Wednesday 25/12/2013 Issue 15063 الاربعاء 22 صفر 1435 العدد
25-12-2013

الميزانية: لكي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم!

مع إطلالة الميزانية العامة للدولة لهذا العام 1435هـ 2014م التي حملت تباشير الخير؛ نحمد الله تعالى على نعمة الأمن والاستقرار، وعلى وحدة الكلمة والاتجاه، في وقت تتمزق فيه أوطان وتتشتت فيه شعوب، وتحترق فيه مدن، في وقت تنزل فيه طائرات أنظمة ضالة مستبدة حممها على رؤوس مواطنيها؛ فلا يبقى إنسان ولا حجر ولا شجر إلا وصار ركاما ورمادا وقصة مؤلمة يسطرها التاريخ للأمم القادمة عبرة وعظة على استكبار وتوحش ودموية الطغيان.

نحمد الله تعالى أننا نبني وغيرنا يهدم، وأننا نعطي وغيرنا يمسك، وأننا نهب وغيرنا يمد اليد ويستعطي!

هذه مقدمة ليس لنا بد من أن نسطرها شكرا لله تعالى على نعمائه وفضله، وحمدا له على ما أفاء به علينا من الأرزاق والخيرات، وعلى ما أكرمنا به من الاستقرار والأمن والطمأنينة. وهي أيضا كلمات محبة متمنية أن يعم هذا الخير الوارف جميع أبناء المملكة؛ مثلما امتدت خيراتها إلى البعيد في كل مكان من هذا العالم.

فلا زالت فئات من أهلنا تعيش مع كل هذا الرخاء والوفرة والأرقام المليارية الهائلة في الميزانية بدخول محدودة بائسة، لم تمتد إليها بعد يد الإنقاذ والعون والمساعدة والانتشال؛ لا زال من يعيش بيننا من المحتاجين والمعوزين ممن يستحقون الزكوات والصدقات من يقتاتون على مساعدة شهرية من وزارة الشؤون الاجتماعية لا تتجاوز (862) ريالا!! فهل يمكن أن يتصور أي منا أن إنسانا يستطيع وحده العيش لمدة شهر بهذا المبلغ الزهيد لفئة من المسنين والعاجزين أو الأرامل والمطلقات، فئة تحتاج في أرذل العمر إلى مزيد من العناية الغذائية والصحية والراحة والاهتمام لا تحتاج معها إلى مد اليد أو انتظار ما يمكن أن تفيض به الأنفس الكريمة في شهر رمضان وغيره.

هؤلاء هم المشمولون برعاية وزارة الشؤون الاجتماعية التي عجزت مع الأسف أن ترفع سقف تطلعاتها وطموحاتها إلى ما يتواءم مع تطلعات وآمال هذه الشريحة الكبيرة من مجتمعنا ممن تستحق منا العون والمساعدة والاهتمام؛ فكم من فقير أو عاجز أو أرملة أو مطلقة تعيل صغارا تخلى عنهم عائلهم أو عجز عن رعايتهم أو رماهم في أحضان أمهاتهم لفقره أو فساده؛ فاجتمعت على تلك المرأة مصيبتا الطلاق والتشرد مع تحمل مسؤولية إعالة الأبناء دون وجود مصدر دخل يفي بذلك.

وإذا كنت أتحدث الآن عن أضعف طبقة في مجتمعنا وأقلها دخلا وأسوئها معيشة؛ وهم من تشملهم وزارة الشؤون الاجتماعية بقطارتها الشهرية التي لا تكاد تبل ريق من تزعم أنها ترعاهم؛ فإنني لن أكون أيضا بعيدا عن الحقيقة حين أذكر فيمن أذكر ممن يحتاج إلى التفاتة حانية ذوي المراتب الوظيفية العادية غير القيادية من مدنيين وعسكريين؛ فقد تضخمت المعيشة وزادت أسعار السلع وتعددت وتنوعت احتياجات الأسرة، وأصبح ما كان بالأمس ترفا واستهلاكا ضرورة لازمة اليوم؛ كوسائط الاتصال الحديثة بأدواتها وتنوعها؛ فأصبح رب الأسرة الذي يعول خمسة أو ستة أبناء مثلا ودخله خمسة آلاف ريال في الشهر يستدين أو يقترض أو يستخدم بطاقات الائتمان إلى الشهر الذي يليه، وهكذا دواليك، ونحن نعلم أن نسبة كبيرة من مواطني المملكة ينتمون إلى الطبقة المتوسطة وما دونها من موظفين وغير موظفين؛ مدنيين وعسكريين، وهم الذين يشكلون العمق الاجتماعي الحقيقي، ويؤكدون السلم والأمن والاستقرار، وهم أيضا من يؤثرون أو قد يتأثرون ويلقون السمع إلى بعض الناعقين والمخربين وفاسدي الذمم أعداء الوطن في الداخل أو الخارج؛ فإذا نحن وازنا بين متطلبات التنمية بتأسيس وتعميق البنية التحتية وتابعنا إنجاز ما نخطط له في التعليم والبلديات والطرق والمساكن، وارتفعنا في الوقت نفسه بدخول الطبقة المتوسطة وما دونها؛ فإننا نغرس أوتاد خيمة هذا الوطن بثقة وصلابة وقوة في أرض آمنة «لكي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم».

moh.alowain@gmail.com

mALowein@

مقالات أخرى للكاتب