Friday 06/12/2013 Issue 15044 الجمعة 02 صفر 1435 العدد
06-12-2013

بين إسبان الشمال والجنوب

كان الأندلسيون في جنوب إسبانيا في عصر المرابطين أكثر قوة منهم في عصر الطوائف، لكنهم مع ذلك لم يكونوا أصحاب أهداف بعيدة المدى يتكئون عليها في سياساتهم، وإنما كان همهم الوصول إلى كرسي الحكم عن طريق غزو بعضهم البعض، وفرض سلطانهم المؤقت الذي يرتفع تارة وينخفض تارة أخرى بناء على الحاكم في زمانه، وظلوا كذلك مدة طويلة.

من الجانب الآخر نجد أن إسبانيا النصرانية كانت أيضاً تسير في ذات الطريق في تلك الفترة، إلاّ أن تغيراً كبيراً قلب موازين الصراع في إسبانيا ولو بعد حين، وهو وضع إستراتيجية تهدف إلى إنهاء حكم المسلمين في إسبانيا وإخلائها منهم، وقد بدأ ذلك من خلال النفوذ البابوي الذي أخذ في بسط سيطرته الروحية على ممالك إسبانيا وتحويل الصراع على الأرض إلى صراع مقدس، وربما أن ذلك قد بدأ في عهد الفونسو السادس المتوفى عام 1108م الموافق 501هـ, وقد كانت أصعب معاركه المقدسة - كما يزعم - موقعة الزلاقة المشهورة بينه وبين المرابطين، وكان من سوء حظه أنه قد واجه جيشاً إسلامياً لم يكن كبيراً في عدده وعدته، لكنه كان يمتلئ إيماناً بمبدأ، كما أن قائده يوسف بن تاشفين، ومن معه لم يكونوا أصحاب حضارة في ذلك الوقت، وإنما كانوا سكان صحراء يأكل قائدهم لحم الإبل والغنم ويشرب لبنها، ويعكف على صلواته ودعائه، ويلبس الخشن من الملابس، ولا يعرف وقتاً للراحة، وكان جل جنده القادمين من صحارى المغرب ينهجون نهجه في حياتهم الخاصة.

انهزم جيش ألفونسو السادس، ولاذ بالفرار بعد أن قُتل من جنوده عددٌ لا يُحصى، واستطاع بحنكته وقوة بأسه أن يجمع شتات جيشه، وأن يبث في نفوس الممالك الأخرى روح الدفاع الديني الذي رسخه في قلوبهم المجلس البابوي، وهكذا شكَّل جيشاً رأى أنه قادر على مواجهة المسلمين.

وفي المقابل أرسل يوسف بن تاشفين ابنه تميم الملقب بأبي طاهر، لملاقاة ألفونسو العائد للحرب، لكن ألفونسو في ذلك الوقت أضحى شيخاً كبيراً، عاجزاً عن قيادة الجيوش، ولرفع معنويات جيشه أرسل ابنه الطفل سانشو على رأس الجيش الكبير، فكانت موقعة كبيرة لا تقل عن موقعة الزلاقة وتُسمى موقعة “إقليش” ومن سوء حظ هذا الملك ألفونسو السادس أن ابنه الصغير الوحيد قد قُتل في تلك المعركة التي يعتبرها مقدسة لديه، حيث خاضها بباعث ديني وباعث آخر انتقامي لكنه لم ينل مبتغاه وباء بالخسران، وأخذ الاكتئاب والألم النفسي من الملك العجوز ألفونسو السادس كل مأخذ فتوفي بعد أن فقدَ ابنه الوحيد ووريث عرشه.

كان عدد من الفرسان الفرنسيين والأوروبيين قد قدموا لنصرة الإسبان في عهد ألفونسو السادس، بعد انتهاء الحرب الصليبية في المشرق وخروج الصليبيين من القدس، وكان منهما فارسان نبيلان قدما من فرنسا، وهما الكونت ريمون والكونت هنري، فأراد أن يكافئهما على بطولتهما بتزويجهما من ابنتيه أوراكا التي تزوجت بريمون، وبترسيا التي تزوجها هنري، وفي الواقع أن بترسيا لم تكن بنتاً شرعية وإنما كانت من إحدى خليلات الملك وتسمى خمينا توشي، وقد منح في ذلك الوقت ابنته أوراكا إحدى المناطق، بينما منح ابنته الأخرى بترسيا أراضي لوزيتانا (البرتقال) وهي أراضٍ قد تم اغتصابها من المسلمين، وبهذه الزيجة أخذ النفوذ الفرنسي يدخل إلى الأرض الإسبانية.

لقد واجه الملك ألفونسو مشكلة في وراثة العرش بعد وفاة ابنه الوحيد، كما عانت إسبانيا النصرانية مشكلة بعد وفاة ألفونسو العاجلة عقب موت الوريث، ومع هذا فقد بقي المسلمون دون حراك يُذكر، ودون أن يستغلوا ذلك الظرف المناسب، لأن فكرهم قد خلا من إستراتيجية منظمة يستطيعون من خلالها بلوغ مراميهم ولو بعد حين وقد بقوا في أماكنهم يسمعون بما يجري عند خصومهم دون حراك منهم، وهذه واحدة من الفرص العديدة، وربما نأتي على فرصة أخرى في المقال القادم.

مقالات أخرى للكاتب