Thursday 02/01/2014 Issue 15071 الخميس 01 ربيع الأول 1435 العدد

أهلًا بك بيننا يا «نمطي»

لميس الشوشان

يمكن وصف ثلاثة أرباع سكان الكرة الأرضية بالـ «النمطيين»، وَفي كل مجتمع نجد نوعا من النمطيّة التي تنسجم مع ثقافة وتقاليد ذلك الشعب وقناعاتهم. هذه النمطيّة هي أمرٌ مرحب به ومستحسن في كل مجتمع لأنها تمثل كل ما اعتادوا عليه منذ الصغر، كل ما اطمأنوا إليه، وكل ما لا يثير حفيظتهم أو يجبرهم على التفكير والتساؤل. لكن في المجتمعات الغربيّة والشرق آسيوية مثلاً نجد أن الربع الآخر الخلّاق من مجتمعهم يصنف تحت قائمة «المبدعين» ونجد اهتمامًا بهم وحرصًا على زيادة أعدادهم عبر التشجيع والدعم في أي مجال واتجاه يقرر هؤلاء الخلاقون الإبداع فيه. وفي بعض المجتمعات العربية نجد أيضًا نفس المجموعة البشرية «النمطيّة» تكرر نفسها يومًا بعد يوم حتى تعتقد أنها تمتلك قائمة (الفروض اليومية) موزعة لكل فرد لكي يسيروا عليها في كل لحظة من حياتهم؛ فتجدهم يسرفون في تقدير ماتقدره المجموعة كلها ويرفضون ما ترفضه المجموعة كلها، يمتدحون نفس الأطباق ويشربون نفس نوع القهوة ثم يرتادون نفس المقاهي، ويرتدون نفس الملابس والمجوهرات المتفق عليها وإن تغيرت يوميًا فهي تسيركذلك على نفس الخط دون تغيير! يكرهون التساؤل والتفكيير ويغرقون حتى الأعماق في التفاصيل السطحية لحياتهم اليومية.

النمطيون عندنا هم المجموعة السائدة «المستأسدة» على الربع الوحيد المضمحل المعالم، فالربع الآخير قد أعلن استسلامه الظاهري منذ وقت طويل وقررأن يلوّن نفسه بالألوان نفسها المسموح بها في قائمة النمطيين، فهكذا يمكنه أن يسمع منهم عبارة «أنت ناجح» و»أهلاً بك بيننا» لأنك مثلنا، لأنك بلون واحد.. لأنك لا تغيّر فينا شيئًا ولا تدعونا للتغيير.. لأنك لا تدفع عقولنا البليدة للتفكير والتساؤل.. لأنك لا ترغم ضمائرنا على الاعتراف بأننا مجموعة هامشيّة لا تنجز ولا تقدم شيئًا.. لأنك لا تقوم بطلاء حوائطنا بألوان لم نعتد عليها بعد أن تركناها بيضاء كنوع من التقاليد المقدسة التي تخفي كسلنا وضعف همتنا.. لأنك تصفق لنا وتشعرنا بأهميتنا ونجاح نمطيتنا، وفعاليتها بإقرارك بها، واتباعك لها.. هنيئًا لكَ سنمد لكَ يد العون، نشجعك، وندعمك مادمت منّا.

إلى متى سيستمر هذا الحال؟ إجابة هذا السؤال ليست بيد النمطيين بالتأكيد - فكما أسلفنا هم لا يحبون التساؤل فلذلك لن تجد الإجابات عندهم - لكن الإجابة في يد الربع الأقل، في يد الربع المبدع من المجتمع الذي حتى وإن كان يخفي نفسه باللون الموحد والأقنعة الزائفة نفسها فهو ما زال موجودًا وما زال يمتلك القدرة على تحقيق التغيير.. فهو يفكر ويتساءل ويبحث عن الإجابات، يملك القلم والفرشاة ليبدع قصصًا مختلفة كل يوم ويصبغ الأرض من حوله بألوانه الخاصة وفنه الخاص.. ويمتلك ما لا يمتلكه النمطيون أبدًا، القدرة على مد العون، الدعم، التشجيع لإخوته وإن كانوا لا يتفقون بالملبس، المشرب، واللون وغير ذلك!