Monday 16/12/2013 Issue 15054 الأثنين 13 صفر 1435 العدد

ما بعد حملة التصحيح

نشرت صحيفة الجزيرة مشكورة يوم السبت 27 محرم 1435هـ الموافق 30 نوفمبر 2013م مقالة لي بعنوان (حملة التصحيح... الثغرات والتطلعات)، وتستند فكرتها باختصار على رصد بعض السلبيات والتي من شأن الأخذ بها تحسين أداء الخطوات المتبقية من حملة التصحيح. وجاءت المقالة الحالية لاستكمال الصورة لدى صانع القرار في مقام وزارة العمل، ويمكن لأية مؤسسة رسمية تنوي تصحيح أوضاع معينة في المجتمع الاستفادة مما تناولته المقالتين.

من المسلم به أن حملة التصحيح التي تبنتها الوزارة وبمساعدة مقام وزارة الداخلية ستوفر وظائف ومهن متنوعة لأبناء المجتمع كانت تشغلها العمالة المقيمة بصورة غير قانونية، بل إن الحملة ستمنحهم خيارات متنوعة من الوظائف. وإذا كانت هذه المواجهة للعمالة المخالفة في طور التنفيذ والمتابعة والتقويم، فأعتقد أن أمام وزارة العمل مسؤولية أخرى تحتاج إلى تخطيط للقيام بها على نحو سليم، تسمى هذه الوظيفة بالتوجيه المهني.

وتتطلب هذه الوظيفة من الوزارة قيامها بمسؤوليات عديدة، وتتوزع إلى ثلاث مجموعات، المجموعة الأولى وتخص الشباب سواء أكانوا طلاب مدارس؛ بقصد إعدادهم للعمل، أم العاطلين والذين ينتظرون التوجيه لوظائف ومهن محددة، وهؤلاء هم المعنيون، والمجموعة الثانية وتوجه لأصحاب ورجال الأعمال في المؤسسات والشركات، والمجموعة الثالثة وتخص وزارة الخدمة المدنية.

ووزارة العمل في هذا المقام تقوم بوظيفة المربي، إذ لا تنتظر وزارة التربية والتعليم أن تقوم بها؛ لأنها أولوية من أولوياتها، فهي الجهة الرسمية في المجتمع المسؤولة عن مهن العمالة المخالفة المرحلين، وقيامها بها مؤشر من مؤشرات نجاح حملتها.

وتتمثل مسؤوليات الوزارة لأفراد المجموعة الأولى تعرفهم بأن عمل الإنسان جزء من العبادة التي خلقه الله من أجلها، وأن مزاولة العمل من أعظم الحلال، وكسبه من يده من أفضل القربات، وتكريم الإسلام للعمل والعمال، وتزودهم بأخلاقيات العمل في الفكر الإسلامي بوجه عام، وتحسن من اتجاهاتهم السالبة عن العمل اليدوي، إذ تتناول نماذج من سير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والمهن التي زاولوها، ونماذج من مهن الأجداد والآباء، ونوع المهن المتاحة، وملامح كل وظيفة، والسمات الشخصية والنفسية والمهنية الواجب توافرها في الشخص الذي يرغب بها، ومزاياها، وظروفها.

إن المتابع لوصايا علمائنا الأوائل في التربية المهنية يلحظ تأكيدات على قيمة العمل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده»، وفضل الإنسان العامل على الإنسان العابد، فعندما قدم أناس من أصحابه عليه الصلاة والسلام يثنون على صاحب لهم خيراً بقولهم ما رأينا مثل فلان قط ما كانا في مسرة إلا كان في قراءة ولا نزلنا في منزل إلا كان في صلاة قال عليه الصلاة والسلام «فمن كان يكفيه ضيعته؟ ومن كان يعلف جمله أو دابته؟» قالوا نحن قال» فكلكم خير منه».

