Wednesday 27/11/2013 Issue 15035 الاربعاء 23 محرم 1435 العدد
27-11-2013

الاقتناع بما قلت عن الوضع في سوريا

عندما بدأت الحركة الشعبية في سوريا ضمن ما سُمِّي الربيع العربي - وفضلت تسميته الهبَّات الشعبية - قال رئيس المتُحكِّمين في سوريا إن سوريا تختلف عن غيرها. وكان مما قلت في إحدى مقالاتي حينذاك:

لقد صدق رئيس أولئك المُتحكِّمين وهو كذوب. وأوضحت سبب تصديقي لما قاله لأسباب داخلية في سوريا ذاتها وخارجية، في طليعتها دعم إيران له ولتسلُّطه، ودعم روسيا بإمداده بالأسلحة، ووقوفها معه في مجلس الأمن، وصلة الكيان الصهيوني المرتاح بهدوء جبهته مع سوريا طوال ما يزيد على أربعين عاماً، حقَّق ذلك الكيان في أثنائها أعظم خطوات التهويد لما احتلَّه من فلسطين عام 1967م، وبخاصة القدس بمسجدها (المسجد الأقصى).

وكان من المقالات التي كتبتها مقالة نُشِرت في 13-2-2012م بعنوان (هل يرعى الأمين العام الأمانة؟)، تناولت فيها موقف الأمين العام لجامعة الدول العربية السيئ تجاه القضية السورية موضحاً ملامح سوئه. ومن تلك المقالات مقالة نُشِرت في 11-6-2012م بعنوان (ما زال البطش والتدمير صفتين لازمتين). ومما قلته في تلك المقالة: “لقد هَبَّت أكثرية الشعب السوري منذ عام وخمسة أشهر تنشد الحرية بطريقة سلمية الطابع، ومضت أكثر من ستة أشهر وهي تحاول أن تبقى هبَّتُها سلمية مع أن النظام المُتحكِّم ظَلَّ يتعامل معها بالبطش وارتكاب المجازر الفظيعة. ولم يعد في إمكان المعارضين لذلك النظام المرتكب لتلك المجازر إلا محاولة حماية المدنيين السلميين وإن بالقوة المسلَّحة”. على أني أشرت إلى عدم مسارعة سكان مدينة حلب الكبيرة إلى أكثرية شعبهم. وعدم تلك المسارعة أمر يعلمه السوريون أكثر من غيرهم، لكنه كان عامل قوة للنظام المُتحكِّم. ويضاف إلى ذلك عدم وحدة المعارضة السياسية في الخارج بحيث يكون هناك تعاطف من الآخرين معهم.

ومن المقالات التي كتبتها عن الوضع المأساوي في سوريا مقالة نُشِرت في 9-7-2012م بعنوان (هكذا يستمر المتخاذل عن مناصرة الحق). ومما ذكرته في تلك المقالة السبب الأكبر لوقوف إيران مع النظام المُتحكِّم في سوريا، وهو الارتباط المصيري بين النظامين في إيران وسوريا. وكان ذلك الارتباط قد اتَّضح منذ أن وقف النظام في سوريا مع النظام في إيران في حربه ضد العراق، التي كانت تحت قيادة صدام حسين، الذي كانت بينه وبين حافظ الأسد عداوة معروفة. وكان ذلك الموقف الأسدي، في جانب منه، بمنزلة اعتراف بالجميل؛ إذ عدَّ الخميني النصيريين، الذين سُمُّوا العلويين بعد احتلال فرنسا لسوريا، مسلمين. وكان المذهب الجعفري (الإمامي) لا يَعدُّهم كذلك. وكان من أسباب وقوف إيران مع النظام المجرم المُتحكِّم في سوريا إدراك قادة إيران أن زوال الحكم المُتحكِّم في سوريا يضعف النفوذ الإيراني في لبنان، ويُهدِّد استمراره في العراق. وذلك لو حدث قد يُؤدِّي إلى هَبَّة شعبية في إيران ذاتها. وموقف الاتحاد الروسي المشترك مع النظام السوري في جرائمه هو بمنزلة إعادة لسلفه الاتحاد السوفييتي، الذي كان يساند الشيوعيين في العراق، الذين كانوا يسحلون المعارضين لهم في الشوارع، ويدفنون الناس أحياء كما حدث في كركوك. ومما لا أكتفي بالقول: إنهم متواطئون فحسب، الأخضر الإبراهيمي، الذي تُبيِّن مواقفه البالغة السوء أنه، حقيقة، أكبر مُشجِّع للنظام السوري المرتكب للجرائم البشعة. ومن الأدلَّة على ذلك أنه لم يشر مرَّة واحدة إلى ارتكاب ذلك النظام لتلك المجازر وذلك التخريب عندما هَبَّ المعارضون مطالبين بالحرية بطريقة سلمية قبل أن يضطروا إلى استعمال القوة دفاعاً عن أنفسهم ومواطنيهم المسالمين.

