Friday 27/12/2013 Issue 15065 الجمعة 24 صفر 1435 العدد
27-12-2013

رجال صدقوا: جابر بن سَمُـرة

صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلهم عدول، لأنهم نصروا رسول الله، ووصف عليه الصلاة والسلام عهدهم بأنهم خير القرون بعده، فكانوا ثقاة مخلصين، قد حرصوا على أخذ العلم عن رسول الله، في قوله وفعله وتقريره،

وبحسن اتباع، وعن رغبة ومحبة فتفقهوا في دين الله، وصاروا أعلم الناس بسنة رسول الله وأفقههم في الدين، فحملوا الرسالة بأمانة وبلّغوا الناس ما يحتاجون إليه بصدق.

وبعد أن انتشر الإسلام في الآفاق، ومع توسع البلاد التي وصلتها الفتوحات الإسلامية، ووجدوا في سيرتهم خيراً، وفي فهمهم للدين تعلماً وتعليماً وتطبيقاً، خير نبراس فكوّنوا خير طلاب في حمل الرسالة، وأداء الأمانة التي حملوها بإخلاص عن رسول الله فكانوا نعم المعلمين للطلبة المتشوقين.

وجابر بن سَمُـرة واحد من أجلاء الصحابة، ومن صغارهم سناً لم يروَ عنه أنه شهد شيئاً من غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم، لحداثة سنه، فقد أخرج الطبراني من طريق عثمان بن شيبه عن شعبة كما أخرجه مسلم برقم 2329 من طريق عمرو بن حماد بن طلحة، حدثنا أسباط عن سماك، عن جابر بن سمرة، قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم خرج إلى أهله، وخرجت معه، فاستقبله ولدان فجعل يمسح خدي أحدهم: واحداً واحداً، قال: وأما أنا فمسح على خدي.

فلذلك وجدت ليده صلى الله عليه وسلم برداً أو ريحاً كأنه أخرجها من جونة عطار (الطبراني 1909).

وقد أورد هذا الخبر الذهبي من طريق شعبة عن سماك عن جابر بن سمرة، بلفظ قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يمرّ بنا فيمسح خدودنا فمرّ ذات يوم فمسح خدّي، فكان الخد الذي مسحه أحسن (سير أعلام النبلاء 3-187).

وقد اختُلِفَ في اسمه وكنيته فقيل اسمه جابر بن سَمُـرَة بن جنادة بن جندب بن حُجير بن رئاب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة العامري السوائي، وقيل جابر بن سَمُـرَة بن عمرو بن جندب.

أما كنيته فقيل أبو خالد السوئي، وقيل أبو عبدالله، وهو وأبوه من أحلاف بني زهرة، وهو ابن أخت سعد بن أبي وقاص، أمه خالدة بنت أبي وقاص، سكن الكوفة، وابتنى بها داراً، وتوفي في أيام بشر بن مروان على الكوفة، وصلى عليه عمرو بن حُريث المخزومي (أسد الغابة 1-304).

وقد اختلف في تاريخ وفاته أيضاً، فقيل مات عن ست وستين، أيام المختار بن عبيد، قال بذلك عبيد بن القاسم بن سلام، وقال خليفة: توفي سنة ست وسبعين، وقال ابن سعد سنة 73 في ولاية بشر بن مروان، وقال ابن سعد سنة 74 في ولاية بشر بن مروان على العراق، إلا أن الذهبي رجح رأي خليفة بأن وفاته عام ست وسبعين (سير أعلام النبلاء 3-87).

ثم قال: وبكل حال مات قبل جابر بن عبدالله، وجابر بن عبدالله كان عمره عندما توفي 94 سنة في عام ثمان وسبعين، على أصح الروايات، وهو من المكثرين في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ روى عنه البخاري ومسلم 146 حديثاً، وأثبته الزركلي في الأعلام سنة 74هـ في ولاية بشر بن مروان على العراق، إلا أن الذهبي رجح رأي خليفة بأن وفاته عام 76هـ (سير أعلام النبلاء 3-87) ثم قال: وبكل حال فإن وفاته عام 76هـ وهو من المكثرين في الرواية، إذ روى عنه البخاري ومسلم 1540 حديثاً قال كل من الذهبي وابن الأثير في أسد الغابة: بأنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث لكن الزركلي حدد ما روى له البخاري ومسلم بستة وأربعين ومائة حديث (الأعلام 2-92) فقد أخذ عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بالرواية، وعن عمر وسعد وأبي أيوب ووالده، وحدّث عنه الشعبي وتميم بن طرفة، وسماك بن حرب وعبدالملك بن عمير، وأبو خالد الوالبي وجماعة غيرهم، وقد شهد خطبة الجابية، وشهد فتح المدائن (سير أعلام النبلاء 3-186).

وكان مما سمعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو يخطب: “إن بين يدي الساعة كذّابين”. فقال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: فاحذروهم (أسد الغابة 1-454)، وقليل من أحاديثه رضي الله عنه، التي رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسماع، إذ أغلبها تأتي بصيغة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال، كما روى عنه عبدالملك بن عمير أن النبي صلى الله عليه قال: “إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله”.