كما يلحظ المتابع لوصايا العلماء الأوائل اهتمامهم بإمكانات الشباب وقدراتهم وميولهم إذ أوصى ابن سيناء بذلك قائلاً «ليس كل صناعة يرومها الصبي ممكنة له مواتية، ولكن ما شاكل طبعه وناسبه، ولذلك ينبغي لمدبر الصبي إذا رام اختيار صناعة، أن يزن أولاً طبع الصبي، ويسبر قريحته، ويختبر ذكاءه، فيختار له الصناعات بحسب ذلك»، كما أوصى الزرنوجي قائلاً «إن على المعلم أن يشخص طبيعة الطفل المبتدئ ومستوى ذكائه، ويعلمه على مقدار وسعه من العلوم الضرورية في الحياة كالقراءة والكتابة والحساب، ثم يتجه به إلى العلم أو الحرفة حسب استعداداته وتكوينه».

وتتمثل مسؤوليات الوزارة لأفراد المجموعة الثانية في توعيتهم بضرورة احتواء شباب المجتمع، والصبر على جهلهم، والترفع عن هفواتهم، ومنحهم فرصا كافية للتزود بمعارف ومهارات الأعمال التي تقدمها مؤسساتهم وشركاتهم، فالعمالة التي لديهم لم تأت تمتلك الخلفية العلمية والمهنية اللازمة، وإنما اكتسبت الكثير منها من مزاولة الأعمال، وتذكرهم بأن قيامهم بهذه المسؤوليات تجعلهم يجمعون الحسنيين، الحسنى الأولى توظيف الشباب وإشغالهم بمتطلبات الأعمال، والحسنى الثانية سد منابع الانحراف أمامهم وبالتالي المساهمة في جعلهم مواطنين نافعين لأنفسهم ومجتمعهم.

وتتمثل مسؤوليات الوزارة لجهة المجموعة الثالثة في تحقيق التنسيق بينهما؛ بقصد مع أسماء الشباب من الجنسين الذين هم في قوائم انتظار وزارة الخدمة المدنية؛ لتحقيق حراك محسوب في الأسماء وهذا قد يفيد في توافر فرص متكافئة للمتقدمين، فليس من حق الفرد التقديم على مكاتب العمل وفي الوقت نفسه لديه طلب على وزارة الخدمة المدنية، وتوظيف وزارة العمل خبرة وزارة الخدمة المدنية في جذب الشباب لأعمال القطاع الخاص.

ويمكن للوزارة اتباع وسائل للقيام بهذه المسؤوليات لأفراد المجموعتين كعمل مطويات وتوزيعها على الشباب الذين يتقدمون إلى مكاتب العمل المنتشرة في مناطق المملكة، وإعداد برامج إعلامية عبر وسائل الإعلام ولاسيما التلفزيون والصحافة؛ تستهدف تحسين اتجاهات الشباب نحو بعض أعمال القطاع الخاص، وإعداد استاندات لدى المؤسسات والشركات، والاستفادة من اللوحات الإعلانية في الطرقات العامة، وإعداد رسائل معبرة SMSعبر أجهزة الجوال.

يجب على المتابع أن يكون منصفاً للشباب فلا يستغرب عزوف بعضهم عن ممارسة مهن يدوية والإقبال على مهن إدارية وتجارية، وغياب سمات الموظف الكفء لديهم، وحدوث تقصير منهم عند القيام بعمل معين؛ فهم مارسوا أعمالاً لم يكونوا يوما يتوقعون أن يقوموا بها؛ لأنه ببساطة فاقد الشيء لا يعطيه.

نتمنى أن يأتي يوم وندخل أي مكان ولا نجد من يعمل فيه إلا أبناء المجتمع السعودي من الرجال والنساء، فهم الأولى بخيرات هذا المجتمع ومعطيات خطط التنمية، وهم خير من يصونها. وإذا كانت المملكة العربية السعودية أرض جاذبة للعمل، فنتمنى أن يأتي يوم وتكون جاذبة للانتباه في تحقيق الاكتفاء الذاتي من أبنائها.

والله الهادي إلى سواء السبيل.

- د. مساعد بن عبد الله النوح

Malnooh@ksu.edu.sa