Wednesday 11/12/2013 Issue 15049 الاربعاء 08 صفر 1435 العدد
11-12-2013

منظمة الطلاب العرب والعمل الطلابي الوطني

ذكرت في مقال سابق كيف أن منظمة الطلبة العرب بقارة أمريكا الشمالية عبر مختلف جامعات الولايات المتحدة الأمريكية قد شكلت تجربة غير معهودة لمعظم من مروا بها من طلاب غير سعوديين وسعوديين على حد سواء. فكان ذلك على مستوى تعلم تشكيل وهيكلة التنظيم الطلابي رئاسة انتخابية ونوابا لها ورؤساء لجان منتخبين, وعضويات

عاملة وعضويات مؤازرة وصولاً إلى التكوين الأعم للمنظمة كجسد طلابي ممثلاً بالجمعية العمومية للمنظمة الممثلة لجميع الطلاب من أعضائها، سواء النشطين فيها أو المنتمين إليها كعضوية شرفية. كما كان ذلك على مستوى تعلم إستراتيجية وتكتيك إدارة علاقة هذا التكوين الطلابي بالجامعة كمنظمة معبرة عن صوت ومصالح الطلاب مقابل التنظيم الرسمي للجامعة.

كما كنت قد ذكرت في المقال السابق أن منظمة الطلبة العرب استطاعت أن تترك على مستوى تجربتي الشخصية في التعليم الجامعي بأمريكا نهاية السبعينات بصمة لا تمحى في تطوير فهم نقدي لمعنى العمل الطلابي والوطني معاً.

“بلادي بلادي بلادي أنت ثورة على الأعادي

بلادي يااااأم البلاد أنت غيتي والمراد

والحق لا بد يعاد بكفاحي وجهادي”

ذلك كان النشيد الحركي لمنظمة الطلبة العرب وهو نشيد محور عن النشيد الوطني المصري, وقد طوره الطالبات والطلاب وقتها ليعبر عن مجمل الوطن العربي.

على أن وفاة أحمد فؤاد نجم يرحمه الله بالأمس قد أثارت الكثير من الشجن الدفين لأيام منظمة الطلب العرب, بقصائده العامية “ مصر يمه يابهية، ورجعو التلمذة للجد تاني”. وسواها من الشعر الشعبي الخارج بشهده من رحم الحارات والأحياء والأرواح المجرحة بالبحث عن رغيف حلال ونفحة الكرامة التي كان يحولها صوت الشيخ إمام إلى حالة وطنية عامة تعبر عن أشواق الشعوب للعدل والحرية. فقد كانت ألحان الشيخ إمام وقصائد محمود درويش وأحمد دحبور وقصص وروايات غسان كنفاني ونجيب محفوظ ويحيى يخلف والأفلام التسجيلية كرجال تحت الشمس والأناشيد الثورية بريشة الوتر التي يعزفها بعض الطلاب فاكهة المواسم القليلة في الجهد المضني الذي كان يتطلبه التزام العمل بمنظمة الطلبة العرب. فقد كان العمل يتأسس على عدد من المبادئ الصارمة في إعادة تربية الذات الطلابية على مبادئ المساواة بين الطلاب والطالبات وبين الاجيال وبين مختلف المرجعيات الطبقية، وعلى العلاقات الديموقراطية والإدارة اللامركزية وعلى تقديم مفهوم جديد للعمل، بحيث يخرج الطلاب على موقع الاكتفاء برفاه العمل التعليمي والفكري إلى مواقع منغمسة في العمل الميداني.

والحقيقة ان تجربة العمل داخل منظمة الطلاب العرب آنذاك كانت تتكون من بعدين بعد نقابي وبعد سياسي. غير أن ما ميز منظمة الطلبة العرب في ذلك الحين هو أنها كانت تقوم على محاولة رأب الفجوة الرأسية بين البعدين النقابي والسياسي. لقد كانت تلك الفجوة محطاً للنقد الطلابي في موقفهم من التركيبة السلطوية للعمل السياسي العربي في نسخه المعارضة من البعث بانشقاقاته إلى ما تمخض عن منظمة التحرير الفلسطينية من فصائل سياسية متعددة، عدا عن القومية والناصرية والشيوعية, حيث كان معظمها على الأغلب العام استنساخا للهرم السلطوي في تركيبة الانظمة. فكان الطلبة العرب في عملهم داخل منظمة الطلبة العرب لايكتفون بتلك الانشطة الطلابية التي تقتصر على إعداد المحاضرات والندوات الثقافية ولكنهم يوغلون في العمل الميداني داخل المدن الجامعية وفي المجتمع ككل.