وروى عنه سماك بن حرب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن بمكة حجراً كان يسلم علي ليالي بعثتي” (أسد الغابة 1-304).

وقد وردت نتف من سيرته، في أكثر من ثلاث وعشرين مصدراً، مما يعطي أهمية عن دراسة حياته، وتلقط أخباره ومواقفه، كما اعتبره الفقهاء مرجعاً في كثير من المسائل الفقهية، استشهاداً وتأسياً إذ إن ابن قدامة وحده في المغني، استأنس به في ثلاثة وعشرين موضعاً، واعتبره الكتابي واحداً من فقهاء الصحابة في معجمه.

وفي سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوضح أنه جالس رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر بعضاً من صفاته الكريمة، مما يدل على حفظه وعنايته، فقد أورد ابن سعد في طبقاته، بسنده إلى سِماك بن حرب، قال: قلت لجابر بن سمرة أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم فكان طويل الصمت، وكان أصحابه يباشرونه يناشدونه الأشعار، ويذكرون اشياء من أمر الجاهلية فيضحكون ويبتسم رسول الله إذا ضحكوا.

ومرّة أخرى يحدد عدد المرات التي جلسها مع رسول الله، كما قال ابن سعد أيضا بسنده إلى سماك بن حرب: أن جابر بن سمرة قال: جالست رسول الله أكثر من مائة مرة، فكان أصحابه يناشدونه الشعر في المسجد، واشياء أخرى من أمور الجاهلية، فربما تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم. (طبقات ابن سعد 1-372).

ولما كان أكل لحم الجزور، موضع خلاف بين علماء المسلمين، هل ينقض الوضوء أم لا؟ فإن أغلبهم على أنه ينقض الوضوء، قال ابن قدامة في المغني: وجمله القول: إن أكل لحم الجزور “الإبل” ينقض الوضوء، على كل حال نيّئاً أو مطبوخاً، عالماً كان أو جاهلاً، وبهذا قال جابر بن سمرة ومحمد بن اسحاق وابن المنذر، ويحيى بن يحيى وهو أحد قولي الشافعي، إلى أن قال: ولنا ما روى البراء بن عازب، قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الإبل؟ فقال: “توضؤوا منها”، وسُئل عن لحوم الغنم عليه الصلاة والسلام فقال: “لا يُتوضأ منها” رواه أبو داود. وروى جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، أخرجه مسلم (المغني 250- 251) و(معجم فقه السلف 1-81).

والصلاة في معاطن الإبل لا تجوز، وهو مذهب مالك وأحمد وابن حزم، ودليلهم حديث أبي هريرة رضي الله عنه والبراء بن عازب، وعبدالله بن مغفّل: “لا تصلوا في أعطان الإبل، وهو حديث متواتر عن مسلم وأبي داود والترمذي وابن ماجه، وورد عن جابر بن سمرة، رضي الله عنه، لا تصلوا في معاطن الإبل ولا في مباركها” (معجم فقه السلف 2-122).

وبالنسبة للأذان فالمستحب للمؤذن أن يؤذن في أول الوقت ليُعلِم الناس عن دخول الوقت، فيأخذوا أهبتهم للصلاة، فقد روي عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كان بلال لا يؤخر الأذان عن الوقت، وربما أخر الإقامة شيئاً، رواه ابن ماجه، وفي رواية قال: كان بلال يؤذن إذا مالت الشمس، لا يحزم ثم لا يقم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا خرج أقام حين يراه، رواه أحمد بن المسند (المغني 2-66).

وفي ختم الصلاة: المشروع للمصلي أن يسلم تسليمتين عن يمينه وعن يساره، حيث روي ذلك عن جمع من الصحابة، وقد روي عن عائشة وسلمة بن الأكوع أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سلّم تسليمة واحدة.

لكنّ حديث ابن مسعود وجابر بن سمرة أصح كما قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ولفظ حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما يكفي أحدكم أن يضع يديه على فخذيه، ثم يسلم على أخيه من على يمينه أو شماله، رواه مسلم ثم قال صاحب المغني فصل: والواجب تسليمة واحدة والثانية سنّة، قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم، أنّ صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة، لكن القاضي قال: فيه رواية أخرى: أن الثانية واجبة، وقال في اصح لحديث جابر بن سمرة ولأن النبي كان يفعلها، ويداوم عليها، ولأنها عبادة لها تحللان، فكانا واجبين كتحلل الحج، ولأنها احدى التسليمتين، فكانت واجبة كالأولى (المغني 2-243).

وفي التسليم يسن أن يلتفت المصلي عن يمينه في التسليمة الأولى، وعن يساره في الثانية كما جاءت السنة في حديث ابن مسعود وجابر بن سمرة وغيرهما، قال الإمام أحمد ثبت عندنا من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره، حتى يُرى بياض خديه، ويكون التفاته في الثانية أوفى (المغني 2-247) والمغني لابن قدامة أشهر كتب الفقه عند الحنابلة.

mshuwaier@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب