Thursday 12/12/2013 Issue 15050 الخميس 09 صفر 1435 العدد
12-12-2013

لو كان مسلماً لما خلدوه تكريماً وتشريفاً!

طار العالم إعلاميا بمانديلا تكريما وتخليدا، كما فعل من قبل وما يزال يعيش بهوسه بتخليد غاندي الهندوسي، عابد البقر. هذه الشخصيات، شخصيات عالمية حديثة، خلد العالم ذكراها دون اعتبار لدين أو لغة أو عرق. بينما لم يظفر كثير من عظماء العالم من دعاة الحرية والكرامة ما ظفر به هؤلاء (من تكريم على مستوى عالمي لا إقليمي)، كإبراهام لينكون مثلا. وذلك على الرغم من أن لينكون قد نشر عالميا أعظم حرية إنسانية أصيلة، والتي قد تُعتبر في شمول انتشارها اليوم بأنها هي الأشمل تطبيقيا في تاريخ الإنسانية جمعاء، وذلك بتحرير الرق وإنهاء العبودية في المجتمع الإنساني.

نعم ركز الإعلام العالمي على مانديلا كما ركز على غاندي من قبل، لأن كلا الرجلين قادا قومهما للحرية بالسلم، دون عُنف يدمر البلاد إنسانيا واقتصاديا، ومن دون تحزب وطائفية. وفي قوم مانديلا مسلمون، وفي قومه، كذلك، قبائل وعشائر متناحرة ومتنازعة. وكذلك كان الحال بل أشد منه في قوم غاندي، وعداوتهم بين بعضهم البعض. فما كان الرجلان إلا رحمة على المسلمين وجمعا لهم، رغم مقاومة المسلمين لهما وخاصة في الهند. وما كان الرجلان إلا بلسما مداويا للطائفية والحزبية والقبلية في قومهما. لم يمجد العالم جميعه إبراهام لينكون النصراني مع ما تسبب فيه من إلغاء للرق، لأنه لم تكن هناك حزبية وقبلية وطائفية تعرقل جهود كل داعية سلم وحرية، ولأنها كذلك حرية قامت على الدماء داخلياً، وعلى التهديد بالقوة عالمياً.

قالوا: لو كان مانديلا مُسلما لما ذكره الإعلام العالمي! وقالوا: أين الإعلام العالمي عن فلان الذي كبر في الساحة الدولية؟! وأين الإعلام عن فلان الذي اعترف بإسلامه في هذا المحفل أو ذاك؟!. نعم، هكذا عاش المسلمون مخدرين بوهم أفضليتهم المطلقة معتقدين أن العالم قد حسدهم عليها. فمن أجله غبنهم العالم حقوقهم، وجحدوا فضائلهم وتجاهلوا عظماءهم. نعم، هكذا عاش المسلمون يلومون الآخرين وقد نصبوا الإسلام سبباً يعلقون عليه أنواط فشلهم وتقصيرهم ومعايبهم. وهم باطل، تسلى به المسلمون عن حقيقة واقعهم وارتضوه به بدلاً عن التفكر فيه بأمانة، ومن ثم العمل على الخروج منه.

نعم هكذا قالوا، لو كان مانديلا مسلماً لما أبه به الإعلام العالمي! ولم هذا الاعتقاد؟ وعلى أي أساس قام؟ هل هناك من شواهد سابقة أو معطيات مُستجدة تقود إلى هذا الاعتقاد؟ أعطوني مسلماً قاد شعبه أو قومه للحرية دون قتال ودماء، بغض النظر إن كان قد صدح بإسلامه أم لم يصدح، فهؤلاء آيات إيران يصدحون بإسلامهم في كل محفل ومشهد، ثم ماذا؟ بل أعطوني رمزا من رموز المسلمين من بعد القرون الثلاثة المفضلة الأولى، قد قاد قومه إلى حريتهم وقد جمع بين مذاهبهم وأديانهم، لا متخذا إياها مطية لتحقيق أهدافه!.

وأصل نشأة هذا المُخدِر الفكري عند المسلمين هو من فتنة المعتزلة، ثم مع كثرة النزاعات والدماء على الحكم والممالك في التاريخ الإسلامي. مما دعم تدخل الفقهاء في شتى شئون المسلمين الحياتية، وحشروها حشراً في كتب الفقه، رغم أنها أمور ومعاملات قد سُكت عنها شرعا. فلم يسعهم ما وسع الرسول عليه السلام وأصحابه، فدعوا إلى كهنوتية الدين واختزاله على الفقهاء متأولين ذلك بمنع الفتن العقائدية والسياسية، ثم أيد بعضهم بعضا في ذلك حتى أصبح تديناً يدين كثيراً من الفقهاء به الله وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. هذه الكهنوتية هي التي منعت المسلمين قديماً وتمنعهم اليوم من إعادة النظر في تاريخهم وتاريخ غيرهم من الأمم.

مصيبتنا نحن المسلمون أننا لا نصدُق في قراءة التاريخ، لا الإسلامي منه ولا العالمي. ولا نصدق في قراءة سير عُظماء العالم، حتى ظننا أننا نحن القوم نحن ولا أحد غيرنا، في إنكار وتعامٍ عجيب عن الحقائق الماثلة أمامنا.

التاريخ كنز علوم تطبيقية عظيمة، يصبح داء قاتلاً إن لم يقرأ بأمانة وصدق. وقديما، كانت الأمم كلها تزور تاريخها بالتحسين والتجميل، بينما تفتري على تاريخ الأمم الأخرى. وأما حديثاً، فقد استيقظ العالم المتقدم، وفحصوا تاريخهم وتاريخ الأمم الأخرى ونقدوه نقداً أميناً. ولعلي لا أخالف الصواب، إن قلت بأنه لا توجد أمة في العصر الحديث، ما زالت تزور تاريخها وتخفي كثيراً منه وتعظم القليل منه وتفتري على تاريخ الأمم الأخرى وعلى سير عظمائهم وتتهم أي ناقد أمين أو باحث صدوق، إلا الأمة الإسلامية. فإن كان هناك من تهمة بجحود سير العُظماء وتجاهل حقائق التاريخ والاستهانة بثقافات الشعوب وتاريخها، فأولى العالمين بهذه التهمة اليوم في العصر الحديث هم المسلمون.

hamzaalsalem@gmail.com

تويتر@hamzaalsalem

مقالات أخرى للكاتب