Thursday 12/12/2013 Issue 15050 الخميس 09 صفر 1435 العدد
12-12-2013

الألوان في الطيف السياسي العربي

عادت عقارب الساعة للحركة عكس اتجاهها الحالي في مصر، بعد أن فشلت الثورة المضادة في إقناع الجماهير بخارطة الطريق، فالوضع الآن ينتظر محطة سياسية بلا ألوان في تاريخ مصر السياسي، ولكن تصب في مصلحة الشعب المصري دون تفرقة، ومصر التاريخ لها صولات وجولات في التاريخ العربي، وتؤدي أدوارا قيادية في محطات السياسة العربية، وحتما المرحلة القادمة لن تكون في اتجاه حركة سياسية معينة مثل الإخوان أو الحزب الحاكم السابق ممثلاً في الجيش الحالي، واللذين فقدا فرصة القيام بإصلاحات سياسية في أحزابهم ومرجعياتهم، وكان من المنتظر أن يتخلى الإخوان عن أفكار المرشد الذي يعمل تحت أمرته وإرشاده السياسيون في الحزب، وأن لا يكون للجيش لون خاص في الحياة السياسية ليكون الحاكم بأمره في الدولة.

ما يحتاجه البلد العربي الشقيق هو تعدد الألوان في أطيافه السياسية، على أن لا تحكمها فكرة محددة، أو لون يتميز به أعضاء الجماعة السياسية عن غيرها، وفوقية اللون الحاكم أزمة عربية في الوقت الحاضر، وذلك لمحاولات اختزال الفكر والقرار السياسي في فئة محددة، مثلما حصل في كثير من الدول العربية، وكان ذلك سبباً في قيام الثورات وخروج الناس في الشوارع، لذلك لن تقبل الشعوب العودة مرة أخرى إلى حكم اللون الموحد، لأن طبيعة الأشياء التعدد وإختلاف الأفكار، وما يجمع الناس هو التخطيط الاقتصادي والإداري في مهمة إخراج البلاد من الفقر والجهل إلى الرخاء والاقتصاد المتين، لذلك نجح الأتراك في تجاوز دكتاتورية الجيش إلى حكم سياسي متعدد يقنن الاختلاف، ويفتح أبواب العمل السياسي للجميع باختلاف أفكارهم واتجاهاتهم.

لهذا السبب يدعو المفكرون السياسيون إلى تأسيس ثقافة المجتمع المدني على أسس غير مؤدلجة بأفكار أو أحزاب مذهبية، ولكن على أسسس مدنيه خالصة، هدفها مساعدة الناس ومساهمتهم بغض النظر عن انتماءاتهم الأيدولوجية، ومن أجل الوصول إلى تلك الأهداف لابد من العمل مبكراً على دفع الناس إلى العمل في آليات المجتمع المدني بدون فصل عنصري أو طائفي، وذلك أن تكون الجمعيات المدنية متعددة الألوان وتسمح بالاختلاف، مثل أن لا تكون هناك جمعية خاصة للسلفيين وأخرى للإخوان، وأخريات للصوفيين والأقباط، وإن حدث ذلك سيؤدي إلى تأسيس مجتمع مدني قائم على التفرقة والانقسام في الوطن الواحد.

لهذا السبب يرفض بعض الأصوليين فكرة الوطن، وذلك لأنها تخالف مبادئهم وفكرة اللون الموحد، والتي تقوم على الانقسام والتفرقة، وهو الطريق الذي يسلكونه إلى للقبض على كرسي السلطة، ثم نفي الآخرين، وإبعادهم عن السلطات لحجة أنهم علمانيون أو ليبراليون أو من طوائف دينيه تخالف اجتهادهم الديني المتطرف، وتشكل هذه الأنماط الاستبداد الذي أسهب في الحديث عنه العلامة الكواكبي، عندما تناول في كتابه الشهير وجوه الاستبداد، وربطها بالدين والقومية والمذاهب باختلاف أنواعها، والتي يمكن اختزالها ببساطة في الفكر والاجتهادات السياسية التي تقوم على أسس فكرية مؤدلجة بمصالح القلة في مواجهة الغالبية.

ولهذا أيضاً يؤمن بعض المؤدلجين أن النجاة لا تتحقق إلا بحكم الأقلية الراشدة في مواجهة الأغلبية الضالة، وهذه الرؤية أستخدمها العساكر واليساريون والليبراليون والإسلاميون في كثير من التجارب العربية السياسية وغيرها، والغرض منه الاستيلاء على السلطة والثروات، وبالتالي التحكم في مصير الأجيال القادمة، وربما بسبب تلك التجارب المريرة ستكون الثورة القادمة في مصر ضد العسكر الذين يرفعون عبثاً شعار اليسار القومي، لكنهم في حقيقة الأمر يريدون القبضة على مصالح الوطن، وستكون ضد الفكر الديني السياسي الذي يتميز بلونه الموحد وأساليبه المتفق عليها، والتي تجعل منه أمة في داخل وطن، ويكون لهم القول الفصل في حياة الناس ومستقبلهم.

في المستقبل ستكون الكلمة للتعددية والاختلاف، الذي لا يختلف مع الدين الحنيف في نقائه وسموه، ولا يتعارض مع الثقافة العربية التي تجمع الناس في وعاء حضاري يتمد تاريخه إلى أكثر من ألف عام، ولا يتقاطع مع مصالح الشعوب في العيش بعزة وكرامة في الوطن بلا ألوان تفرقهم أو فئوية تجعل منهم طبقات ومراتب من دون العالمين.

مقالات أخرى للكاتب