Tuesday 24/12/2013 Issue 15062 الثلاثاء 21 صفر 1435 العدد
24-12-2013

الانتخابات لشغل المناصب القيادية «في المجتمع الأكاديمي»

“ فتح الترشيح لمنصب عميد كلية المجتمع في جامعة الملك سعود” هذا عنوان الخبر الذي نشرته “الشرق” الخميس الماضي في “محليات”، ولفت نظري في ثنايا الخبر وجود لجنة استشارية مركزية لاختيار عمداء الكليات والمعاهد في الجامعة، تستقبل ترشيح أعضاء هيئة التدريس في الكلية لعميدهم المستقبلي، وتقييمهم لعميدهم الحالي بكل حيادية ومصداقية والتزام، وتتولى الفرز ومن ثم الرفع لصاحب الصلاحية، كما أُعجبتُ كثيراً بالآلية التي اتخذتها اللجنة للترشيح بما يكفل سرية التقييم ويضمن عدم إثارة حفيظة النفوس بين الزملاء أعضاء هيئة التدريس، ويلغي بشكل كبير توظيف العلاقات الشخصية وبناء التكتلات أياً كان دافعها وسبب نشوئها في شغل هذه المناصب الإدارية المفصلية والهامة،، وتساءلت حينها ترى هل التكليف لهذه المناصب عن طريق الترشيح سيعيد ما كان في السباق من شغل هذه المواقع في جامعاتنا السعودية عن طريق الانتخاب؟.

شخصياً أعتقد أنّ المرحلة تستلزم إعادة النظر في الآلية المتبعة لتكليف شاغلي هذه المناصب القيادية “رئيس القسم، وكيل الكلية و عميدها” في جامعاتنا السعودية، والاستفادة من تجربة جامعة الملك سعود الإلكترونية في هذا الباب، وذلك للمبررات التالية:

* أن الأصل في المجتمع الأكاديمي أنه مجتمع مثالي في أخلاقياته، أنموذج مميّز في سلوكه، يعرف أفراده “أعضاء هيئة التدريس” الذين يشرفون بحمل مشعل العلم وتسبق أسماءهم حروف التميُّز الأكاديمي ما فيه مصلحة الوطن ويقدمونها على منافعهم الخاصة إذا تعارضتا، ولذا فهو المرشح وبقوة في تحقيق شروط الانتخابات النزيهة التي تصب في النهاية بخانة مصلحة العملية التعليمية في الجامعة، وتنعكس إيجاباً على مسار حياة الطالب الأكاديمية.

* أن سقف الحريات في المدن الجامعية عالمياً وعربياً بل وحتى خليجياً مرتفع، والثقة بعضو هيئة التدريس كبيرة، وإلا لما نال شرف التدريس في الجامعة، ومنحت له الفرصة المميزة لبناء عقول الشباب وتزويدهم بالنافع من المعارف والعلوم، ولكون هذا هو الأصل ولعدم الأخذ بالشاذ على أنه القاعدة، ولظروف المرحلة، ولتبدل الأحوال واختلاف الزمان فإن الترشيح هو الأمثل في نظري، ومن ثم تعرض النتائج بكل حيادية وموضوعية وشفافية من قِبل اللجنة الاستشارية لمعالي مدير الجامعة، والذي بدوره يرفعها لمجلس الجامعة برئاسة معالي وزير التعليم العالي صاحب الصلاحية في الإجازة أو الاعتراض على القرار، في مدة لا تتجاوز الخمسة عشر يوماً من تاريخ انعقاد المجلس.

* تعذر إمكانية معرفة مدير الجامعة أو حتى وكيلها للشئون الأكاديمية في الغالب الأعم، لجميع أعضاء هيئة التدريس الموجودين في هذه الكلية أو تلك، فضلاً عن الأقسام العلمية وكذا المساندة، ولذا مهما كان الجهد المبذول في حسن الاختيار فلن يكون كاختيار أعضاء القسم ومنسوبي الكلية لرئيسهم أو لعميدهم المستقبلي، كما أنّ حماسهم في العمل معه ودعمه وتشجيعه وتحفيزه للنجاح حين يكون تكليفه نتيجة اختيارهم، سيكون أكثر بكثير من وقفهم مع من يتم تعينه عليهم وهم له كارهون، أو أن أياً منهم يشعر بأنه الأحق سواء باعتباره الأسبق خدمة أو الأعلى رتبة أكاديمية أو الأجدر مهارة أو الأكثر دراية والتزاماً بالحضور وقدرة على الإنجاز أو الأقرب تخصصاً، ولحساسية الأمر بين الزملاء المتماثلين ورفقاء العمل، تلجأ المؤسسات العسكرية وهي الأخطر إلى تعيين الأقدم رتبة.

* مطالبة المجتمع المحلي والعالمي بالانتقال في مجالسنا ولجاننا المختلفة من الاختيار والاصطفاء إلى الانتخاب والترشيح، كما هو الحال في التجربة الديمقراطية، والجامعات هي المحضن الناجع والناجز لمثل هذه التجارب التي ما زالت في بلادنا حفظها الله وحماها بطور النشأة وفي مراحل التشكُّل الأولى، واختيار أعضاء هيئة التدريس لرؤساء الأقسام ووكلاء وعمداء الكليات هي الخطوة الأولى في هذا المسار، يتبعها خطوات كثيرة في المجتمع الأكاديمي نزولاً إلى السفح، وصعوداً إلى القمة.

* عدم ترتب أخطاء جوهرية ومضره في مسار العملية التعليمية والإدارية في هذه المؤسسات الأكاديمية، جراء الإقدام على هذه الخطوة المفصلية في تاريخ تعليمنا العالي، إذ إنّ القرارات في الجامعات قرارات جماعية وليست فردية، مرشدة تبدأ من مجلس القسم مروراً بمجلس الكلية ومن ثم اللجان المتخصصة وصولاً لمجلس الكلية، وما خالف ذلك فهو يتنافى والعرف الأكاديمي.

* أن السرية في الترشيح تتيح إمكانية عرض الأسماء المرشحة للجهات المختصة قبل البت فيها أو عرضها على مجلس الجامعة.

أعتقد أنّ الأمر يستحق دراسة علمية خاصة، وبناء تصور متكامل عن هذا المشروع المفصلي، ومن ثم عرضه بكل حيادية وشفافية على أنظار صاحب المعالي وزير التعليم العالي، الذي أعرف جيداً قربه من المجتمع الأكاديمي، وترحيبه بكل فكرة - أياً كان مصدرها - يمكن لها أن تسهم في بناء مجتمع أكاديمي أفضل، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.

مقالات أخرى للكاتب