Friday 22/11/2013 Issue 15030 الجمعة 18 محرم 1435 العدد
22-11-2013

الحرب الإعلامية الجديدة

لم تعد الحرب كما كانت في السابق سيف ورمح، خيل وجمال، بل وحتى طائرة ومدرعات، جيوش جرارة تعبر الفيافي والمحيطات وتنتقل من أرض لأخرى، بل صارت أكثر تقدماً ونعومة، وأسهل وصولاً للخصم وأعظم أثراً فيه، تقتل وتفتك مادياً ومعنوياً، تؤثر وتهزم بسهولة ويسر، وكأن المقاتل جالس يمارس لعبة “البلاستيشن” في بيته ومع زوجته وأولاده “ريموت كنترول”.. وكما تقدمت تقنيات ووسائل الحرب العسكرية تنوعت وتعددت أساليب الحروب وميادينها، فمن حرب العصابات والشوارع إلى حرب المياه والغذاء والدواء، ومن الحروب العقائدية إلى صراع النخب وصدام الحضارات، والتحولات الثقافية.. والحرب الإعلامية التي يراد منها أن تؤثر على النفسية وتشوه السمعة وتكسب الطرف الموظف لها ود القوى الخارجية هي -في قاموس الساسة والعسكريين والإستراتيجيين وأهل الاختصاص- لون قديم جديد “متجدد” من ألوان الحروب ذات الأثر السريع والفعال، ولقد عانت المملكة من هذا النوع من الحروب وما زالت، فمع كل حدث تكون فيه السعودية طرفاً سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة يخرج علينا سيل من الكتابات والتعليقات والمشاهد المؤذية والمجافية للحقيقية مما يجعل الشارع العالمي المحايد يميل عن جادة الصواب، وربما انطلت على شريحة منه هذه الفرية وشوهت الصورة الإيجابية التي كانت مرتسمة في عقلهم لهذه البلاد، وفي ذات الوقت علق بأذهانهم خلاف الحق الذي نحن عليه.. ولعل من آخر ما ظهر في ساحة الإعلام ووصلنا وتناقله الناس في المواقع والمنتديات وعبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة “الفيلم الإثيوبي القصير” الذي يصور حال الإثيوبيين وهم يعذبون في بلد الأمن والأمان على يد رجال الأمن!!، وتترجم المشاهد المؤذية للنفس البشرية إلى ثماني لغات ويتناقلها الملايين من العنكبوتيين في أقل من الثانية ونحن صامتون!!

إن مثل هذه الحملات الإعلامية الموجهة تؤثر سلباً على نظرة الشعوب لنا، وهي كما أسلفت لون من ألوان الحرب التي توجب التحرك بنفس السلاح وعلى ذات الأرض.

وهذا يطرح سؤالاً هاماً وملحاً: ترى أين إعلامنا الرسمي والخاص مما يحاك لنا ويراد منه النيل منا وتشويه سمعتنا في الأوساط النخبوية والشعبية الإفريقية منها والغربية بل وحتى العربية والإسلامية؟

إن مثل هذا التشويه المقصود والتحرك في هذه الساحة الملغومة من أجل بناء صورة ذهنية سلبية عما تقوم به الجهات الأمنية بمتابعة وتوجيه مباشر من لدن مقام صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية تنفيذاً لساسة عليا يراد منه تصحيح وضع المخالفين وإعادة ترتيب بيتنا من الداخل.. إن هذا السلوك المشين والموجه يجب ألا يمر بلا إظهار للحقيقية وبيان كامل للمشهد بكل تفاصيله، خاصة أن ما يحدث ليس بدعاً في عالم الفعل سبقتنا له دول العالم المتقدم والثاني، وهو لون من ألوان السيادة الشرعية التي تمارسها السلطات السياسية على أراضيها وبصورة دائمة ومعروفة وتتفق كلية مع الأعراف والدساتير والأنظمة العالمية جميعاً.

بصدق من الغبن أن تبرئ وسائل الإعلام الخارجية لتتناول قضايانا الداخلية ويتحدث الإعلام العربي أو حتى الغربي المقروء أو المسموع أو المشاهد عن مشاكلنا الحقيقية أو المفتعلة ونحن نكتب عن كل شيء إلا الـ”نحن”، وعلى افتراض أننا كتبنا فعلى استحياء، ومن طرف خفي، وبالتورية لا التصريح، ليس هذا فحسب بل صار الإعلام الجديد وسيلة للتطاحن والصدامية بين بعضنا البعض، حتى وصلنا إلى حال يمكن معه وصف المشهد التويتري السعودي بأنه محزن في إطاره العام.

إن المرحلة توجب توظيف الإعلام القديم منه والجديد في تعزيز اللحمة الوطنية، والذب عن عرض الأهل والدار، وتقصي ما يكتب ويقال في عالم الإعلام والرد عليه بلغة عالمية تتوافق والعقليات التي يتوقع تأثرها بما يصلها سلباً خاصة الشبابية منها أو من لديهم صورة سلبية مسبقة عن المملكة العربية السعودية.

إن البناء التراكمي للحرب الإعلامية الموجه لقلب العالم الإسلامي “المملكة العربية السعودية” يتطلب في هذا الوقت بالذات تكاتف جهود المثقفين والمفكرين والإعلاميين والساسة والإستراتيجيين لرسم خارطة طريق للمنازلة، ومعرفة للأرض التي نقف عليها.. وآلية التحرك المثلى حتى لا تكون النتائج عكسية.. والسلاح الأمثل الذي يجب أن يشهر في وجه كل من أراد النيل منا حكومة وشعبا.. مع محاولة استشراف النتائج المسقبلية المتوقعة لهذه الحرب المعلنة التي تسري في ذهنية المتابعين والراصدين وتفعل فعلها بعقلية المشاهدين المحايدين، دمتم بخير وحفظ الله البلاد والعباد ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.

مقالات أخرى للكاتب