وكان العمل النقابي يتراوح من الدفاع عن الحقوق الطلابية والانخراط في النشاطات الرياضية والاجتماعية المتعددة بالجامعة إلى تقديم المساندات اللوجستية لبعضهم البعض وللطلاب الجدد وللشرائح الهامشية في حيزهم من المجتمع المدني الامريكي. ويدخل في ذلك العمل على خلق ما يشبه التحالفات التعاضدية التطوعية مع الأمريكين السود والتشيكانو وضحايا الحرب الفتنامية وأقليات الجاليات المختلفة كالعرب والإيرانيين والأتراك والإرتيريين، بالإضافة إلى الهنود الحمر والاقلية الأمريكية البيضاء المتمردة على الإرث المكارثي والهيمنة الإمبريالية للنظام الرأسمالي متمثلاً في علاقة الإدارة الأمريكية بشعوب العالم النامي. كما كان العمل السياسي الطلابي إن صح التعبير يتراوح من تنظيم الاحتجاجات والاعتصامات إلى الخروج في المسيرات والمظاهرات الطلابية الخاصة بالطلب العرب أو العامة. هذا بالإضافة إلى قيام مجموعات من طلاب منظمة الطلبة العرب وكنت منهم بكتابة وطباعة الكتب والمنشورات بأيديهم باللغتين العربية والإنجليزية في مختلف القضايا التي كانت تشكل قضايا وطنية وسياسية مفصلية في الوطن العربي لتلك المرحلة من السبعينات. وكانت تلك المطبوعات التي يلطخ الطلاب العرب لأول مرة أيديهم بحبرها, مثلها مثل المحاضرات و الندوات في الإطار العام لمنظمة الطلبة العرب تأتي تعبيرا عن رسالة سياسية معارضة او على الأقل تقدم وجهة نظر نقدية.

فكانت إما تكتب وتحرر بهدف التثقيف وتطوير الوعي النقدي الذاتي للطلاب أنفسهم في موقفهم من السائد العربي ومن سلطة المسلمات السياسية المستأثرة أو انها تكتب/ تقدم بدافع توعية المجتمع الأمريكي بالقضايا والإشكاليات العربية, خاصة في تعالقها مع السيامية الأمريكية الإسرائيلية لفرض حالة من الهيمنة الإمبريالية على المنطقة للسيطرة على موارد النفط من ناحية ولتكريس الإستعمار الاستيطاني بفلسطين من الناحية الأخرى. وفي إطار هذه الجهود كانت مجلة المسيرة منبرا هاما من منابر منظمة الطلبة العرب، بل إنني وقد كنت من المدمنين على متابعتها أستطيع الزعم بأن من يراجع أعدادا من مجلة المسيرة على مدار عقد من الزمان أو أكثر, يمكنه أن يضع يده على أرشيف موثق أو على وثيقة تاريخية لمد وجزر مناخ المعارضة السياسية الطلابية لوقائع واحداث تلك المرحلة من السبعينات. فكما ظهرت على سبيل المثال أعداد من مجلة النييوزويك والتايم الأمريكية عام 1977 تحمل أغلفتها صورا تحتفي برحلة السادات لدولة العدو الإسرائيلي, وتبرز شروعه في الصلح ومصافحته التاريخية مع قادتهم، فقد ظهرت مجلة المسيرة والعديد من مطبوعات منظمة الطلبة العرب تحمل عناوين المعارضة الطلابية الاحتجاجية الحادة لمد يد الصلح العربية للأيدي الملطخة بدماء الشعب الفلسطيني، من قيادات دولة الإستعمار الإستيطاني على أرض فلسطين. والحقيقة أن القضية الفلسطينية كانت قد شكلت وقتها بؤرة العمل بمنظمة الطلبة العرب كما كانت الشاغل والقاسم المشترك الأعظم لمجمل القضايا العربية التي كانت تشغل الرأي العربي العام حينها. فكان يلتقي عليها الطلاب العرب بنات وأولاد ومن الدول الغنية والفقيرة على حد سواء في وحدة رمزية باختلاف ميولهم ومشاربهم ومواقفهم السياسية والأيدولوجية وتعددها. ليس هذا وحسب بل أستطيع القول إن ذلك النشاط الطلابي العضوي بالمعنى الجرامشي حوْل القضية الفلسطينية، قد اعاد تربية وجدان و ضميرالطلاب العرب تجاه القضية الفلسطينية وتجاه اسطورة المقاومة. وقد نتج عن ذلك حالة من رد الاعتبار لتلك القضية الإنسانية العادلة في وعيهم بها وفي الوعي الذي حاولوا أن ينشروها عنها داخل المجتمع الأمريكي ليصححوا به، عبر الأنشطة الطلابية المختلفة، تلك الأحادية المنحازة للرواية الصهيونية حتى في الأواسط الأكاديمية والثقافية الأمريكية. ولهذا كانت الليلة العربية التي تقام سنويا على مسرح الجامعة كمجرت العادة في معظم الجامعات الأمريكية تتحول إلى ليلة فلسطينية بامتياز. غير أن ذلك لم يمنع على الأقل على مستوى تجربتي بجامعات الشمال الغربي في المدن الجامعية كيوجين وكرفالس من تنوع نسبي. وقد شهدت وشاركت في تنويع فقرات الليلة العربية وتطعيمها لتعكس الطيف الواسع لتعدد المرجعيات الثقافية والفلكلورية للوطن العربي. كما أنه كان للطلبة القطريين تحديدا من طلاب المنظمة دور بارز ومميز في التعبير عن الإبداع الخليجي من استعادة خواص حياة الغوص بقسوتها الجارحة إلى تلك العروض الفلكلورية المذهلة للعرضة وعروض الفروسية وحفلات الختان والزوجات وسواها من سيرة الخليج الثقافية والحياتية والاحتفالية. ولم يكن ذلك النشاط المنبري الوحيد لمنظمة الطلبة العرب ولكن كان هناك أيضاً.

يتبع الأسبوع القادم.

Fowziyaat@hotmail.com

Twitter: F@abukhalid

مقالات أخرى للكاتب