Sunday 05/01/2014 Issue 15074 الأحد 04 ربيع الأول 1435 العدد
05-01-2014

أتمنى ألا تعجبك هذه الرائحة!

الرائحة الطيبة شيء جميل. رائحة العطر تعطي انطباعاً حسناً، رائحة الوردة ترسم البسمة على الوجه، رائحة البحر تُبهج الروح، رائحة الطعام السريع تفتح وتُسعد النفس. لحظة! هناك خطأٌ ما في تلك العبارة الأخيرة! احذر أن تكون هذه من الروائح التي تحبها!

من يتابع هذه الزاوية فسيعلم عن المقالات التي كتبتها سابقاً عن كتاب (أُمَّة الطعام السريع)، الذي نُشِر في أمريكا عام 2001م، وأثار ضجة كبيرة. فقد ذهب الكاتب إلى المطاعم السريعة، وركّز خاصة على أشهر مطعم سريع في العالم (مـ.....)، ودرس كيفية معالجتهم للأكل، وقتلهم للحيوانات، والبيئة التي تكون فيها الحيوانات قبل قتلها، واكتشف شيئاً مُريعاً من القذارة والأمراض والأضرار التي أثبتها بالدليل القاطع، ورأينا بعض هذه الأضرار في المقالات السابقة، وكيف أن المطاعم السريعة تستقصد الأطفال خاصة لتعويدهم على الإدمان على الطعام السريع. أما اليوم فسنتأمل شيئاً قد لا يكترث له الناس إذا طرأ موضوع الأكل السريع، ألا وهو الرائحة.

إن الرائحة ترتبط بالذاكرة، فرائحة معينة يمكنها أن تستحضر ذكرى قديمة، وهذا أحد أسباب تركيز الروائح في الطعام السريع، وتركيزهم على قصد الأطفال بالذات بدعاياتهم، فإذا كبروا وشموا رائحة بطاطس (مـ.....) مثلاً أو غيره من المطاعم فإن هذا يثير ذكرى إيجابية؛ فيشترون وجبة؛ فيصير الطعام نوعاً من التداوي، يأكله المرء ليس للجوع فقط بل ليثير الذكريات الطيبة، ويشعر بالسعادة. والذي يصمم ويصنع هذه الروائح هو شركات النكهة.

تعرفون محال العطور عندما تدخل، ويرش البائع عينة من عطر على شريحة من الورق المقوى لتشمها؟ هذا ما يفعله العاملون في محال النكهة. فلما ذهب لهم الكاتب أخذ العامل يغمس تلك الأوراق في أوانٍ ذات سوائل مختلفة، ويناولها الكاتب ليشمها، فتارة يشم رائحة روبيان، وتارة يستنشق رائحة الزيتون، وعلبة فيها رائحة الكرز الطازج، وهكذا، وأخيراً طلب منه البائع أن يغمض عينيه وأن يشم إحدى العينات، فلما شمها دهش، رائحتها همبرغر، وكانت دقيقة وصحيحة حتى أنه ظن أن من يقلب شرائح البرغر على شواية في الغرفة!

هذه الروائح مُختارة بعناية، وشركات النكهات أرباحها بمئات الملايين من الدولارات كل سنة، وهناك عشرة آلاف نوع مختلف من الأطعمة المعالجة تظهر في الأسواق في أمريكا كل سنة، كلها تقريباً تعتمد على روائح ونكهات صناعية، التي تعتمد طبعاً على المواد الكيميائية كما هو متوقع. ولتوضيح هذا خذ مثالاً: شركة اسمها السهم الأحمر (Red Arrow)، التي تصنع النكهة المدخنة التي نجدها أحياناً في النقانق والتشيبس، فكيف يصنعون ذلك؟ إنهم يأخذون نشارة الخشب، ويحرقونها، ومن ثم يعلّبون هذه الرائحة والنكهة، ويبيعونها على المطاعم وشركات الطعام!

إنهم لا يهتمون بالروائح والطعم فقط بل حتى الإحساس، فيصمم خبراء النكهة «شعور» الأكل في الفم باستخدام أحدث الأجهزة: أكل مقرمش، مطاطي، متكتل، طري، زلق، علكي، ناعم، رطب، قابل للدهن.. إلخ. يستخدمون جهازاً اسمه مُحلِّل النسيج، يحوي 250 معياراً مختلفاً من تلك المعايير، ويحلل ويقيس تركيبة ونسيج الأكل؛ ليوضع بأكثر الطرق إغراءً.

إن صناعة الطعام السريع أعمق وأخبث مما نظن، فاحذروا أضرار هذا الطعام البشع، واحموا خاصة أطفالكم الذين تستهدفهم هذه المحال.

Twitter: @i_alammar

مقالات أخرى للكاتب