهج سلف هذه الأمة، وهم أقرب الناس إلى شعبهم محبة وعطفًا وشفقة، وقلوبهم مفتوحة، وأبوابهم مشرعة، فبادلهم الشعب حبًا بحب، ووفاءً بوفاء، وأثبتت مواقف المحن، وأزمنة الفتن أنهم معدن ثمين، وكنز نفيس، يظهر أصالته في هذه الأزمات، لينحسر عن لحمة متأصلة تستعصي على الفرقة والاختلاف بإذن الله.

والأفكار والمنطلقات والمبادئ التي تنتج الانحراف الفكري الذي عانت منه بلادنا الغالية، ومملكتنا الحبيبة، المملكة العربية السعودية نتاج عمل طويل، وجهد غير مبارك استهدف به أمن هذه البلاد ووحدتها، سواء الانحراف في جانب المبادئ والأفكار, أو في جانب الأخلاق والسلوك المدمر المتمثل في المخدرات والمنحدرات والأخلاق السيئة التي يستجر إليها شبابنا بأساليب ماكرة, وطرق شيطانية تمثل أعظم المخاطر والمهددات, وهي في جانبها الفكري جذور امتدت، وأصول ظهرت لا يمكن التهوين من شأنها أو التحقير، بل يجب أن نواجهها بتأصيل وتقعيد واجتماع وتعاضد يضيق هذه الفرص الآثمة، ويحول دون مراد هذه الأنفس الضالة المنحرفة, وهي في جانبها السلوكي أخطاء متراكمة, ومستنقعات آسنة, جزء منها يعود إلى ما تفرزه بعض العمالة المخالفة التي جعلتها المخالفة في وضع تحاول أن تستجلب معيشتها بهذه الرذائل والجرائم, وإن الموقف الشرعي الصريح المبني على المنقول والمعقول يجب أن يكون قدرًا مشتركًا لدى جميع العقلاء بإدراك الخطر من كلا الجانبين, والتعاون والتعاضد والتكاتف، انطلاقًا من تعظيم النصوص، وقبول مدلولها الذي هو شأن المؤمنين، تلك النصوص التي أوجبت التعاون على البر والتقوى, وتعظيم قدر الولاية وحفظ هيبتها, والتكاتف ضد أي مبطل أو مجرم أو منحرف, ثم حفاظًا على أعز المطالب، وأثمن النعم ما هو قوام الحياة الإنسانية كلها، وأساس الحضارة المدنية أجمعها، ما لا يمكن أن يهنأ العيش بدونه، ما هو مسؤوليتنا جميعًا أفراد أو جماعات إنه الأمن بمعناه الشامل، الذي في ظله تحفظ النفوس، وتصان الأعراض والأموال وتقوم الدعوة إلى الله، فيجب على كل منا أن نقاوم كل مظهر يخلخله أو يسبب زواله، وإذا اضطرب الأمن -لا قدر الله- ظهرت الفتن، وكثر الخبث، والتبس الحق بالباطل، وعمت الفوضى، وهلك الناس، أفيرضى عاقل فكيف بمسلم أن تظهر بوادر هذا الهلاك، والفساد العريض.

وإن المعالجات الأمنية التي تعنى بها الأجهزة والدوائر المرتبطة بالأمن لا يقلل من شأنها وقد حققت نجاحات متوالية بفضل الله ومنته في المجالين, وقدم رجال الأمن تضحيات وبطولات فداء لهذا الدين والوطن, وجهادًا في سبيل الله, وأعظم به من جهاد؛ لأنه يحفظ أمن بلاد الحرمين الشريفين, وطمأنينية المواطنين والمقيمين, وثمة جهود أخرى وقائية, تجسد حقيقة الأمن الفكري؛ لأن الأمن الفكري يعني الوقاية المسبقة من الانحراف بالوعي المبكر بأخطاره وأثره وتأثيره في المجتمع، إذ إن الأمن على العقول، لا يقل أهميته عن أمن الأرواح والأموال، فكما أن للبيوت لصوصًا ومختلسين، وللأموال كذلك؛ فإن للعقول لصوصًا ومختلسين، بل إن لصوص العقول أشد خطرًا، وأنكى جرحًا من سائر اللصوص، وماوقع من وقع من الشباب إلا بتلك الجهود من المنظرين وأرباب الفكر, ودعاة السوء والانحراف.

يقال هذا الكلام حينما يسعى بعض أصحاب الأهواء وأتباع الجماعات والأحزاب جاهدين لإحراج هذه البلاد المباركة -حماها الله-، والتأثير بالوسائل التي أصبحت بسبب استخدامها في جانبها السلبي مفاتيح للفتن، من شبكات ووسائط وغيرها، وتأتي قمة الانحراف، وأسّ الفتن، حينما لم يسلم من تأثيرهم أحد، حتى تطاولوا على ولاة الأمر، وصوروا الواقع بشكل لا يمت للحقيقة بصلة في أساليب ماكرة، وطرق ملتوية، بل وقلب للحقائق، زاعمين أن مواقف المملكة العربية السعودية تجاه تلك الحملات التصحيحية اعتداء وظلم، وسعي في الفساد والإفساد، ولعمر الله أن هذا هو الافتراء والسقوط في الفتنة، وفي مثل هذه التخبطات المظلمة سيما من أصحاب الأهواء والتوجهات الحزبية يحصل الضرر والخطر.

