Monday 25/11/2013 Issue 15033 الأثنين 21 محرم 1435 العدد
25-11-2013

يوتوبيا وليد السناني 2-2 !

ويبلغ التطرُّف والغلوُّ أقصاه حين ينعت وليد السناني بلادنا بأنها ديار «كفر» ويدعو إلى الهجرة منها إلى ديار «الإسلام»، ويعرِّفها بأنها مواضع الجهاد في أفغانستان وباكستان ! لقد أعمى الغلوُّ بصيرة وليد ونسي أو تناسى أنّ بلادنا هي مهبط الوحي وموضع إشعاع رسالة الإسلام، وأنها تضم أشرف وأقدس بقعة في هذا الكون ؛ وهي الكعبة المشرفة والمسجد الحرام والمسجد النبوي، وتعامى عمّا توليه الدولة من اهتمام وعناية ورعاية للأماكن المقدّسة، ومن تسهيلات للمسلمين القاصدين بلادنا للحج أو العمرة، وتجاهل عشرات الآلاف من المساجد في كلِّ مدينة وقرية تصدح بالأذان والصلاة، ومئات المعاهد الدينية، وعشرات الكليات الشرعية، وآلاف مدارس تحفيظ القرآن الكريم للبنين والبنات في كلِّ أنحاء المملكة!

لقد منّى وليد نفسه وأولاده الثلاثة بالهجرة من ديار الكفر - كما ينعت بلادنا - إلى ديار الإسلام كما يعرّفها ؛ لأسباب كثيرة، لعلّ من أهمها أنّ تلك الديار التي يتمنىّ الهجرة إليها في حالة حرب مع الكفار، وكأنه يتعشّق الحرب لذاتها أو القتال لذاته، وما من أحد عاقل يتمنّى لنفسه أو لبلاده الدخول في دوامة مواجهة حربية مع أيّة دولة ؛ إلاّ إذا ابتلي ابتلاءً، فحينها يجب الصبر والجهاد والدفاع عن الدين والأرض والعرض، ولكن تمنِّي لقاء العدو غير محمود، كما ورد في الحديث الشريف ((يا أيها الناس، لا تتمنّوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أنّ الجنة تحت ظلال السيوف)) والقتال مكروه وغير محبّب للنفس السويّة ؛ ولكنه عند المواجهة المحتّمة جهاد ثوابه الشهادة؛ يقول الله تبارك وتعالى في محكم التنزيل: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة: 216

ويرى وليد أنّ الدولة السعودية الأولى إلى وقت الإمام عبد الله بن سعود - رحمه الله - إسلامية، والثانية على وقت الإمام فيصل بن تركي بن عبد الله له عليها ملحوظات؛ ولكنها شرعية! أما الدولة الثالثة التي قامت على يد المغفور له بإذن الله الإمام الموحِّد عبد العزيز بن عبد الرحمن - كما يرى السناني وفق منهجه التكفيري - فإنها دولة علمانية طاغوتية كافرة!

لقد تعمّد أن يتجاهل كيف كانت قبائل الجزيرة في شتات وتناحر، وكيف كان مستوى المعيشة والتعلُّم وفهم الدين وخدمة الحرمين وتقدم البلاد ؛ وكأنه لا يعنيه البتّة أمر خروج بلادنا من عتمة الجهل والفقر والتخلُّف، إلى فضاء العلم والتنمية والتقدُّم في مجالات الحياة الحديثة ؛ بل إنه ميّال أو ربما داعٍ إلى أن تظلّ الحياة القديمة قبل النهضة على يد موحِّد البلاد كما كانت، بعيدة عن التحديث والتجديد ؛ لأنّ الجدّة - كما يرى - ستصادم الدين بالضرورة ؛ وليس لديه قدرة على اتباع منهج معتدل يتحرّى الجيد ويدع الرديء قدر المستطاع، ويغلب الصالح الأكثر على الفاسد الأقل، سيراً على القاعدة الفقهية «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح».

لقد سجن وليد نفسه داخل نفسه قبل سجنه المادي ؛ فهو ينظر إلى المسائل وفق قياسات اختلفت ظروفها وأحوالها، فما كان يصلح من اجتهاد وقياس في عصور قديمة قد لا يتوافق بالضرورة مع مصالح البلاد والعباد في الظروف الراهنة، ثم إنّ نزع اليد من الجماعة يثير فتنة تجلب من الشّقاق والنزاع وربما إراقة الدماء أكثر من تلك الغاية المثالية التي يرنو إليها المتشدِّد البعيد عن النظر في محدثات الحياة والعلاقات بين الدول والشعوب .

ويحق لنا أن نتساءل : كم نخسر بفقداننا وليداً ومن يماثله حين يبلغ به الغلوُّ إلى مرتبة التكفير وتستقطبه الجماعات الضالة ؟ كم يحزّ في النفس أن نرى إنساناً طيباً ورقيقاً كان يمكن أن يفيد مجتمعه وأُمّته لو لم تزل به قدمه إلى الغلوِّ .

ثم أيضاً يحق لنا أن نتصوّر كيف يمكن أن يكون مجتمعنا لو استجاب لأفكار وليد ومَن على شاكلته من التكفيريين ؟ كيف سنكون لو تنكّرنا للتعليم وللإعلام وللعلاقات الدولية ولحركة الاقتصاد العالمي وللبطاقات الشخصية وللجوازات، ودخلنا في حرب مع العالم ؟!

أسأل الله تعالى أن أرى اليوم القريب الذي يكون فيه وليدٌ بيننا داعية إلى الله بمنهج معتدل يخدم الوطن ويجمع ولا يفرّق ويقرّب ولا يبعد ؛ فهو حقيق بأن يصل إلى ذلك حين يعتدل ؛ وما ذلك على الله بعزيز .

moh.alowain@gmail.com

mALowein@

مقالات أخرى للكاتب