Monday 23/12/2013 Issue 15061 الأثنين 20 صفر 1435 العدد
23-12-2013

أنت تكسب، وأنا أكسب!!

قبل سنوات كان هناك شيخ، اكتسب شعبية من خلال برنامج إفتاء تلفزيوني، وعندما سئل في مرات عديدة عن حكم نقل أعضاء الجسم، بما فيها نقل الدم، حرّم ذلك اشد تحريم، وعندما مرض، نقلت له كلية، ومعها كمية من الدم، ويبدو أن مريديه كانوا يكنون له الكثير من التقدير، والاحترام، بحيث لم يسألوه بعدها عن ذلك الموضوع.

وفي حالات أخرى أتيح لمشايخ آخرين أن يسافروا خارج الحدود، وتغيرت نظرتهم عن العالم الآخر، وكتبوا ما يشبه الاعتذار عن النظرة الخاطئة التي كانت لديهم عن الشعوب الأخرى، خصوصاً العالم الغربي، الذي حرص، ويحرص متشددون أن يقسمونا إلى فسطاطين، لا مجال للتفاهم بينهما، مهما كانت الظروف.

وبالمقابل، ولسنوات طويلة، وجد كثير منا أنفسهم يعملون مع أجانب، شركات و أفراداً، ووجدنا في كثير منهم (ولن أقول جميعهم) بساطة هي أقرب إلى السذاجة، ولكنها سذاجة من لا يحتاج إلى الكذب، أو الرياء، أو المواربة، في قول أو فعل، فهم لا يلبسون أقنعة، ولا يتحدثون بأكثر من لغة، وليس لديهم مصطلح «لكل مقام مقال»، لأن مقالهم واحد، بل أعترف أنه، في حالات معينة، حاولت إقناع أجانب، بأن بعض الكذب الأبيض، غير مضر، وقد يخلصنا من موقف محرج، ولكنهم ذكّروني، بأن لديهم أنظمة مكتوبة، وأخرى غير مكتوبة، تمنعهم من الكذب، مهما كان لونه.

في حالات أخرى لاحظت أنهم عندما يفاوضون، فهم لا يحاولون، بالضرورة، أن يضيعوا الوقت، بمحاولة تعظيم الفائدة، وإنما يضعون لأنفسهم هدفاً مقبولاً، ومتى ما وصلت المفاوضات إلى ذلك الهدف، فهم جاهزون للتوقيع، ويضعون لذلك مصطلحاً جميلاً، اسمه (Win - Win)، وترجمته أنت تكسب، وأنا أكسب، وهذا مخالف لتصرفاتنا الشرقية، حيث لا نتوصل إلى اتفاق إلا عندما نشعر بأننا كسبنا، وأن الطرف الآخر قد خسر، أو تنازل.

لكل هذه الأسباب، أستغرب الهجمة المضرية، ضد برامج ابتعاث طلبتنا إلى الخارج، لأنه بجانب الفائدة العلمية، فلديهم الكثير من التعاملات الجيدة، التي يحسن بنا التعرف عليها، والتعلم منها، بل إنني أتمنى أن يتاح لبقية مشايخنا، وبدون انتظار ظرف مرض ما، أن يزوروا الغرب، والشرق، والشمال، والجنوب، وأن يطّلعوا على ظروف، وأساليب حياة الشعوب الأخرى، بعيداً عن أي مؤثرات، أو أحكام مسبقة، لأننا وبكل صراحة، عانينا، ومازلنا نعاني، من ضيق أفق الكثيرين، ممن هم مهمون في تسيير حياتنا اليومية.

ختاماً أجدني مضطراً للاستدراك، والتفريق بين تصرفات تلك الشعوب الأخرى، وبين المواقف العدائية لبعض حكوماتهم، تجاه قضايانا الأساسية، وأهمها قضية فلسطين، ولكن التجارب علمتنا أن نفرق بين تصرفات الحكومات، وتصرفات الشعوب.

mandeel@siig.com.sa

مقالات أخرى للكاتب