إن ما قامت به هذه البلاد المباركة من تصحيح لأوضاع المخالفين لأنظمة الإقامة لهو عين المصلحة، وأس الحكمة، وهذا من واجباتها، ومن أبرز حقوق مواطنيها والمقيمين على أراضيها، ضبطًا للأنظمة، وإعطاءً لكل ذي حق حقه، وهذا هو شأن دول العالم، وفيها من المصالح العظيمة المتحققة للمقيمين، حتى يؤدوا واجباتهم، ويعطوا حقوقهم، ويعيشوا آمنين، وكل المؤثرات والأخطاء والإساءة لهم إنما تحدث لهم فيما لو كانوا مخالفين, ومن ينظر في التدرج الذي حصل بشأن هذه المسألة الأمنية الفكرية السياسية الاقتصادية الاجتماعية يجد أن منطق الدولة هو تحقيق الضبط والعدالة, مع تغليب الرحمة والإنسانية, فيكفي تلك الفرص التي منحت لمن أراد أن يعيش آمنًا مطمئنًا محفوفًا بالرعاية والعناية وحفظ الحقوق, وأداء الواجبات, وقد مددت بما يجعل الزمن يستوعب الأعداد المتزايدة, لتأتي بها حملات التصحيح التي كشفت عن وعي وحكمة وبعد نظر, فالأعداد الكبيرة التي تأوي إلى أماكن بعيدة عن الرقابة, وتتكدس بصورة مخيفة, وتمتهن كل المهن التي تصب في استهداف الأمن والأمان, كل ذلك يجعل حملة التصحيح قرارًا صائبًا, ورؤية حكيمة, وعملاً مباركًا, ومصالح متعددة, وستتكشف الأيام عن مصالح آنية ومستقبلية يدرك الجميع بعدها أن الله قد حفظ هذه البلاد, وهيأ لها هؤلاء القادة الأوفياء, ووفقهم وسددهم فيما فعلوه وقرروه, ولقد كانت كانت ناجحة، فأمن الوطن خط أحمر، وقد ساهمت في القبض على كل عابث يحاول نشر صور الفساد، وجعلت كل متربص للقيام بعمل مخالف للشرع والأنظمة تحت الرقابة، وقدمت كل جانٍ للعدالة الشرعية، ولها من المنافع التي سيعود أثرها ونفعها على المواطن أولاً، وعلى المقيم ثانيًا.

وإن المسؤولية علينا كمواطنين ومقيمين على الثرى الطاهر, والبلد المبارك أن نعرف نعم الله عليها, وأن نلتزم بهذه الأنظمة التي صدرت من ولي الأمر، لما فيها من المصلحة الراجحة، فهي من المصالح المرسلة التي يراعيها الإمام، فتجب طاعته فيها للمصلحة المظنونة في التزامها والمفسدة المتوقعة عند عدم ذلك، وقد نص العلماء على أن لولي الأمر تقييد المباح كالبيع والشراء والإجارة، إذا كان في ذلك مصلحة عامة، فكيف إذا كان البقاء مفاسد وانحرافات ومسببات للجرائم والضياع, فهنا لم يعد الأمر من قبيل تقييد المباح فحسب, بل صار من رعاية المصالح الكبرى, وأوامر ولاة الأمر واجب التقي دبها, والتعبد لله ما دامت تصب في مصلحة البلاد.

وليعلم أن العبرة في اعتبار الشارع للمصلحة والمفسدة إنما هي بغلبة الظن، ومخالفة الناس لهذه القوانين قد يحدث بسببها ضرر، إما عليه، وإما على غيره، كما أن الرجوع في ذلك إلى اجتهاد الناس لا ينضبط، لاختلاف أحوالهم وتقديراتهم, فتقدير هذه المصالح والمفاسد هو بالنظر العام, والرؤية الشمولية, إذ لا يخلو اجتهاد أو قرار من مفسدة, فما يلحق بعض هؤلاء مما هو مظنة الحزم في التطبيق مغتفر في جانب المصالح الكبرى, وقاعدة الشريعة تحصيل أعلى المصالح, ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح, وإذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررًَا بارتكاب أخفهما.

وتلك الأنظمة إذا ترتب على الالتزام بها مفاسد أحيانًا فذلك نادر، والنادر لا حكم له، إنما الحكم للغالب، كما هو مقرر في القواعد الفقهية، فيجب الالتزام بتلك الأنظمة, ويأثم من خالفها، ويضمن إن ترتب على ذلك جناية على الغير؛ لأن أوامر ولي الأمر واجبة الامتثال بأمر الله عز وجل, قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}.

وأخيرًا: ما سطرته هنا جزء من هذا الواجب، وأداء لحق الولاية, والمسؤولية عظيمة، وأسأل الله أن يحفظ علينا ديننا وأمننا، وأن يرد عنا كيد الكائدين، وإرهاب المعتدين، وضلال المضلين، وأن يوفق ولاة أمرنا إلى ما فيه الصلاح والإصلاح، إنه سميع مجيب.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

مقالات أخرى للكاتب