Sunday 29/12/2013 Issue 15067 الأحد 26 صفر 1435 العدد
29-12-2013

سفارة لأمريكا في طهران

رغم كل الضجيج المقصود من قبل غلاة ملالي إيران واعتراضهم (اللفظي) على تطبيع العلاقات مع أمريكا التي كانت توصف وإلى وقت قريب بـ(الشيطان الأكبر)، فإنه لن يمر وقت طويل حتى يصبح الشيطان الأكبر حليفاً لملالي طهران، وان بدت خطواته بعلاقات هادئة أغلبها تكفل بها الوسطاء، ومنهم احدى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية المهددة أكثر من غيرها من هذا التحالف الموجه أصلاً لتحقيق هدفين استراتيجيين، فالايرانيون يريدون تحييد أمريكا ومنعها من التدخل لفرض سيطرتها كما تطمح على دول الخليج العربية، أما أمريكا فالذي يهمها في المقام الأول تأمين أمن الكيان الإسرائيلي حتى وان كانت مجرد تهديدات لفظية صدرت من مسؤولين ايرانيين، منهم الرئيس السابق احمدي نجاد. كما أن تضخيم (وهم) تنامي قوة ايران العسكرية وتمدد أذرعها الطائفية سيدفع دول الخليج العربية إلى تخصيص موازين عالية جداً لبناء قوة عسكرية تعتمد في توفير أسلحتها وأدواتها وآلياتها من صواريخ ومقاتلات وحتى اقامة صناعة نووية عسكرية معتمدة على أمريكا بالدرجة الأولى، في ظل احتكار استعمال السلاح الغربي وبالذات الأمريكي، ولهذا تكون أمريكا قد حققت فوائد جمة من وراء تطبيع العلاقات مع ملالي ايران، مسقطة كل دعاوى حقوق الانسان ودعم الارهاب وغيرها من (المبادىء) التي كانت واشنطن تتحجج بها في مواجهة ايران، فبعد أن ضمنت أمن اسرائيل فكل شيء يهون حتى وان كان التضحية بمصالح الأصدقاء الذين كانوا شبه حلفاء لأمريكا في المنطقة.

طبعاً هذه ليست المرة الأولى التي تعقد أمريكا الصفقة مع ملالي ايران، فقد سبق التفاهم على تسليم العراق للملالي والسماح بالتمدد إلى داخل أفغانستان، والآن تغض النظر أمريكا عن تمدد وتنامي نفوذ ملالي ايران في سورية ولبنان وحتى في فلسطين عبر قطاع غزة، وبعد كشف اللقاءات السرية وغير المعلنة التي عقدت بين الإيرانيين والأمريكيين لا تخفي واشنطن اهتمامها بتطوير التعاون مع طهران، ولا تمانع في عقد صفقات تتناول الأوضاع في أفغانستان وفلسطين والعراق وسوريا وحتى لبنان، وتتداول معلومات مؤكدة في العاصمة الأمريكية أن الإدارة الأمريكية تعمل و(بهدوء) على التمهيد لافتتاح بعثتها الدبلوماسية في طهران، وإرسال طاقم دبلوماسي إلى السفارة السويسرية في طهران التي تمثل المصالح الأمريكية في طهران، وان وقت افتتاح السفارة الأميركية في طهران سيكون في عام 2014م.

الأمريكيون يريدون أن يكونوا قريبين من صنع القرار في إيران، فبعد تخفيف العقوبات الاقتصادية ضد ايران والسماح لايران بتصدير كثير من النفط للأسواق الدولية سيتعزز الاقتصاد الايراني، مما يتيح للشركات الغربية الحصول على عقود لا تريد الشركات الأمريكية أن تكون بعيدة عنها، حتى وان اشترطت طهران تحفيف الوجود العسكري الأمريكي في الخليج، وتخفيف الضغوط على أذرعة ايران الطائفية كحزب حسن نصر الله (حزب الله) في لبنان، إذ يلاحظ المراقبون تخفيف الانتقادات المتبادلة وتنشيط الاتصالات السرية بين الأمريكيين وممثلين عن الحزب.

وحسب المعلومات من المصادر الدبلوماسية الأمريكية أنه بدأ تغيير موقف واشنطن باتجاه (حزب الله) بشكل جدي، ويتحدث الجانب الأمريكي بشكل واضح عن أن الحزب الطائفي هو قوة سياسية مهمة في لبنان، التي لا يمكن بدون مشاركتها حل الأزمة الحكومية الجارية.

كما تتعدد الاتصالات بين موظفي السفارة الأمريكية في بيروت مع ممثلي (حزب الله)، التي تناقش خلالها مشاكل تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة والاعتراف بحزب الله كجزء لا يتجزأ عن النظام السياسي للبلاد، وكذلك وقف الحملة الإعلامية السلبية المستهدفة لمصالح الطرفين، ومع أن البيت الأبيض ينفي رسمياً المفاوضات ولكنه في نفس الوقت مستمر في محاولاته لإنشاء علاقات مع قيادة (حزب الله)، فهناك استفادة مشتركة، ويعتبر البيت الأبيض أنه سيكون للحزب الوجود السياسي المهم في أي تشكيل للمنظمات التشريعية والتنفيذية اللبنانية.

إن تحول واشنطن في اتجاه طهران وأذرعتها الطائفية في منطقة الشرق الأوسط وتقوية مواقف ايران في الخليج ورغبة الايرانيين الواضحة في الهيمنة على المنطقة يتطلب كل ذلك من دول الخليج اتخاذ الإجراءات المستعجلة لمواجهة التهديد الايراني، وبالذات التغلب على الاختلافات الموجودة، ووضع الموقف المشترك حول مشاكل المنطقة، وتنشيط (لوبي) قوي يدعم مصالح الدول الخليجية في واشنطن.

jaser@al-jazirah.com.sa

مقالات أخرى للكاتب