ومن الأدلَّة على ازدياد المتواطئين مع النظام السوري المجرم أن أكثرية الدول الأوروبية - ولها ما لها من وزن في ميزان القوى العالمية - وقفت ضد السماح لإمداد المعارضة السورية بالسلاح الذي يمكن أن يوقف ذلك النظام عند حَدِّه، مع علم تلك الدول أن السلاح يَتدفَّق عليه من روسيا وإيران. على أن كلَّ المتواطئين في جانب والحكومة الأمريكية في جانب آخر؛ إذ هي الأخطر والأهم.

عندما قامت الهَبَّة الشعبية في سوريا منادية بالحرية صَرَّحت الإدارة الأمريكية بأن الأسد فَقَد شرعيته، وأنه لا بد أن يَتنَحَّى. لكن سرعان ما بدأ موقف تلك الإدارة يَتغيَّر، وإذا بها لا تكتفي بعدم إمداد المعارضة السورية بالسلاح؛ بل تقف لتحول دون إمداد الآخرين لها بالسلاح أيضاً. ولقد تَعدَّدت آراء الكتَّاب حول أسباب ذلك التغيُّر. ولكل كاتب رأيه الذي فيه من الوجاهة، أحياناً، ما فيه. لكني أرى أن السبب الجوهري هو أن الكيان الصهيوني أعلن - بعد أَقلَّ من شهرين من قيام تلك الهَبَّة - ألا مصلحة له في زوال النظام في سوريا. ومن المعلوم أنه ما دام لا مصلحة للصهاينة في زوال ذلك النظام الهادئة حدوده معهم في الجولان المُحتلَّة أكثر من أربعين عاماً فإنه لا بد للإدارة الأمريكية من مراعاة تلك المصلحة.

ومن المقالات التي كتبتها حول الوضع المأساوي في سوريا مقالة نُشِرت في 29-10-2012م بعنوان (ما يجري في سوريا هو ما كان مُتوقَّعاً). وكان مما قلته في آخرها: “ما جرى في سوريا - وما زال يجري - كان مما تَوقَّعت حدوثه. وأراني الآن بعد أحد عشر شهراً من كتابة تلك المقالة أعيد العبارة الأخيرة”.

ولقد ازداد اقتناعي بما ذكرته في مقالات سابقة. ومن تأمُّلي في سير الأحداث، ووصول إيران والروس إلى ما وصلوا إليه من قوة ونفوذ، ازددت اقتناعاً، أيضاً، بما كتبته في مقالتين، إحداهما بعنوان (التخاذل أمام النظام الإيراني) نُشِرت في 11-2-2013م والأخرى بعنوان (طأطأة الرُّؤوس أمام تَحدِّي إيران والرُّوس)، وقد نُشِرت في 20-5-2013م. ومن المؤلم أن المعارضين للنظام السوري الإجرامي لم يهتدوا إلى توحيد صفوفهم، سواء منهم الذين يمارسون نشاطهم في خارج سوريا أو الذين يحملون السلاح داخلها. ومن الأدلَّة الواضحة على ذلك ما حدث في الأيام الأخيرة. فقد فرح المخلصون لأُمَّتهم بتشكيل حكومة طرحت برنامجها طرحاً مُوفَّقاً، لكن لم تَلبث فصائل من المقاتلين أن كوَّنوا جبهة طرحت برنامجها طرحاً بعيداً عن التوفيق، بل إنه مُفرِّق للسوريين؛ إذ يحتمل أن يترتَّب عليه التصادم مع الجيش الحر، ومُنفِّر لغير السوريين، وبخاصة الذين لهم قوة عالمية في أوروبا وأمريكا.

كشف الله الغُمَّة عن أُمَّتنا، وألهمها الصواب.

مقالات أخرى للكاتب