Wednesday 20/11/2013 Issue 15028 الاربعاء 16 محرم 1435 العدد
20-11-2013

ضَعفوا.. فكيف..؟!

الإيمان هو مدار الصبر، ينبغي أن يقوى به صاحبُه على الشهوات المربحة غاياتُها، بما فيها الرغبة في التكسب..

وقياساً، كيف هو حال إيمان من يتسلمون عمارة الوطن، وخدمة البشر، وقد بعدت بينهم وبين منابع الإيمان أقدامهم، وعقولهم, بل قلوبهم, وضمائرهم؟.. يتضح ذلك من نتائج أعمالهم.. المرئية المُشاهَدة..

ولنأخذ في ذلك السبيل مثلاً كل من له يد في إنجاز بناء من كوخ معدني، بناء أسمنتي, إلى نفق يطول أو طريق يمتد..

ولو ذهبنا نتفحص متانة البناء حين كان بالحجر, وبالتبن، وبالطين.. حين كان يرفع البنَّاء عجينته وهو يردد موقناً باسم الله المعين، ويضعها بتوكلنا على الله العظيم، نجد أن السر في أن تلك العمارة القديمة صمدت في وجه الريح، والمطر, والتقلبات الموسمية.. أن حضور اسم الله والتوكل عليه تعالى هو حضور قلب، يعي رؤية الله تعالى له, ويدرك إحاطته تعالى بحال أمانته, ومتانة عمله.. فلا يُنقص بما يخل، ولا يُزيد بما يثقل كاهل المالك صاحب البناء..

لذا يتم البناء بمواصفات جودته, وصفات إتقانه، على وجه عدالة بين مَنْ يملك، ومَنْ يبني..

لذا لم تكن العمارة على يد مثل هذا تحتاج لصيانة دائمة فور الاستخدام، ولا لترميم قائم سرعان ما ينقض؛ لأن من بناه كان يتقي الله، ولا يميل مع شهوات نفسه في توفيرٍ، معادُه ربحٌ شخصي.. غير مبال بجودة العمل ومتانته، وسلامة المستفيدين..

أما الآن، فلا يسكن الساكن إلا ويُفضح مع استخدامه الأول ضعف إيمان من قام على البناء؛ إذ يجد خللاً في تمديد الكهرباء, والماء، وتسرباً عن الشقوق سريعة الظهور، أو سقوط الإضاءة، أو خلخلة النوافذ, أو قشع الأرضية.. أو وجود منافذ عند الأبواب للحشرات والأغبرة.. هذا إن لم تحدث تصدعات في الجدر, ونقص يتضح في مقاييس السلامة...!!

المرء يبدأ من السنة الأولى لسكناه صيانة مأواه، وترميم عورة ما خلفه مَنْ قاموا على إنجاز مسكنه؛ لأنهم لم يشرفوا، ولم يبنوا، ولم ينفذوا بضمير؛ فهم لم يتذكروا أن هناك من يراهم، ويسجِّل عليهم، وهو تعالى لا يغفل, ولا يسهو..

هذا على مستوى البيوت الصغيرة، والمنازل الكبيرة, والعمائر السكنية، وحيث ربحهم, وشهوات أنفسهم في الاستزادة غير المشروعة.. وصولاً إلى المشاريع الكبيرة والكبرى في المدن، من شق الشارع, وإمداد الخدمات فيه, وصولاً إلى السكك، والأنفاق، والطرق ومتعلقاتها من الإضاءة، والمرونة, والتصريف للمياه, ومساحات السلامة للراجل الماشي، والعابر؛ لذا يعاد شقها لكل غرض ينكشف فيه خلل التنفيذ..

ومنها المشهد القائم، تركد المياه فيها عند المطر، تعطل الناس على وجه أول في المشكلة، وتقتلهم على نحو أكبر للمعضلة.. فمنهم من يتيهون، ومنهم من يغرقون، وجميعهم يتعطلون.. تقف مصالح الأفراد, وتتراجع المؤسسات المختلفة عن حركتها.. تتأخر الدراسة, وينقلب الصحن على ظهره بمجرد أن ترعد السماء, وتبرق، وتلد السحب، وتهطل..

زد عليه عند تعطل الكهرباء, والاتصالات, والصرف الصحي، ومع كل خلل في التأسيس ينكشف, فتبعج بطون الشوارع في كل مرة من أجل إصلاح فساد غفلة الضمير، وشهوة التكسب..

إنه ضَعْف إيمان على نحو كبير.. يعيد حاجة المناداة لإعادة النظر في أمره..

كيف يُزرع الإيمان في القلوب, وتُربَّى النفوس على الخشية, ولا تنام الضمائر التي تتقد خوفاً من عقوبة شهوة التكسب والتربح على حساب الآخرين.. والتفريط في الأمانة.. والغش في العمل.. والمتاجرة بمصالح الوطن.. ومقدراته.. ومَنْ فيه..؟

عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855

مقالات أخرى للكاتب