Sunday 05/01/2014 Issue 15074 الأحد 04 ربيع الأول 1435 العدد

ملهي الرعيان .... الواتس آب أنموذجاً ...!!

محمد حلوان الشراري

ملهي الرعيان :- نوع من أنواع الطيور أطلق عليه أهل البادية هذا المسمى قديما لأنه من الطيور التي لا تطير بعيداً بل إن من يراه من رعاة الإبل والغنم يعتقد أنه بإمكانه الإمساك به بسهولة أو أنه لا يستطيع الطيران، فطريقة طيرانه وعودته إلى الأرض تعطي الانطباع بذلك ليجعل من يتبعه ويحاول الإمساك به لا يشعر بنفسه إلا بعد أن يشاهد المسافة التي قطعها خلف ذلك الطائر فيضيّع الرعيان إبلهم أو أغنامهم خلفهم طمعاً بالإمساك بذلك الطائر.. لذلك أطلق عليه البدو مسمى (ملهي الرعيان)...

تذكرت مسمى ذلك الطائر بعدما نظرت لحال مجتمعنا الحالي مع وسائل التواصل الاجتماعي.. ولنا في الواتس أب أنموذجا.. والذي أصبح في متناول أيدي الجميع من صغار وكبار رجالاً ونساء يستخدمونه في الجوال في أي مكان جل الوقت للمحادثات في القروبات والمراسلات والصور والفيديو.

وما نراه في مجتمعنا من سوء استخدام هذه الوسائل جدير بنا أن نضع أمامه علامات الاستفهام المحيّرة... فقد تسبب في مقتل الكثير من الأرواح ممن يسيء استخدامه أثناء القيادة والسرحان عن الطريق بما يدور في قروب أو محادثة..

ملهي الرعيان.....أو بالأصح الواتس آب... أصبح فعلا بين أيدينا الآن ولكنه لم يتخل عن مسماه رغم اختلاف الزمن والمكان فهو كوسيلة قل من يستخدمها فيما يعود له بالنفع بل إن الكثير أصبح يستخدمها كوسيلة للترفيه ونشر الصور اليومية غير المفيدة، وقد انشغل عن عائلته وأعماله وأصدقائه..وواجباته الدينية والوطنية بل إنك لا تلبث أن تجد مجلسا مكتظا بالرجال في مكان ما ولكن تتفاجأ أن المجلس وكأنه على وضع الصامت فالكثير منهم تجده مطأطئا رأسه منشغلاً بالمحادثات مع الآخرين عبر هذه التقنية الواتس آب أو غيره من قروب إلى قروب ومن محادثة إلى محادثة، فتنظر للشخص أمامك فتجد أنه يقرأ ويبتسم دون أن تعرف ما الذي يضحكه لأنه في عالم آخر بعيدا عن المجلس، ولا يشعر بمن حوله حتى لو كان يجلس وحيداً وهنا جديراً بأن أذكر قصة جميلة أو موقفا رائعا لأحد أبناء محافظة طبرجل بعد أن تكررت عليه هذه المواقف من بعض من يأتي له في المنزل بحجة أنه يبحث عن التعلة أو عن السهرة أو الشبه ليأتي لكي يجلس كمجسم فقط أخذ حيزا من المجلس، بينما فكره وتركيزه في عالم آخر فلا يعلم من يأتي ومن يخرج فوجد صاحب المنزل أنه لا مجال من الهروب من هذه التقنية إلا بفرض شرط من الشروط لدخول منزله أو الشبه ليستمتع معهم بالتعاليل التي يجتمع فيها من رجال الحي مع بعض من أصدقائه لذلك ( وضع أمام بوابة المجلس صندوقاً ووضع فوقه لافتة كتب فيها ضع جوالك هنا واستمتع بحديثنا ونستمتع بحديثك لتستفيد ونستفيد من مدارس المجالس وإلا فارجع)، فبهذه الطريقة الجميلة والشرط الجزائي لمن أراد أن يستمع ويستفيد من المجلس أعاد بها للمجلس هيبته وصحوته من تبادل الأحاديث النافعة والمعرفة بين الجميع دون استثناء.. فقد غيّرت هذه التقنية المفاهيم لدى الكثير من الناس في مجتمعنا فقل من يصل رحمه إلا عن طريق رسالة يبعثها عبر الواتس أب إما أن تكون رسالة سؤال عن الحال والأحوال إما أن تكون مقطع فيديو يتحدث فيه ليطمئنهم عن حاله، وأنه بخير ويكتفى بذلك، ولا ننكر أن وسائل التواصل الاجتماعي فعلا قد قرّبت البعيد ولكنها أبعدت القريب، فقد تجد بعض الآباء لا يدري عن حال أولاده وأهله ولكنه يعرف كل شيء عن البعيد وترى الجار لا يعرف عن جاره شيئا ولكنه يعرف عما يحدث في أقصى المدينة، فأصبح الكثير من الناس لا يتعدى أسوار المنزل ولا يخرج إلا قليلا وأصبح يعيش في هذه المحادثات أوقاتا ممتعة وجميلة، ولكنهاد تكون بلا فائدة وأنها أصبحت من أساليب الثرثرة بصمت...

ولا ننسى أنها قد تشغل بعضهم عن الصلاة في وقتها و التسبيح بعد كل صلاة، وتشغل بعض الآخر عن الأذكار في الصباح والمساء. أقول هذا الكلام ولا أنكر أن هناك من الناس من جعل هذه التقنية وسيلة يستخدمها في سبيل الدعوة لله بطرق ميسرة وبسيطة وخدمة وطنه، ولذلك تجده قد خصص لذلك بعض الوقت الذي يستخدم فيه هذه التقنية بدقة وعناية وتركيز بحيث إنها لا تشغله عن واجباته الأخرى، ولا ننكر أن بعضهم يستخدمها بما يعود عليه بالنفع من زيادة ثقافة علمية أو أدبية أو اجتماعية ولكن لا تصل إلى حد الإدمان الذي نشاهده يوميا من حولنا في كل مكان.

عضو الملتقى العربي الثقافي (فرسان الصحراء) في الأردن - عضو الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بالجوف